قد يظن البعض أن قطر قد انتبهت إلى خطورة اللعبة التي تمارسها إقليمياً، بعد أن تعرضت لمقاطعة من دول تعتبر الحاضنة الاستراتيجية الطبيعية للأمن الوطني القطري، ولكن هذا لم يحدث مطلقاً، وأكاد أجزم أنه لن يحدث في ظل القيادة القطرية الحالية، التي تمتلك قدراً عالياً من العناد والمكابرة يمنعانها من الاعتراف بالخطأ، ناهيك عن تصحيحه والعودة للصواب.

تواصل قطر أكاذيبها التي لا تتوقف، ولكن الجديد أن الفترة الأخيرة قد أسقطت "ورقة التوت" عن الآلة الإعلامية القطرية فبدأ الكثيرون ينتبهون إلى ما تورده من أخبار، وسقطت عنها الأقنعة التي كانت تتدثر بها زاعمة الصدق والموضوعية والاحترافية وغير ذلك من أكاذيب باطلة. بالأمس القريب نسبت وسائل الاعلام القطرية إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، تصريحات تفيد بأن المدعية العامة "أعربت عن أسفها تجاه الانتهاكات في حقوق الإنسان المتصلة بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني الناجمة عن الحصار." وهو مانفاه مكتب المسؤولة الدولية بشدة، وأكد أنها لا تعلق على القضايا السياسية، وأنه "يتوقع" من وسائل الاعلام القطرية "تصحيح" هذه التصريحات!!

ربما يقوم الاعلام القطري الكاذب بتصحيح هذه التصريحات في تقارير لاحقة وبشكل ما لإرضاء المسؤولة الدولية، التي زارت الدوحة مؤخراً "زيارة خاصة" والتقت أميرها ووزير خارجيتها كنوع من البروتوكول، ولكني على ثقة بأن التصحيح سيتم نشره في أضيق الحدود ولمجرد إرسال نسخة منه لمكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية وليس لتعريف الرأي العام بالحقائق وتصحيح الأخطاء.

احتراف مهنة الكذب وتزييف الحقائق هو أبرز سمة للإعلام القطري منذ تأسيس "جزيرة الشيطان" في عام 1996، ولكن كذبها لم يتم فضحه لأسباب بعضها يتعلق بمهنية الكاذبون واحترافهم ومقدرتهم على اتقان فنون الكذب والخداع وبطريقة متواصلة، وبعضها الآخر كان يتعلق في سنوات سابقة بضعف المنافسين في وسائل الاعلام العربية، التي لم تكن تستطع جذب المشاهد العربي لمحتواها، ناهيك عن إقناعه بصدقها وطرحها للحقائق في مواجهة أكاذيب "الجزيرة"، وهكذا امتلكت هذه القناة ناصية الاعلام العربي لسنوات مضت، وهو ما تم التغلب عليه الآن بجدارة وعادت هذه القناة إلى موقعها الطبيعي في أسفل قائمة اهتمامات المشاهد العربي، بل إن إطلاق قطر لقنوات تلفزيونية بديلة لها يعد اعترافاً صريحاً بانهيار مصداقيتها وفشلها التام.

في سنوات سابقة، كانت "الفبركة" والأكاذيب في الاعلام القطري تتم بحرفية واضحة، وكان على من يريد تفنيدها أن يبذل الجهد كي يقنع الجمهور بالحقائق السليمة، ولكن الحاصل الآن أن هناك أجيال جديدة من الكاذبين لا يعرفون قواعد صناعة الكذب، وهذا من حسن طالع المنطقة والعالم، فهم يصيغون تقارير غبية لا يمكن أن يصدقها عاقل أو تنطلي على طفل صغير، فالتقارير المتضمن تصريحات المدعية العامة للجنائية الدولية قد نسب إليها قولاً غريباً حين نص على "وأشادت (يقصد المسؤولة الدولية) بالطريقة التي تدير بها دولة قطر هذه الأزمة معبرة عن إعجابها بالدور القطري الذي طالب بالبراهين والأدلة.. مشيرة إلى أن هذا هو النهج الصحيح في التعامل مع مثل هذه الأزمات" هل يعقل أن يتورط مسؤول دولي في قول مثل هذا الهراء!! ألا يعرف الكاذبون الجدد حدود مهام ومسؤوليات المسؤولة الدولية، وهي حدود تمنعها من الخوض في أمور سياسية تخص العلاقات بين الدول!!

وهل يعقل أن يتورط الإعلام القطري في فبركة أكاذيب ونسبتها إلى مسؤول دولي بعد أيام قلائل من فضيحة فبركة تصريحات نسبت إلى المفوض السامي لحقوق الانسان زيد رعد الحسين، حيث أكدت المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، في 30 يونيو الماضي، إنها "تأسف لظهور تقارير غير دقيقة في وسائل الإعلام القطرية" حول اجتماع عُقد بين المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، والممثل الدائم لدولة قطر في الأمم المتحدة في جنيف.

"صنعة" الفبركة التي أضافت الكثير من النقاط للاعلام القطري تم فضحها وسقطت عنها الاقنعة تماماً، وهذا الأمر يعكس مدى تخبط القيادة القطرية وفشل المسؤولين عن الإعلام في تجميل وجه هذه القيادة ومن ثم لجوئهم إلى الكذب والتحريف والفبركة من أجل الحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم بغض النظر عن الكارثة التي يلحقونها بشعب قطر.

الجانب الأهم في هذا الواقع القطري البائس أن قطر انتقلت إعلامياً من استراتيجية الهجوم إلى الدفاع، وهذا مكسب مهم للشعوب العربية، لأن مجرد ابتعاد الاعلام القطري بما يروجه من أكاذيب وما يمتلكه من خطط ومؤامرات، عن المشهد، قد يكون بداية تحقيق الاستقرار في المنطقة الخليجية والعربية.