لا شك ان الخلافات بين القادة العرب تساهم بشكل كبير في معاناة شعوبهم، ثم انهم لم ينجحوا ولا مرة واحدة في التوصل الى حلول وسط او توافقية بشأن الأزمات التي تعيشها المنطقة العربية منذ عقود. هذا القصور او الفشل الذريع يمهد الطريق لبعض الدول الاجنبية للتدخل في الشؤون العربية تحت ذريعة مساعدة الأطراف المتنازعة في التوصل الى حلول توافقية لمشاكلهم ونزاعاتهم. 

آخر هذه التدخلات الأجنبية هي المبادرة التي قام بها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لحل الأزمة الليبية، حيث دعا كل من قائد الجيش "خليفة حفتر" ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "فايز السراج" الى زيارة باريس بهدف مساعدتهم في الوصول الى اتفاق ينهي معاناة الشعب الليبي، وقد نجح – الى حد ما - في مسعاه حيث توصل الطرفان الى خارطة طريق للمصالحة الوطنية وقرب حل للأزمة الليبية. وحسب المعلومات المتوافرة، فإن خارطة الطريق الجديدة تتضمن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي الليبي، ووضع دستور جديد للبلاد، على ان تكون ليبيا دولة رئاسية، لديها برلمان وحكومة ورئيس للبلاد. 

وقد جاءت المبادرة الفرنسية بعد ان فشلت كل من تونس ومصر والجزائر والمندوب الأممي السابق الألماني "مارتن كوبلر" في تحقيق أي اختراق لحل النزاع بين الاخوة الأعداء في ليبيا. هل سيصمد هذا الاتفاق ام لا؟ الأيام او الأسابيع القادمة سوف تؤكد ذلك. 

الدراسات والبحوث التي تطرقت الى موضوع عجز القادة العرب عن حل خلافاتهم، تؤكد ان السبب الرئيسي هو انعدام الثقة بين القادة العرب الموجود منذ بداية الاستقلال منتصف القرن الماضي. الباحث الألماني المتخصص في الشؤون العربية "البرشت متسغر" يقول: "عندما منحت معظم الدول العربية الاستقلال، انقسم العالم العربي الى محورين، حيث اتخذ المحور الأول، الدول ذات الأنظمة الملكية/الأميرية، موقفا مؤيدا للغرب، وانحازت تلك الدول الى الموقف الغربي في الحرب الباردة، وانتهجت سياسة عملية براغماتية بخصوص قضية وجود إسرائيل، كما انها رهنت ثروتها النفطية في أيدي الغرب، وبقيت على هذا الحال حتى يومنا هذا.

أما المحور الثاني الذي تزعمته مصر وسوريا والعراق والجزائر ولاحقا ليبيا، فإن تلك الدول لم تعاد الغرب بوضوح، إلا انها اتبعت موقفا مغايرا من حيث الابتعاد عن الغرب والاعتماد على الذات. ويعتبر تأميم شركات النفط وقناة السويس هو أفضل مثال على السياسات التي انتهجتها تلك الدول في طريق الاستقلال والابتعاد عن الغرب". 

الى ما قبل الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1967م، كانت الحكومات في المحورين تتهم بعضها البعض بالتآمر بهدف تغيير أنظمة الحكم، او زعزعة الاستقرار على اقل تقدير، وقد توقفوا عن هذا السلوك المشين منذ قمة الخرطوم في 29 أغسطس 1967م، ولكن يبدو ان البعض قد عاد اليه بعد انتفاضات الربيع العربي مطلع العام 2011م. 

الحقيقة ان اغلب أنظمة الحكم العربية تقوم على عقلية الشخص الواحد، وهذه العقلية هي السائدة سواء في الدول ذات الأنظمة التي تدعي انها جمهورية او ملكية/أميرية، فالرئيس او الملك او الأمير هو محور اتخاذ القرارات والسياسات، وهو رئيس السلطة التنفيذية وصاحب القول الفصل في كل ما يخص الدولة والشعب، كما انه غير خاضع لأي نوع من أنواع المساءلة. 

الاتحاد الاوروبي أنشأ "محكمة العدل للجماعات الأوروبية" ومقرها لوكسمبورج من قاض واحد من كل بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي، يساعده ثمانية نواب عموميين. وهي محكمة مستقلة تماما وتضمن فهم وتفسير قانون الاتحاد الأوروبي بنفس الطريقة التي يفعلها جميع الدول الأعضاء في كل أنحاء الاتحاد. ويلزم على المحاكم في الدول الأعضاء إحالة القضايا إلى المحكمة لإصدار الأحكام عند نشوب نزاع يتعلق بقانون وطني أو تابع للاتحاد الأوروبي. كما يتم اللجوء إليها لتسوية النزاعات بين مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. ويجوز لأي مواطن أوروبي إقامة دعوى أمام المحكمة إذا كان الأمر يتعلق بتصرف قانوني يؤثر عليه بشكل مباشر. 

انه لمن الغريب حقا ان يعجز القادة العرب عن حل خلافاتهم بطرق سلمية حضارية، عن طريق تحكيم العقل والحوار والتفاهم فيما بينهم. لماذا لا يفكرون في إنشاء "محكمة العدل العربية" لتسوية كافة النزاعات السياسية والاقتصادية والتجارية والجغرافية بين دولهم، كما فعل الاتحاد الأوروبي؟ هذا يتطلب، في اعتقادي الشخصي، ان يتخلص القادة العرب من النزعة الفردية، وعقلية الزعيم الأوحد وشيخ القبيلة.