كان من عادة شيخ الجبل العفريني* وخاصةً عندما يكون في ندوة حزبية أو مناظرةٍ فكرية أو مشاركاً في مناقشة موضوعٍ سياسي حاد، أن يتفحص وجوه الناس ويقرأهابتمعن قبل أن يدلي بدلوه في القضية المطروحة، وبما أنه كان مهتماً جداً بمنبت الشخص الشكاك أو المحاجج، ووفقاً لآليته في التعامل مع المداهمين ساحته بالاستفسارات المُحرجة، فكان الرجل إن واجهه أحد المتحمسين في المجادلات السياسية بسؤالٍ ما، فقبل الرد عليه، كان يسأل من يجاورونه عمن يكون ذلك المتحدث، ابن مَن تحديداً، وبعد معرفته بمنبته الاجتماعي، خلفيته الأيديولوجية والعائلة التي ينتمي إليها السائل أو المحاجِج،فيجاوبهُ بجوابٍ خليط وممزوج بشيء من علم الاجتماع والسياسة، وذلك حتى يكون جوابه شافياً للسامعين وكافياً للسائل، وبنفس الوقت يكون مبعث حذرٍ لدى أي نفرٍفضوليٍّ لجوجٍ يلعب في عبه فأر التساؤلات.

وبخصوص تعلّق الحاضر بالغابر فإن التصريحات الأخيرة لصاحب قناة NRT دفعتنا لتذكُّر مواقف شيخ الجبلوحضتنا فلسفة الراحل على التعرف إلى رجل الأعمالورئيس مجموعة شركات "ناليا" شاسوار عبد الواحد بعدإعلانه الأخير في الوقوف بوجه رغبة الملايين من الكرد في الإقليم وخارجه، فمن هو؟ وما هو منبته ومواقفه السابقه؟ ومن هم المحيطون به؟ ولكني وفور معرفتي بأنه شقيق البرلمانية العراقية عن حركة كوران سروة عبدالواحد، قلتُ في سري مَن شابه اخته فما ظلم، وهي جملة محورة عن المأثور الشعبي من شابه أباه فما ظلم، بمعنى أن من سار على خطى وهوى معلمه لا يُعاب ولا يؤاخذ، علماً أني كنت قد قرأت لشقيق سروة مقالته التهكمية التي كانت بعنوان: "افتخر بك أيها الرئيس البارزاني لمقالك التاريخي هذا" والتي دعا من خلالها إلى تنحي البارزاني عن الحكم، وبالتالي السماح لمن هم على شاكلته بأن يتسنموا المواقع السيادية في الإقليم حتى يقودوا من بعده الإقليم بما فيه إلى مخانع قم أو بغداد.

حيث أعلن شقيق سروة عبد الواحد يوم الثلاثاء عن ولادة حراك جديد في إقليم كردستان، يعارض إجراء استفتاء الاستقلال خلال الأسبوعين المقبلين، وروجت الوسائلالإعلامية القريبة من مزاجه الاعتراضي، بأن شقيق سروة التقى عدداً من الشخصيات الأميركية ونواب من الكونغرس خلال الشهرين الماضيين، ليخبرهم ربما عنأهميته كشخصٍ قادرٍ على أن يكون عقبة أمام حكومة وشعب الإقليم! إلا أن المروجون للرجلِ العقبة لم يخبروا الناس طبعاً عن علاقته بالمخابرات الإيرانية ولا بتلقيه الدعم اللامحدود من ذراع طهران في بغداد نوري المالكي!

ومن خلال قراءة خطابات بعض الأنفار المعارضين للحزب الديمقراطي الكردستاني، أو لكل مَن كان مِن الأرومةالبارزانية، فيظهر جلياً بأن منطقهم الاعتراضيونقدهم لا جدوى منه، ولا أهمية له، ليس لأننا ضد نقدالحكومة أو رئيسها أو وزرائها، ولا لأننا نعتبر حكومة الإقليم معصومةً فلا تخطئ، إنما لإدراكنا بأن النقد المدفوع بالنكاية والحقد والإنتقام يكون صاحبه قد بلغ حالة عماء البصر والبصيرة، وبديهي أن مَن بلغت به الكراهية حدود العماء لا يُرتجى منه أي عدلٍ أو إنصاف أو أيَّ أملٍ في رؤية ولو فضيلةٍ واحدة من فضائل مَن يعارضهم، ومن هذا المنطلق تحديداً نقول بأن لا قيمة لأية انتقادات خارجة من قلوب ملؤها الحسد والمقت والشحناء.

عموماً ففيما يتعلق بالنفسية المريضة لبعض المنتقدين أو المعارضين يقول نايف ذوابة "إن تضخّم الأنا يجعل من هذا النوع من الناقدين من أجل النقد، قيماً على الآخرين ولا يرى فيهم إلا عيوبهم ونقائصهم والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلاً" أي وفق تعبير الإمام الشافعي "وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ ولكن عينَ السخط تُبدي المساويا".

وأخيراً فبين الذي تحدّث به رئيس البرلمان العراقي السابقالدكتور محمود المشهداني صراحةً عن الاستفتاء والاستقلال بقوله: "لو كنت كوردياً لطالبت بالدولة الكردية وقاتلت من أجل ذلك" والذي أردف قائلاً بما معناه إنالحدود التي رسمها سايكس بيكو بالخط الاحمر وغدت بالنسبة لشعوب ودول المنطقة حدود مقدسة، هي في حقيقةالأمر غير مقدسة ووضهعا شخصان أجنبيان، إذ أن ما تفوه به المشهداني مقارنةً بالحملة المأجورة التي يقودهاشقيق سروة، سواءً مع رهطه أو مع من تبقى من أبناء صدام حسين اللاشرعيين في مدن الإقليم من خلال الحجج والمبررات التي يسوقونها في تنقلاتهم وتصريحاتهمالإعلامية، وحيال المخاض الذي ينتظره الكرد منذ قرون فيما يخص استحقاقات الإقليم شعباً وحكومةً، حجراً وبشراً، أرضاً وسماءا، ليس لنا إلا أن نختم وقفتنا هذه بعبارة فيلسوف الإغريق أفلاطون حيث يقول: "لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*شيخ الجبل: هو الأسم الحركي للرحل سامي عثمان ناصرو، الذي وافته المنية في 24 / 7 / 2010، والمولود في ١٩٤٩ بقرية كوردانالتابعة لمنطقة عفرين في محافظة حلب، حيث كان قياديا بارزاً في حزب آزادي الكردي في سوريا، وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن الكاتب والسياسي الكردي صلاح بدرالدين هو مَن أطلق عليه اسم شيخ الجبل كاسم حركي عبر المراسلات التنظيمية أو المكالمات التلفونية، وذلك خشيةً عليه وتحسباً من المراقبة الأمنية أولاً، وثانياًللدلالة على وزن وقيمة الراحل لديه وكذلك مكانته في عفرين وجبل الكرد بوجهٍ عام، ويذكر أن صلاح بدر الدين عندما كان يُشغل موقع الأمين العام للحزب فقد خوَّله آنئذٍ لأن يمارس شيخ الجبل كامل صلاحياته داخل الوطن، وذلك لثقته الكبيرة بالراحل، أما القيادي في حزب اتحاد الشعب مصطفى عثمان المقيم حالياً بمملكة الدنمارك، فقال إن الذي سماه شيخ الجبل هو السياسي والمناضل حسن صالح عام ١٩٨٣.