تنص المادة (٢٤) من الدستور الأردني أن الامة مصدر السلطات، بينما تنص المادة (٢٥) أن تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة ويتألف من مجلسي الاعيان والنواب. ولكن كيف يحاسب مجلس الاعيان في حال تقصيره او اخلاله بواجباته ومخالفته أهم أسباب تواجده؟، هناك فجوة تحتاج الي مراجعة، حيث أن مجرد حل المجلس لا يفي بالغرض.

من المفترض أن مجلس الاعيان والمعين من قبل الملك هو “مجلس الملك الاستشاري”، يمارس صلاحيات رقابية وسياسية ومالية وأخلاقية على الحكومة، ويرفد السلطة التشريعية بمهارات وخبرات تطلبها العملية التشريعية قد تكون غير متوافرة لدي مجلس النواب، وتعزز علاقات إيجابية داخل النظام البرلماني الأردني والأهم تقديم النصح والمشورة لملك البلاد.

المتابع للشأن السياسي يجد ان مجلس الاعيان تحول منذ سنوات الي خزان بلا ماء، "مستودع فكر صامت "، يضم بعض من وزراء وبعض من رؤساء وزراء بمجرد خروجهم من الوزارة، كل يعين حسب الواسطة التي لديه مع الاجهزة الامنية او رئيس الوزراء المعين حديثا، ويضم بعض من رجالات اعمال لديهم مصالح خاصة مع بعض من السلطة التنفيذية (سهل الإشارة إليهم من قبل المواطن)، وبعض من كبار الضباط للترضية بعد خروجهم من الخدمة، وبعض من أبناء من يطلق عليهم " ذوي جغرافية الأصول"، شوام، شركس، شيشان، فلسطينيين، وغيرهم مع مراعاة التواجد المسيحي.

صوره نمطية لعقود هي “مستودع أدمي متجمد" فعوضا عن تقديم المشورة للملك بنظرية " مستودع فكر متحرك “، بات مستودع مطبق الصمت ينتظر التوجيه من "أعلي" الهرم بطرق مختلفة، به بعض من أعضاء لم ينطق حرفا منذ تعيينه واكتفي برفع اليد بالموافقة عند التصويت، حضور الجلسات، قبض أربعة الاف دينار تخصم منها الضرائب وخمسمائة دينار لصندوق الشهيد، وضع لوحات خاصة حمراء للسيارة، والحصول على جواز سفر خاص، وفم مغلق وعقل معطل.
لا اعتقد أن ذلك في مصلحة الأردن والملك ولا هوما يبحث عنه الملك أو يجب ان يقدم اليه.

"خزان أو مستودع” راجع بعض من قوانين كانت قد رفعت اليه وساهم في تعديل بعض منها ولكن المحصلة النهائية ليست بمستوي ما أسس عليه دستوريا. بل غاب عنه قضايا جوهرية في الصراع العربي، في الشأن الاقتصادي، في مقتل الأردنيين علي يد ضابط امن السفارة وتهريبه بعلم الحكومة، في قضية الحكم علي جندي أردني يحرس القاعدة الجوية، في تعيينات أجرتها الحكومة وخيارات لوزراء بسوابق وجرائم، في مناقشة قضايا اهدار للمال العام من الحكومة الحالية، في قضايا الإسكان والتمدد السكاني، في احتياجات المواطنين و الخدمات العامة، في سياسات الضرائب، الانصياع لصندوق النقد الدولي، خطر الدين العام، في المشاركات العسكرية والتحالفات، في عدم جلب من سرق أموال الدولة وفر بها للخارج، وغيرها من المواضيع التي بغيابها من المفترض أن اهتزت ثقة الملك كما المواطن في آن واحد في دور مجلس الاعيان الرقابي و التشريعي و تقديم المشورة. المواضيع التي نوقشت هي مقياس ومعيار التقييم وسبب خيبة الامل لدي الشعب. 

