خمسة واربعون عامًا مضت على وفاة الملك طلال بحلول الشهر السابع من عام ٢٠١٧، ملك المملكة الاردنية الهاشمية و الذي وضع خلال فترة حكمه القصيرة دستوراً متحرراً وعصرياً ومتقدماً، و جعل الحكومة الاردنية مسؤولة مجتمعة متضامنة امام البرلمان الاردني في قراراتها، والوزراء كل مسؤول على حدة، حيث تم التصديق على الدستور في الاول من كانون الثاني عام ١٩٥٢. 

وأمضى الملك طلال سنوات في مصحات نفسية ومشافٍ سجينًا لمؤامرة دبرها الانجليز بالتعاون مع عملائهم في الحكم انذاك، بسبب انه بذل جهدًا مميزاً وكبيرًا في تحسين العلاقات بين مصر والسعودية ومملكته الاردنية، وارتبط بعلاقات تاريخية مميزة معهما، واراد مملكة مستقلة ذات قرار سيادي تنطلق من مبادىء عربية اصيلة غير تابعة لبريطانيا وعملائها، ورفض الانصياع لمتطلبات الانجليز وممثلهم في الاردن، وصفع اللفتانت جلوب باشا، رئيس اركان الفيلق العربي من الجيش البريطاني المعين عام ١٩٣٩ والذي افتضح دوره وعمالته في حرب ١٩٤٨ حيث غيّر الخطة قبل ٤٨ ساعة والتي كانت تقضي بمهاجمة الجيش اليهودي ومستعمراته.

الملك طلال هو من تحدث الي العميد علي الحياري، فيما بعد الفريق ورئيس الاركان وأحد الضباط الاحرار في الاردن للعمل على طرد الانجليز والتخلص من كلوب باشا.

 وتلك الصفعة حدثت اثناء حوار تمادى فيه جلوب باشا على الملك والمملكة، معتبرًا أن الملك طلال مجرد موظف لدى بريطانيا وان الحاكم الناهي هو كلوب باشا الشهير بلقب “ابو حنيك”، واعتبرت الصفعة اهانة لبريطانيا العظمى، فقررت التخلص منه وحيكت له مؤامرات انتهت به في مستشفى بهمان في مصر، ثم في مستشفى الامراض العقلية في اسطنبول وقبلها سته اشهر في مستشفى نسائية وتوليد في جنيف، وتمت محاولة اغتياله في حادث سيارة في مصر لولا أن مرافقه الشخصي صبحي طوقان، (أحد اكفأ الضباط الاردنيين الذين التحقوا بدورات اسكوتلند يارد)، طلب اليه بحسه الامني أن يركب سيارة أخرى غير تلك التي خصصت له، فكان له ما أراد و انفجرت السيارة الاخرى في الطريق ومات سائقها ومن بها من حراس، ونجا الملك طلال. 

كل هذا تم ولم يكن بجانبه الا مرافقه الخاص المقدم صبحي طوقان الذي كان الاكثر قربًا، والاكثر ولاءً واخلاصًا للملك، و صلة التواصل مع الملكة زين زوجة الملك وشقيقها الشريف ناصر بن جميل، وفي نفس الوقت بناءً على طلب الملك نفسه تواصل مع ابناء الاردن الشرفاء والوطنيين الساعين الى التخلص من الانجليز ونقل رسائل سرية بينهما، وعمل على اعادة الملك طلال الى ملكه ومملكته بالتعاون مع الرئيس جمال عبد الناصر، الا ان الخطة فشلت بسبب صحافي مصري كان متواجداً في اسطنبول ولتلك قصة وموضع آخر. 

في كل زيارة تتم الى المستشفى في اسطنبول كان صبحي طوقان يجيب على استفسارات المعنيين عن صحة الملك طلال فيقول:” انه بصحة وعقلية سليمة ممتازة ولا يعاني من شيء”، وكان ذلك يزعج الانجليز والسائل. 

الملك طلال ملك وطني بكل ما تحمل تلك الكلمة من معانٍ، ظلم كإنسان، ولم يأخذ حقه في التاريخ واغفل ذكره في حقبة هامة من تاريخ الاردن والمنطقة.

اليوم و بعد ٤٥ عاماً من وفاته منفيًا بحجة المرض العقلي، لا بد من إعادة الحق له ووضع صوره الى جانب صور كل من ملوك الاردن، والسماح بنشر الحقائق عنه خصوصًا وأن الوثائق في العادة يفرج عنها بمرور ثلاثين عامًا.

الملك طلال صورة مشرفة لملك عربي هاشمي. رحمه الله عليه.

٩ يوليو من عام ١٩٧٢ دخلت القصر الملكي للتعزية بعد يومين من الوفاة، سلمت على الملك الحسين وولي عهده الامير الحسن وكتبت في دفتر العزاء كلمات مواساة ورحمة على “ الملك”، الذي وضع الدستور الذي نفتقده كما نفتقد الملك نفسه. 

[email protected]