عندما يجري الحديث عن تأريخ العقوبات الدولية المعاصر، فإن نظام جنوب أفريقيا العنصري الذي کان قائما لحد عام 1994، کان نموذجا للأنظمة المتخمة بالعقوبات الدولية حيث کانت توجه العقوبات الدولية لهذا النظام بسبب من سياساته العنصرية على قدم و ساق، وبعد أن صار هذا النظام شيئا من الماضي، فليس هناك من نظام سياسي قائم في العالم يمکنه أن يضاهي الجمهورية الاسلامية الايرانية من حيث سجلها الحافل بالعقوبات الدولية المختلفة الموجهة لها.

سجل عقوبات ايران، يحفل بأنواع و أنماط متباينة و متنوعة، لکل واحدة منها قصة، مثلما للجمهورية الاسلامية الايرانية ألف قصة و قصة منذ تأسيسها قبل 38 عاما، لکن السٶال الذي يجب أن نطرحه بل ولامناص من طرحه هو: هل حققت هذه العقوبات أهدافها المطلوبة؟ قطعا ليس بالامکان الإجابة بالنفي الکامل ولا بالإەجاب الکامل، إذ أن طهران قد توفقت في التعايش و التآلف و حتى الانسجام مع العقوبات بحيث إنها قد تشعر بنوع من الملل و الضجر فيما لو توقفت العقوبات الدولية الموجهة ضدها.

إنسجام و تآلف الجمهورية الاسلامية الايرانية مع العقوبات و تعودها عليها، يأتي من الثغرات و الهفوات الموجودة فيها و توجيهها بدون التفکير في ضمان تطبيقها بإحکام و عدم خرقها من قبل طهران، وکمثال على ذلك، فإن العقوبات التي تم توجيهها لطهران أيام کان نوري المالکي رئيسا للوزراء في العراق وکانت أشبه ماتکون بحصار على إيران، فإن المالکي قد جعل من العراق أرضا و جوا و بحرا في خدمة إيران و سهل لها مواجهة الحصار و الوقوف ضده خصوصا وإن سئ الصيت اوباما کان وقتئذ رئيسا وکان کما يبدو يعاني من العشو الليلي تجاه إيران!

سر عدم تأثير العقوبات الدولية على إيران يکمن في حقيقة عدم متابعتها بجدية و حرص من جانب المجتمع الدولي و التعامل مع إيران کدولة عادية وهي ليست کذلك إطلاقا، لأن إيران اليوم، أي الجمهورية الاسلامية الايرانية، تعني العراق و سوريا و اليمن و لبنان، ومن يعتبر هذا الامر مبالغة أو تهويلا، فإنه يقرأ الاوضاع بطريقة مقلوبة أو على الاقل إنتقائية و أبعد ماتکون عن الواقع، ذلك إن هذه البوابات المفتوحة أمام إيران وبالاخص البوابة العراقية، تتيح لها الکثير من الخيارات ضد المجتمع الدولي و ضد دول المنطقة کما أکدت و تٶکد الاحداث و التطورات المتعاقبة، وإن أية عقوبات إقتصادية أو ماإليها ضد إيران مع بقاء البوابة العراقية مفتوحة أمامها، فإنه أشبه مايکون بأن تحفر بيد و تردم بأخرى!

تفعيل العقوبات الموجهة ضد إيران يکمن في منحها قوة إعتبارية على الارض و عدم توجيهها و ترك مسألة التطبيق بدون متابعة، وبرأينا و قناعتنا فإن هذه العقوبات بحاجة الى سند و ظهير لها، وليس هناك من شئ يمکنه أن يضاهي إستخدام ملف إنتهاکات حقوق الانسان في إيران ضد طهران، خصوصا بعد أن تساقط العديد من الوجوه السياسية الايرانية بسبب من دورها في إنتهاکات حقوق الانسان و تحديدا في مجزرة عام 1988 التي تم خلالها إعدام 30 ألف سجين سياسي بسبب أفکارهم و مبادئهم، ذلك إن إبراهيم رئيسي الذي رشحه المرشد الاعلى بنفسه ضد روحاني لکي يثبت قوته و دوره على الساحة الايرانية، قد هزم شر هزيمة بسبب کونه أحد أعضاء لجنة الموت التي نفذت فتوى الخميني بإبادة 30 ألف سجين سياسي، وهذه الهزيمة قد شملت بالطبع المرشد الاعلى، وليس بالامکان أن يتم تجاهل هذه المسألة و التقليل من أهميتها لأنها تمثل إمتدادا طبيعيا و منطقيا لما کان قد حصل أثناء إنتفاضة عام 2009، التي هتف فيها الشعب الايراني(يسقط الولي الفقيه) ومزقوا و أحرقوا صوره.

خلال الاشهر القادمة و تحديدا خلال أيلول و کانون الاول القادمين، ستکون هناك إجتماعات لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف و کذلك إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهناك مساع حثيثة من أجل إدراج قضية مجزرة عام 1988 بحق 30 ألف سجين سياسي ضمن أعمال هذين المحفلين، وقطعا فإن دول المنطقة بشکل خاص و المجتمع الدولي بشکل عام لو سعوا لإدراج هذه المجزرة ضد إيران کإنتهاك و جريمة صارخة ضد الانسانية، فإنه سيتم إختصار الطرق الممتدة الى طهران، خصوصا وإن هناك حملة سياسية قضائية تقودها زعيمة المعارضة الايرانية ضد طهران بهذا الصدد وهذه الحملة صار لها دور و إعتبار داخلي من خلال الحراك الشعبي الذي أسقط رئيسي و أفشل وصوله الى منصب الرئيس و مأقصى مصطفى محمدي بور عن ترشحه لمنصب وزير العدل في الحکومة الجديدة لروحاني، هذا الطريق الاقصر لطهران، هل ستنتبه إليه دول المنطقة و تقوم بالعمل من أجله قبل فوات الاوان؟