تتوالى الضربات الموجعة على رأس رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي من قبل وبعد الإنتخابات العامة, وإن لم تهو بعد . برغم تخلي 7 من نوابها وإستقالة إثنين آخرين؟ ففي الفترتين الزمنيتين لعبت شخصيتها دورا كبيرا في عدم وصولها إلى قلب الإنسان الناخب البريطاني .. ولعبت آرائها غير الموزونة أسبابا أكبر في فشلها , حتى وقبل الدخول في الإنتخابات .. خاصة من خلال التصريح بسياساتها المرتقبة مثل تخفيض معاشات المتقاعدين الأثرياء، ورفع الضمان الصحي عن مرضى الزهايمر. إضافة إلى تأرجحها في الرأي ما بين البقاء في الإتحاد الذي تبنته قبل الإستفتاء العام ثم دعمها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد قرار المواطن الخروج من الإتحاد ؟؟ 

إختيارها للدخول في إنتخابات مبكرة , الذي إستند إلى هبوط شعبية حزب العمال والإنشقاقات بين صفوفه, حول مدى قدرة زعيمه جيرمي كوربن على الفوز, أخاف الناخب البريطاني , وأثبت فشلها الساحق في عدم تقدير عواقب آرائها .. فبدلا من حصد أكثرية مقاعد البرلمان البريطاني كما حلمت وتوهمت جاءت النتيجه بفوز الحزب ب 318 مقعداً في «مجلس العموم»، بينما المطلوب هو 326 مقعد .. ؟؟ أي بخسارة ثمانية مقاعد فقط للحصول على الأغلبية التي تعطية الشرعية للتفاوض من مركز قوة, ودون أن يتعرض لمقايضات من تحالفة المتوقع, مع الحزب الديمقراطي الوحدوي لإيرلندة الشمالية . والذي فاز بعشرة مقاعد ويختلف عنه في قيم تتبناها بريطانيا في الوقت الذي يرفضها هذا الحزب. حيث يعارض الحزب زواج المثليين الذي يحظى بتأييد قطاع كبير في المجتمع البريطاني ؟؟ بحيث جاءت نتائج الإنتخابات لتضعها في موقف أضعف بكثير مما كانت عليه قبل الإنتخابات. وسيعرض الحزب للمقايضة والإبتزاز من هذا الحليف في كل كبيرة وصغيرة . وقسمت الحزب للمواجهة والتحدي لمدى قدرتها على قيادة الحزب . بل وقيادة مفاوضات الخروج من الإتحاد ؟

ولكن تخلفها وإعتذارها عن المواجهة في المناظرة الإعلامية الأخيرة بين الأحزاب كان من أهم أسباب فشلها الشخصي وفشل الحزب في النجاح الباهر الذي كانت تتوقعه .

التحليل السابق لا يعني فوز حزب العمال¸ أو التقليل من نجاحه الساحق في الحصول على 262 مقعدا وتغيير معادلات الناخب البريطاني .. حيث إستطاع تقليص الفارق بينة وبين حزب المحافظين إلى حد كبير في الأسابيع الأخيرة .. إضافة إلى قدرتة على إستقطاب الجيل الجديد للإنتخاب من خلال وعودة بإلغاء الأقساط الجامعية, وإعادة ترسيخ يقينهم بالمثل العليا.. ما حدا بإستقطاب أكبر عدد للشباب للمشاركة في الإنتخابات . وهو ما ’يفسرة المحللون على أنه نجاح رائع لإرساء المسئولية الديمقراطية والمشاركة في العملية الديمقراطية ’مبكرا مما يعني الإستمرار في المشاركة لاحقا . وإن كان في رأيي لا يدل إلا على اولوية المصالح الشخصية وسعي الإنسان للحصول عليها أولآ .. .. 

ولكن زعيمه جيرمي كوربن فشل أيضا في الوصول إلى قلب الناخب البريطاني وإحراز ثقته على صعيدين . الأول تعاطفه اللامحدود مع الأقليات المهاجرة , الأمر الذي دق جرس خوف الناخب من إستكمال تزايد الهجرة التي بدأها الحزب سابقا خلال رئاسة توني بلير. الثاني حين أكد وفي كل المناظرات على يساريته وكرهه للرأسماليين ونيته الوصول إلى كل ممتلكاتهم وبكل الطرق الضريبية لتمويل الإنفاق على مشاريعه الموعودة, بالزيادة في الإنفاق الحكومي . الأمر الذي أدى لهروب الكثير من الرأسماليين والمستثمرين من بريطانيا خوفا من سياساته المتوقعة.. بالتأكيد فيما عدا المستثمر العربي الذي يدفعه عدم الإستقرار السياسي والفساد الإقتصادي والخوف مما يحدث في المنطقة, للهروب بأمواله والإستثمار في الخارج الذي وبرغم عدم الإستقرار الإقتصادي فيه إلا أن الديمقراطية المرسّخه تضمن له الإطمئنان على أمواله المستثمرة ؟؟؟ 

في ظل هذا التحليل ’ترى ماذا ’تخبىء الأيام القادمة لبريطانيا ؟؟؟ 

بالتأكيد لا أحد يستطيع التيقن من المستقبل ولكننا وبالتأكيد نستطيع التكهن بأن رئيسة الوزراء الحالية لن تصمد أمام الرياح القادمة من داخل الحزب .. العاتيه منها ’تطالب بالإطاحة بها فورا لأنها عرّضت الحزب لوضع كان من الأفضل والأولى عدم حصوله حين دعت إلى إنتخابات ’مبكرة .. اما الرياح المتوسطة فهي إقتراح بعض النواب ببقائها الأشهر السته القادمه.. وإن كان ما هو إلا تأجيل مؤقت لإعطاء البريطاني الإحساس بالأمان والإستقرار .. 

