هناك وجهتي نظر حول العلاقات الهندية - الاسرائيلية، الأولى تقول: ان الهند تاريخيا كانت تعتبر حليفا للفلسطينيين، فقد عارضت قرار تقسيم فلسطين رقم "181" الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947م، ووقفت إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بإعلان استقلال دولة فلسطين عام 1988م، ولم تقم الهند علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا في سنة 1992م بعد انطلاق ما يسمى "عملية التسوية السياسية للصراع العربي/الاسرائيلي".

ومنذ ذلك الوقت تغيرت سياسة الهند تجاه فلسطين، ولم تعد الهند تتبنى مشروعات قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، كما أصبحت تمتنع عن إدانة الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وكان أبرزها امتناع الهند عن التصويت بمجلس حقوق الإنسان على مشروع قرار يدين المجازر الإسرائيلية إبان الحرب على قطاع غزة في صيف 2014م.

أما وجهة النظر الثانية، فتقول: أن العلاقات الهندية الإسرائيلية بدأت في خمسينيات القرن الماضي، حيث اعترفت نيودلهي بالكيان الصهيوني عام 1950م، أي بعد عامين من إعلان قيام دولة اسرائيل في عام 1948م. ومنذ ذلك الحين بدأت على استحياء العلاقات الاقتصادية والعسكرية والتجارية بين الطرفين لكنها ظلت سرية للغاية، بسبب خوف الحكومات الهندية المتعاقبة من خسارة العلاقات مع الدول العربية أو قطع وارداتها النفطية عنها وطرد عمالتها من الدول العربية الخليجية، حينما كانت الدول العربية معنية فعلا بالقضية الفلسطينية. 

لكن في 29 يناير عام 1992م، أقامت الهند علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل، بعدما رأت الهند أن الدول العربية والإسلامية نفسها لم تعد مهتمة بالقضية الفلسطينية وبادرت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وبدأت تجاهر بعلاقاتها مع إسرائيل وتسعى إلى تعزيزها علانية دون حرج، لتأتي الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي "ناريندارا مودي" إلى اسرائيل يوم الثلاثاء من الاسبوع المنصرم، معلنا بذلك انحياز الهند الكامل للاحتلال الإسرائيلي وإنهاء الاهتمام الهندي بالقضية الفلسطينية.

الزيارة جاءت بهدف تتويج العلاقات الهندية - الإسرائيلية التي تسعى اسرائيل إلى ترسيخها وتعزيزها منذ سنوات من خلال الصفقات التسليحية للهند وغيرها من الشراكات الاقتصادية والتجارية التي نجحت اسرائيل من خلالها في جذب العملاق الهندي، الذي كان من أبرز المؤيدين والمنادين بالحقوق الفلسطينية والمعادين للأفكار الصهيونية، إلى الفلك الصهيوني بعيدا عن التأييد للقضية الفلسطينية.

وفي تعليقه على هذه الزيارة التاريخية التي تتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قال رئيس الوزراء الهندي: إن الزيارة تستند على صلة عميقة تمتد لقرون بين الشعبين، ويشاركني هذا الرأي الكثيرون من أبناء شعبي، الذين يرون اسرائيل منارة تكنولوجية، كبلد نجح في البقاء على الرغم من أن كل الاحتمالات كانت ضده.


وفي رده على هذا الإطراء الجميل، قال "بنيامين نتنياهو" مخاطبا "ناريندارا مودي": أنت قائد عظيم للهند وللعالم، عندما التقينا في الماضي في أول حديث بيننا، قلت لي إن حدود العلاقات بين إسرائيل والهند هي السماء، وأنا أقول إن ذلك أكثر من السماء.

لا شك أن العلاقات الهندية - الإسرائيلية تخضع للعديد من المصالح مثل جميع العلاقات بين الدول، لكن بالنظر إلى المنافع العائدة على كلا الطرفين، فإن إسرائيل هي المستفيد الأول والأكبر من تعزيز علاقاتها مع الهند، فالهند تعتبر بالنسبة لإسرائيل شريكا عملاقا يمتلك موارد لا تنضب واقتصاد قوي يجعلها من أكبر الاقتصادات في العالم وأكثرها نموا، ناهيك عن موقعها الجغرافي الذي يجعلها مميزة بالنسبة لإسرائيل، حيث تعتبر الهند بوابة إسرائيل الجنوبية إلى دول جنوب شرق آسيا التي كانت – حتى وقت قريب - أشبه بالقارة المغلقة أمامها لوجود دول وجماعات اسلامية كبيرة، إضافة لذلك فإن اسرائيل حصلت على صوت جديد يدافع عن مصالحها في المحافل الدولية.

أما بالنسبة للمصالح الهندية من هذا التقارب، فإن الهند تعتبر أكبر مستورد في العالم للمعدات الدفاعية، وأصبحت اسرائيل أحد مورديها الرئيسيين، حيث ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن البلدين يقومان بتوقيع صفقات دفاعية تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار سنويا، وتستثمر الهند عشرات المليارات من الدولارات لتجديد معداتها العائدة إلى الحقبة السوفييتية لمواجهة التوترات مع الصين وباكستان، كما أن إسرائيل ثاني أكبر شريك عسكري للهند بعد روسيا، والهند أكبر سوق للسلاح الإسرائيلي، كما أن الهند أيضا ثاني أكبر شريك اقتصادي لإسرائيل.

لا نستطيع ان نوجه اللوم الى الهند بسبب تطوير وتمتين علاقتها مع اسرائيل، فالحكومة الهندية تعلم جيدا ان أكثر البلدان العربية ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية وأمنية واستخباراتية مع اسرائيل، بعضها في العلن والبعض الآخر في الخفاء، وان اسرائيل ما عادت من وجهة نظرهم دولة معادية لهم بل حلت محلها دول اخرى في المنطقة. مثلما كانت "اثيوبيا" بوابة اسرائيل للتواجد والتوسع في القارة الافريقية على حساب المصالح العربية، اصبحت الهند البوابة التي من خلالها سوف تتغلغل اسرائيل في دول جنوب شرق آسيا للغرض نفسه.