ما يقرأ من حديث السيد مسعود البرزاني لمجلة "فورين بولسي" ان قرار الاستفتاء لا يستند الى اي دعم عراقي او اقليمي او دولي او أممي، وان ما يجري طرحه من عملية لنيل الاستقلال الكردي مجرد محاولة محلية حزبية وشخصية لا تملك غطاءا وطنيا شاملا داخل الاقليم ولا تملك تفاهما ولا اتفاقا مع الحكومة او القوى السياسية داخل العراق، وهذا بحد ذاته ما يضع الكرد امام مواجهة صعبة في حسم الخيار تزامنا مع تخلخل الوضع السياسي داخل البيت وعدم التوافق على هيئة وطنية شاملة وفاعلة لقيادة الاستفتاء وتحمل النتائج المترتبة عليها، وذلك اضافة الى تعقيدات القضية والظروف السياسية والامننية والعسكرية المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط، وكذلك فان المخاوف الاقليمية التي ترافق العملية من اوسع ابوابها تتوسع وتتشدد بسبب الرفض الذي سيقابل به مشروع اعلان الدولة الكردية من قبل دولة تركيا التي حاربت وتحارب باستمرار ابسط الحقوق الانسانبة والقومية والثقافية للانسان الكردي اينما وجد على وجه البسيطة، وكذلك بسبب الرفض والتحفظ والممانعة التي ستبديها جمهورية ايران خاصة وانها تحسب العراق والاقليم من ضمن فضاءها الأمني الاستراتيجي في المنطقة.

وبالرغم من الصراحة التي خرج بها السيد البرزاني من خلال المقابلة حول الاستفتاء والغاية الأساسية منها، ألا ان قراءة ما بين سطور الحديث وتحليلها على أساس منطقي ترسم لنا انطباعات سلبية واستنتاجات غير مسرة للمواطن الكردي، وذلك لان خلفيات الردود تبين ان تبني وعرض مطلب استقلال الاقليم امام الدول المعنية بالمنطقة والعراق وخاصة الولايات المتحدة لم تنل اي دعم او تأييد، ولكن مع هذا لجأ البرزاني على انفراد الى اتخاذ قرار الاستفتاء بالتنسيق والمعاونة بين حزبه الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني، وتقرأ من هذه الخطوة دوافع مخفية قد تقف وراء قرار الاستفتاء وخلف هذه المحاولة الشبيهة بمجازفة سياسية كبيرة لتحديد مصير شعبنا الكردي، والدوافع هي:

أولا: وصول البرزاني الى نقطة اللاعودة وقرب انتهاء دوره وموقعه السياسي وعدم حصوله على تأييد او دعم دولة من الدول الكبرى لاعلان استقلال اقليم كردستان كحق طبيعي للشعب الكردي وفق المواثيق والعهود الدولية الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ثانيا: وجود دولة مخفية لها امتداد اقليمي ودولي في الاقليم تدير قطاع النفط والطاقة وتدير المافيات المتسلطة على رقاب المواطنين والتي تتحكم بكل مفاصل الحكم، هذا الطرف النافذ دفع بالبرزاني الى تبني الاستفتاء ولو على انفراد لاعلان استقلال الاقليم لغاايات واهداف تخدم الدولة المخفية.

ثالثا: عدم تشدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحكومته وحزبه في الرد على خطوة الاقليم للاستفتاء ودعوة البرزاني للتفاهم والتباحث معه، تزرع شكوكا حول نوايا تركيا والبرزاني تجاه استفتاء الاقليم، حيث بحصول الاستقلال ستصبح انقرة حرة في الاستفادة القصوى من النفط والغاز الكردي، وكذلك قد يوضع الاقليم تحت تصرف تركيا واردوغان وحزبه سياسيا وامنيا واقتصاديا ولعقود طويلة بحجة الحماية وضمان الأمن الاستراتيجي لتركيا وللاقليم.

رابعا: خطوة البرزاني بالاستفتاء لا تتوفر لها اي غطاء اقتصادي وعسكري وأمني وحيوي من داخل الاقليم، وحتى البنية التحتية لتأمين المستلزمات الاساسية للحياة مفقودة أساسا وغير متوفرة، وكذلك فانها لا تستند الى اي خطة اقتصادية وامنية غذائية لضمان مرحلة ما بعد الاستقلال في حالة تعرض الاقليم الى اجراءات سياسية وعسكرية من قبل دول الجوار بالمقاطعة وفرض الحصار الاقتصادي.

خامسا: الارادة الشعبية والحزبية العامة والوطنية الشاملة غائبة تماما عن قرار الاستفتاء والمخاوف متراكمة بسبب عفوية الخطوة وعدم بنائها على اساس مشروع وطني، وعدم طرح قضية الاستفتاء من قبل السلطة الكردية على هيئة مسودة سياسية على الشعب وعلى الاحزاب لتعريف ماهية الاستفتاء والاستقلال واهداف العملية وغاياتها ووسائل تحقيقها ودواعيها القانونية

والدستورية ومقوماتها وحساباتها الكردستانية والعراقية والاقليمية، وهذا الموقف يشكل علامة استفهام كبرى بسبب عدم كشف النوايا الحقيقية التي تقف وراء الاستفتاء.

وبعد هذا نقول ان لم تتخذ اجراءات فورية وعملية حقيقية وصادقة باتجاه اعادة ترتيب البيت الكردي واعادة تنظيم العملية السياسية التي تعاني من تمزق وتفرق شديدين، وباتجاه تصفير المشاكل وازالة الازمات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها شعب الاقليم، وابعاد الاسلوب الدكتاتوري الذي فرضه البرزاني وجماعته وحزبه على الاقليم، والخروج من شرنقة القرصنة الجارية من عقدين لنهب الثروات والموارد والممتلكات العامة للشعب، ولابد من تأمين بنية تحتية كاملة وأرضية صلبة للاقدام الوطني لكل الافراد والاحزاب ومكونات المجتمع المدني باتجاه وحدة الموقف والصف لتبني الاستفتاء واقرار االاستقلال بشجاعة وحكمة وتروي من خلال اتخاذ خطوات عقلانية بعيدة عن المجازفة بمصير الشعب، وألا فان ما ينتظر الكرد ليس باليسر مع استمرار الوضع الحالي على حاله، وما سيتعرض له الاقليم بفعل مغامرة الاستفتاء اللاعقلانية قد تكون ضربات اقتصادية وسياسية وأمنية ماحقة تعيد بالكرد الى سنوات ما بعد الانتفاضة الشعبية عام واحد وتسعين، ويومها لا ينفع الندم ولا العتب.

(*) كاتب صحافي