التشكيك بصوره المتعددة منبع للسؤال الذي ينتج العلم واستمرار للوعي المعرفي وقد قيل إن الوعي يطرق أبواب الأمم فإن وجد السؤال حراً وإلا انصرف.
وجود الشك يعني البحث والتقصي عن الحقيقة المراد لها ان تعرف من قبل الشاك، المتردد بين نقيضين جاعلاً الحكم بينهم العقل، الذي ينشط بالتفكير للوصول إلى أحدهما، ويظهر ذلك في البحوث العلمية والثقافية، إذ لا معنى ذلك بأن تبني الفكرة على اطلاقها قد تتغير وقد تبقى فالعقل هو الحكم في ذلك.

ولا نستطيع أن نجزم بأن الشك كله سليم، بل هناك شك سلبي وهو الذي يبدأ به صاحبه شاكاً وينتهي شاكاً, الذي لا يصل صاحبه إلى معرفة وقد نطلق عليه بأنه هدام وقد تبنى هذا المنهج السوفسطائيون الذين يقولون لا يوجد شيء على الاطلاق أو إذا وجد شيء فلا يمكن معرفته، ومنطلق هذا عندهم عدم نقل الاشياء على انها حقيقة مطلقة إلى الاخرين لأنها نسبية متغيرة من فرد الى آخر.

اما النوع الثاني من الشك هو الشك الايجابي يزاوله صاحبه بشكل مؤقتبإرادته للوصول الى الحقيقة، وقد تبنى هذا الاتجاه فلاسفة اليونان الذين يعتقدون بأن هناك علاقة وثيقة بين الشك والمعرفة الصحيحة، ذلك في أي بداية بحث علمي، وهو منهج بناء بخلاف المنهج السلبي الهدام.

شاهد الكلام أن التكبيل على الفكر، وإرهاب السائل بدريعة عدم الشك،ووضع الحدود التي لا يمكن تجاوزها، لان ذلك يبعث على ضعف في عقيدة ما، أو انهاء فكر معين قد أولف الناس عليه، سوف يبقى المجتمع متخلفا،بتراكم الأجوبة التي لا يختلف ماضيها عن حاضرها، وسيرثها لجيل بعده بما تحمل من معاني مختلفة لا تواكب عصره الحالي.

على العكس من ذلك اذا أعطي الفرد الحرية في السؤال النابع من الشك الايجابي، تتفتح عنده أبواب الفكر، وينشئ وعي جديد بثقافة معاصرة تنسجم مع الزمن وتتعايش مع التفكير المتقدم.

إذاً الشك في معناه الايجابي ضرورة لكل باحث ومتقصي للحقيقة والمعرفة التي تبني فكر متحضر نابع من عقلية ناضجة لإثبات الحقيقة المعرفية بشرط تبني الشك الايجابي والابتعاد عن الشكوك السلبية التي تقف عائقا امام الفكر والتعقل.

كاتب سعودي