ليس اليوم او بالامس، شقت كوريا الشمالية عصا الطاعة وصورت ان لها طريقها المستقل الخاص. فكوريا التي يعاني شعبها من ازمة اقتصادية خانقة منذ زمن طويل، ارادت مساومة العالم، بما تنتجه من الاسلحة المرعبة. ولكن المشكلة ان مثل هذه المساومة لا نهائية وسيضل نير السلاح الذي تحاول ان تتساوم به الاخرين مسلطا على الجميع. ولكن من جهة اخرى سؤال يطرح نفسه، اذا كانت كورية تعاني من الحصار المفروض عليها دوليا، وخصوصا في مجال السلاح والتسلح، فاذا من اين لهاالتكنولوجيا التي تسمح لها بصنع الاسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات والتي كان يوم 4 تموز الحالي، يوم الاستقلال الاميركي، يوم اقدام كوريا الشمالية على اجراء اول تجربة ناجحة لمثل هذه الصواريخ. هنا اللعبة الدولية التي يظهر ان فيها تحكم من قبل الاطراف التي تلعبها. فالظاهر ان الصين و روسيا ليستا بريئتان من عملية تزويد كوريا الشمالية بالتكنولوجيا المطلوبة لصنع مثل هذه الصواريخ. لا بل ان الدولتان تدعمان كوريا الشمالية اقتصاديا لتتمكناها من ان تقف وتستمر. ومن الواضح ان غاية روسيا والصين ليست ابدا دعم شعب كوريا الجائع، والا لدفعتا كوريا الشمالية لوقف اي تجارب او حتى محالة تطوير اسلحة وما تتطلبه العملية من اموال طائلة جدا. او دفعت كوريا الشمالية للعمل مع كوريا الجنوبية، حسب الاتفاقات المبرمة وخاصة انشاء مناطق صناعية مشتركة والعمل رويدا رويدا لازالة مخلفات الحرب والانقسام. الا ان الظاهر ان التقاء مصالح روسيا والصين ورغبة الفئة الحاكمة في الاستمرار وخوفهم من اي حالة ديمقراطية، لانها ستؤدي بهم الى المحاكم جراء الجرائم الوحشية التي اقترفوها بحق شعب كوريا الشمالية، قد التقت في ديمومة هذا الاستمرار، فالدولتان اي الصين وروسيا، تستعملان كوريا الشمالية كحالة شاذة منفلتة وهما بروابطهما الخاصة بها يمكنهما من ترويضها وعقلنتها، وطبعا كل هذا لا يتأتيى مجانا بل بالمساومات في قضايا اخرى. فهل في اجراء التجربة الناجحة لصاروخ كوريا الشمالية، دور في قبول اميركا بانشاؤ مناطق حضر الطيران في سوريا، باعتقادي نعم، انه منطق المساومات، القائم في حل المشاكل التي تستمر ولكن بوتيرة اخرى.

وفي قطر، وهي دولة صغيرة بالمساحة والسكان، ولكن لها امكانيات مالية كبيرة جدا، هناك نوع من تطوير، ولكن باعتقادي انه غير جوهري، اي انه لم يصل للانسان ويطور امكانياته ونظرته للعالم، بل يكاد التطور الحاصل كشرنقة خارجية، تتكسر في اول امتحان ويظهر معدن الانسان الاصلي وهو هنا، ذالك الانسان المتقوقع والمنعزل والذي يعتبر ثقافته ومعتقداته افضل ما موجود في الكون وانها مقدسة ولا يجب ان تتغير او ان يصلها اي انتقاد.

لقطر اموال كثيرة، ولا يمكن ان تخصصها كلها في الداخل، فتطوير الداخل يجب ان يخضع لخطوات متسلسلة، والا لتطلب الامر جلب اضعاف ما فيها من العمالة، ولكان على قطر تحمل النتائج الخطرة لذلك. فماذا تفعل بهذه الاموال؟ باعتقادي كانت خطوة قطر منطقية وان لم تكن سليمة، انها ارادت ان تستثمر في موفع دولي قد يقيها التغييرات التي تحدث كانفجارت البراكين في المنطقة، ولكنها اختارت الطريقة السيئة، وهي الانغماس في التعاون مع الاسلاميين وخصوصا المتطرفين منهم. وقد يكون لهذا الامر سببا ايضا، اي لكي تبرئ نفسها من التعامل المباشر مع اسرائيل، او لادراكها ان الاستثمار في الديمقراطية التي نادت بها حركات الربيع العربي، سيكون اسثمارا فاشلا وسيوجده سهامه الىهم كاول ضحاياه باعتبار قطر دول غنية يتحكم بها وبقرارا عائلة واحدة، دون اي وجه حق. ولذا كان التعامل مع الاسلاميين منطقيا ولكن هذا التعامل، كان مراقبا، صحيح ان الدول الكبرى لم تتكلم، الا انها عرفت وعلمت باغلب خطوات قطر وغيرها. ولكن لهذه الدول حسابات اخرى، ان لم تؤثر على موازين القوى العالمية، وان بقت التحركات ضمن المسيطر عليه، فلا استعجال في استحصال الاتعاب وقيمة الاضرار. قطر استغلت التحركات في الربيع العربي، لا بل دفعت نحو محاولة اشعال نيران الربيع العربي في اكثر من بلد، بغية ايصال من ساعدتهم الى السلطة ولكي يكونوا لها عونا، الا انها فشلت وكانت بداية الفشل في تونس، حيث ان حركة النهضة وقيادتها سارت في خط يحفظ تونس من الخضات وعملت من اجل اقامة تحالف واسع، واقرت الكثير من خطوات التي تدعم علمانية الدولة ومدنيتها، وتلاها الفشل في مصر وفي سوريا، لا بل ان الحركات الاسلاموية اظهرت اقبح وجه عرفته الحركات السياسية قاطبة على مدى التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الاوسط.