أما بالنسبة لحزب العمال .. وبرغم أن كوربن أعاده إلى الصدارة مرة اخرى .. إلا أن شخصية كوربن نفسها ستقف كحجرة عثره .. فهو رائع في الحملات الإعلامية والتعاطف مع الفقراء .. والشعارات المثالية .. ولكنه يفتقر إلى الحكمه في التعامل مع الطبقة الأخرى والتي لا ’يستهان بها في المجتمع البريطاني .. أما مناداته بإنتخابات ’مبكرة فلن تحظى بالموافقة على الإطلاق من الناخب البريطاني نفسه لأنه تعب ومل من تلاعب السياسيين في مصالحه ..

يبقى العاملين الوحيدين المؤثرين على المواطن البريطاني .. هما -_الأمن - والوضع الإقتصادي وكلاهما مؤثر كبير على الآخر . 

فبالنسبة للأمن .. يؤكّد المسؤولون الأوروبيون الذين يجمعون على أن بريطانيا ستكون خارج الاتحاد الأوروبي في غضون عامين. في ذات الوقت الذي يؤكدون بان الإرهاب الذي يستهدف أمن الإتحاد يستهدف بريطانيا أيضا وعليه ستبقى الرؤية الواحده للأمن والتنسيق الأمني من خلال التعاون بين الحكومات وبين أقلياتها لضمان الأمن سواء تعاملت مع حزب المحافظين أو مع حزب العمال فكلاهما سيعمل على حماية البريطانيين بنفس المستوى ولن ’يضحي بالأمن لأي سبب..

العامل الثاني .. الإقتصاد .. 

وهو ما تختلف فيه السياسات بين العمال والمحافظين .. ففي حين يؤكد الباحثون بأن انتصار حزب العمال كان سيؤدي إلى هبوط حاد للجنيه وإلى بداية هرب الرساميل والاستثمارات الأجنبية، ونزول أسعار العقارات . والذي بدأ بالفعل وقبل ظهور نتائج الإنتخابات . بينما يؤكد ماضي سياسة المحافظين على التسهيلات الضريبية لتشجيع الرأسماليين والمستثمرين لضمان إيجاد فرص عمل ووظائف لتفادي البطالة وإن كان على حساب بعض الضمانات الإجتماعية .. 

في كل الأحوال تأكد للسياسي البريطاني عبثة زيارة ماي لدونالد ترامب فالثابت الآن أن أميركا وبقيادة ترامب لن تهتم إلا بإقتصادها وما سيعود على مواطنها فقط , حتى وإن تخلت عن الكثير من مبادئها في التعامل مع الدول المنتهكه لحقوق الإنسان فهل ستحذو السياسة البريطانية نفس الطريق ؟؟؟؟

ولكن والأهم أن البراغماتية والديمقراطية البريطانية قادرة إصلاحات سياسية وفي العمق وهو ما ظهر واضحا في إعادة تكليف النائب مايكل جوف الذي دعم الخروج من الإتحاد وأقالته تريزا ماي سابقا.. ففي عالم متسارع يبقى تغيير القواعد التي كانت تتحكم بالحياة السياسية مهما ولكن تبقى الأولوية لخيارات المواطن ... 

على صعيد الرياح العاتيه التي تواجه المنطقة العربية . فما أود أن أبينه للمواطن في العالم العربي (الغير مواطن في بلاده ) بعدم تأمل أي تغيير في السياسة البريطانية تجاه قضاياه المصيرية ..فلن يحدث تغيير كبير في السياسة البريطانيه في دعم الحقوق الفلسطينية التي تخلى عنها حتى الأشقاء ؟؟؟ ولن تتدخل لإطفاء حرائق سوريا والعراق وإن سيبقى التعاطف الإنساني مع ما يحدث في اليمن .. ولكن الأكيد الذي ستعمل عليه .. إعادة النظر كليا في أي علامات تطرف من الجاليات .. وفي التعامل بحزم كبير مع أي شكل من أشكال الوجود الإخواني والإسلامي حتى ومع مواطنها في حال وقوعه في دائرة الشك والتحقيق فسياسة التسامح مع التطرف ستتغير مهما تعارضت مع القيم البريطانية وهو ما أكدته ماي وما ستعمل عليه أي حكومة لاحقة .. لأنه المطلب الأول للشعب البريطاني ومن كل الأقليات الموجودة .

مفاوضات الخروج من الإتحاد ستبدأ الأسبوع القادم .. وسيبقى التعامل الحضاري في هذه المفاوضات سيد الموقف . وهو ما نلاحظه في إختلاف اللهجه والنبرة ما بين مسؤولي الإتحاد والسياسيين البريطانيين لأنهم جيران .. فهل نتعلم ؟؟؟؟؟؟