 لم يسمع المواطن عن أي حل او استراتيجية او رأي يهم الشأن العام الأردني سواء سلبا او إيجابا تم التقدم به للملك او للحكومة، باستثناء بعض من تحركات أحادية، ولم يؤد المجلس دوره الرقابي كاملا كما خطط له في دستور ١٩٥٢. ويتساءل المواطن أين قوة المنطق والطرح فيما يناقش او يعرض؟ ولماذا دوما نظرية " السكوت من دواعي البقاء في المجلس ". آين المسائلات وخبراء القانون وأصحاب الفكر مما يحدث؟

منذ بضعة ايام، أيضا، بتحرك فردي أصدر بعض من أعضاء مجلس الاعيان والنواب السابقين بيانا شديد اللهجة، خالي من توقيع أي عضو من مجلس الاعيان الحالي، موجه الي الملك بالقصاص من الحكومة الحالية. رسالة خطية موقعة بتاريخ الخامس من شهر أغسطس ٢٠١٧، تم تداولها عبر الواتس اب و الفيس بوك، (سابقين وحاليين)، لكن دون توضيح كيفية القصاص من الحكومة الحالية المتوقع رحيلها بعد اجراء الانتخابات البلدية؟

 هل مقصود من بيان الاعيان والنواب السابقون طرد الحكومة، اقالتها، تغييرها، تعديلها ام توجيه انذار خطي يحفظ في ملفها؟، لم يكن المطلب واضحا ومحددا سوي الاكتفاء ب"القصاص".

 وجاء الرد من حكومة الدكتور هاني الملقي، فورا اليوم التالي، مؤكدا بقاء حكومته عبر أحد صحفي الحكومة مضيفا "ان هناك من ينتقد الحكومة بسبب مصالح خاصة “، متناسيا ان قرار البقاء او الرحيل هو من اختصاص الملك بمفرده ما لم تتجرأ الحكومة وتقدم استقالتها استجابة للشعب الأردني وغفرانا لما اقترفته بحقه وحق الوطن، ومتناسيا أيضا أن بعض ممن لا ينتقدوا الحكومة هم من أصحاب المصالح والاجندات الخاصة والمنتفعين منها أنفسهم وليس العكس، وقافزا عن حقيقة أن رحيل الحكومة بات واقعا زمنيا.

ورغم بذل الجهد من البعض في مجلس الاعيان لتقديم آرائهم فرديا بحرية ودون أي ضغوطات تمارس عليهم من أحد او توجيهات، الا أن المحصلة النهائية أن المجلس يعمل في بيئة غاية في الصعوبة، وضعيف نسبيا، وجعلته خاليا من الفكر السياسي الحر، حيث أصبح بتركيبته وانتقائه للأعضاء مثل "فرامل/ كوابح " السيارة تمنع أي من الصدمات مع قرار لا يتوافق مع رغبة الملك أو الاجهزة التابعة له. 

بمجرد الدعس على الكابح تسقط اقتراحات وتوصيات مجلس النواب وتعدل، مما يضع “متاريس" في التوجه الديمقراطي تعيق التعاون بين السلطتين، وتساهم في تآكل الديمقراطية وصدآها، وتماثل حواجز التفتيش "الإسرائيلي" التي تمنع الفلسطينيين من حرية التنقل في وطنهم. وهنا يكمن الخلل ويتحول السير نحو ديمقراطية تتكيف مع " الاوامر من أعلي" وطريقها متعرج، فيسقط دورها الاستشاري وخدماتها المفترض أن تقدم للملك والوطن معا لآجل مستقبل آمن.

من يحاسب مجلس الاعيان على هذا التقصير؟ وكيفية معالجة تلك الفجوة السياسية هو محور بداية النهج الديمقراطي.
المجالس والمستودعات الصامتة لا تثمن ولا تغني من جوع وهي عبء إضافي على موازنة الدولة، فأما ان تنطق وتتفاعل وتؤدي دورها وأما ان تحاسب وترحل ويعيد كل "مقصر" لصندوق الدولة كل ما تحصل عليه بدون حق.

الشعب قادر علي أداء دورا رقابيا دون مجلس الاعيان، بعد ان خيب أملهم بعض من أعضائه، وأصبح يشعر كثير من المواطنين أن وجود مجلس الأعيان مثل عدمه، لذا فلا يتهم الشعب الاردني أو يلومه أحد في إعلان خيبة أمله.

لقد أصبح مجلس الاعيان حكايات وسوالف جحا يلوكه الناس في مجالسهم ويتندرون عليه، وحان وقت المحاسبة على التقصير والاخلال بالواجبات المناطة به دستوريا.

 إذا كانت الديمقراطية هي الواجهة الرئيسية للمملكة الأردنية الهاشمية ودستورها هو المتبع لا بد من إعادة النظر في الأدوار والاختيارات، معالجة "مجلس الاعيان " الذي أصبح جسده مترهلا، متهالكا، مريضا بزهايمر الواجبات الملقاة عليه، فاستحق " مجلس العيان" لا يتم الا بالجراحة بعد ان شبع الشعب فنون التخدير والتنظير السياسي.


[email protected]