لطالما كانت للكويت مكانة خاصة يصعب تجاهلها في وجدان المملكة العربية السعودية وتاريخها. ولقد قرأت وسمعت الكثير من القصص والمواقف التاريخية للكويت تجاه الدولة السعودية ومؤسسها الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه. فقد كانت الكويت هي الحضن الذي آواه ووالده الإمام عبد الرحمن، وأسرته كافةً، في ضيافة اخوانهم من أسرة ال الصباح الكرام، وشعب الكويت الوفي، بعد سقوط الدولة السعودية الثانية. ومن أرض الكويت، انطلقت مسيرة التوحيد التي قادها الملك المؤسس، رحمه الله، لبناء الدولة التي نعيش في ظلها حتى هذا اليوم. وما يربط الشعبين الشقيقين أكبر من أن تشرحه الكلمات في هذا المقال.

 

الامير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز
النائب الأسبق لوزير الدفاع السعودي

لقد طالعت خلال الأيام الماضية مقالات لبعض كتاب سعوديين لستُ أشك في وطنيتهم وصدق نيّاتهم، ولكنها تحزّ في النفس، ولا تنسجم مع الوقائع والحقائق التاريخية. فعندما اتخذ المغفور له، بإذن الله، الملك فهد بن عبد العزيز، قرار استدعاء القوات الدولية والعربية بعد احتلال الكويت من قبل القوات العراقية، كان ذلك بالتأكيد نابعاً من مروءة الملك فهد، رحمه الله، والشعب السعودي الذي يمثله، ومن شعوره بالواجب تجاه الكويت قيادةً وشعباً. لكننا، في الوقت ذاته، لا نستطيع تجاهل الواقع، وهو أن تهديد القوات العراقية لم يكن لينتهي عند الحدود الكويتية وحسب، فقد تم إبلاغ الأمير بندر بن سلطان، حفظه الله، وهو آنذاك السفير السعودي في واشنطن، أن القوات العراقية تقوم بنقل صواريخ أرض أرض من الأراضي العراقية إلى الكويت. بعد ذلك بادر ريتشارد (دِك) تشيني، وزير الدفاع الأميركي في ذلك الحين، إلى زيارة المملكة ومقابلة الملك فهد، وعرض عليه صور الأقمار الصناعية التي تثبت ذلك، إضافة إلى أن القوات العراقية تتخذ تشكيلات هجومية على الحدود الكويتية- السعودية. في ضوء تلك التفاصيل، أصبح من الواضح لدى المختصين أن التحرك التالي للقوات العراقية سيكون باتجاه الاراضي السعودية.
هذه حقائق يصعب تجاهلها، ولمن شاء من القراء الكرام أن يعود لفيلم وثائقي مميز عرضته قناة MBC منذ بضع سنوات، أنتجته شركة OR MEDIA تحت عنوان: «حرب الخليج»- «الجزء الثاني من الدقيقة 30 حتى الدقيقة 42». (رابط الفلم الوثائقي في أسفل المقال)
في ذلك الفيلم، تحدث بشكل واضح، كل من كانت له علاقة، أو دور، في تلك الأزمة، بل أن الملك فهد، رحمه الله، قال في خطاب يوم الثامن من أغسطس (آب) 1990، بعد ستة أيام من غزو الكويت، إن دول التحالف بادرت إلى إرسال قواتها لمساندة القوات المسلحة السعودية في أداء واجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين.
وأرجو ألا يذهب البعض إلى تأويل التوضيح الذي ذكرت أعلاه، من منطلق أنه لو لم يكن هناك تهديدٌ عراقي للسعودية، لما اتخذ الملك فهد قراره التاريخي العظيم. فالكويت، إضافةً لمواقفها التاريخية والأخلاقية التي أشرت إليها، هي جزء أساس وأصيل من منظومة مجلس التعاون الخليجي، الذي يشكل أمنه واستقرار دوله وحفظ سيادتها، مصلحةً، بل مطلباً استراتيجياً، للمملكة العربية السعودية. ويتذكر الجميع قول الملك فهد إنه إما أن تبقى الكويت والسعودية معاً أو أن يذهبا معاً. وفق قناعتي، فإن هذه العبارة ليست نابعة من منطلق عاطفي فحسب، بل هي تعكس البعد الاستراتيجي للسياسة السعودية. وأكاد أن أجزم أن ما كتبه البعض، سواء في الصحافة أو في منابر التواصل الاجتماعي، لا يمثل رأي القيادة السعودية وشعبها الكريم. فقد شاهدنا جميعاً كيف استقبل الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أخي ولي العهد السعودي، معالي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، بكل احترام وكرم أخلاق معهود من قادة المملكة. أما الاختلاف في الآراء، إذا حصل، فيتم التعامل معه انطلاقاً من المصلحة الوطنية لكل دولة.
حقيقةً، لست أعلم ما الذي يمكن أن تحققه تلك الكتابات، التي طالعتها لبعض الكتّاب السعوديين خلال الأيام القليلة الماضية. الواقع أنها لن تحقق سوى استفزاز المشاعر الوطنية للشعب الكويتي الشقيق، والإيحاء لهم بأن إخوانهم في السعودية يمنّون عليهم بمواقفهم السابقة. هذه ليست من أخلاق وشيم الكرام، التي دأبت عليها القيادة السعودية الرشيدة وشعبها الكريم، والتي هي امتداد لما بدأه السلف ويستمر عليه الخلف، بإذن الله تعالى. حفظ الله أوطاننا من كل مكروه ونسأله جل وعلا أن يوفق قادتنا لما فيه الخير والصلاح، إنه ولّي ذلك والقادر عليه.

الفلم الوثائقي "حرب الخليج":