تركيا، التي يحكمها حزب قال انه يعمل في اطارقيم الاسلام وليس حزبا اسلاميا، ورحب به الغرب وفتح له ابواب التجارة والصناعة، لاجل دعم هذا المسار وليكن مثالا يحتذي للمنطقة، لم تتمكن من ان تضبط ايقاعها مع التطورات الحاصلة في الشرق الاوسط، ومترتبات الربيع العربي، فكشرت عن انيابها الاسلامية ورغبتها في التوسع، وحاولت ان تلعب لمصلحتها في ليبيا وسوريا، الا ان الظاهر انها بدأت سريعا التراجع والعمل من اجل دفع النار عن حدودها. والظاهر ان محاولة الانقلاب العام الفائت، كانت خطوة للتراجع والانكفاء على الذات لاعادة الحسابات المغلوطة، ولكن بمزيد من الاخطاء، فمحاولة لجم الجميع وفرض قيم محددة على المجتمع بحجة ان الحزب الحاكم حقق لتركيا الكثير، باعتقادي ستتحول الى عكس التيار المؤيد لهم، لان نتائج التهور السياسي للسيد اردوغان، ستكون ضحيتها تركيا، وهي رسالة للشعب التركي لكي يدرك من ينتخب.

المسار الواحد المشترك، ورغم الادعاء والاعتزاز من قبل الدول الثلاثة، بقرارهم المستقل، الا انه من الواضح، انهم قد خسروا ليس القرار المستقل بل القدرة على التحرك والتملص من الضغوط الدولية، ومن تبعات سياساتها، فكوريا ورغم دفاع روسيا والصين عنها وخصوصا في الجلسة الاخيرة لمجلس الامن، الا ان الدولتين اي روسيا والصين اثبتا وعلى مدارالسنوات الثلاثون الاخيرة، بانهما يتنازلان عن الكثير لاجل تحقيق مصالح في اقتصادية مع الغرب. صحيح ان منطق وطريقة التعامل في الدول الكبرى ابطاء، الا ان نتائج هذا التعامل تظهر بقوة وتحترم، لانها نابعة من ميزان القوى.

اذا نحن بانتظار الخطوات التي ستفرضها الدول الكبرى او كما سيتم اخراجها في حالة قطر، كحل بين الاخوة، لتقليص نشاطات معينة او حتى ايقافها كليا من خلال اعادة التاكيد عل اتفاق 2014، وتغيير مسار العلاقات الخارجية او قوتها، ولكن كحفظ ماء الوجه ستبقى الجزيرة عاملة وان تغييرت سياستها. اما كوريا الشمالية لها حل واحد تقريبا ان ارادت التعامل مع المجتمع الدولي والتملص من الحبال الروسية والصينية وهو اعادة فتح الحوار والتفاوظ مع الشقيق الجنوبي.

ان اخطر السيناروهات باعتقادي سيكون من نصيب تركيا،وخصوصا ان النظام الاردوغاني قد اعلنا حرب غير مباشرة على الجميع في تركيا، وهذا لمدواة جرحه في مغامراته الخارجية، مما سيقوي ممانعة الاخرين في التفاوض او الرغبة في الوصول الى حلول وسطى، وخصوصا الطرف الكردي، الذي ابدى الرغبة والايمان والثقة في العمل السياسي و استحصال الحقوق من خلال هذا الطريق. ان الزج بالكثير من القيادات الكوردية وحتى بعض رموز حزب الشعب الجمهوري في السجون وبتهم جاهزة، يعبر عن استعصاء الازمة التركية وعن صعوبة ايجاد حلول توافقية لها. فاردوغان المعجب بالفترة العثمانية، كان يريد تسويق ما يعجب به من خلال الانتصارات الخارجية، وتسويق ما يطمح اليه من ثم للداخل. ولكن حينما فشل في مغامراته الخارجية، تحول الى الداخل فارضا رؤيته ومرة اخرى بمؤامرة عثمانية وهي الانقلاب. وبهذه الحجة يريد ان يفرض مشروعه في الاسلمة من خلال اسكات كل الاصوات. ولكنه نسى ان لهذه الاصوات حلفاء، لا بل هناك دول اخرى تلعب العاب سياسية اخرى، قد تتعارض معه. واعتقد ان نتيجة ذلك ستكون من وحدة تركيا.