تونس الدولة العربية الأولى السبّاقة لتجذير المساواة بين الجنسين منذ عام 1956 حين أصدر الرئيس الحبيب بورقيبة (رحمه الله )إستنادا إلى كتاب المصلح الطاهر الحداد " إمرأتنا في الشريعة والمجتمع " قانون الأحوال الشخصية المعروف بقانون ما جيل أو المجلة الذي رسّخ لأفكاره ومنح حقوقا غير مسبوقة في أي من الدول العربية الأخرى للمرأة. كا الحق في الطلاق والملكية المشتركة ومنع تعدد الزوجات وتجريم الزواج العرفي.

كل الدلائل تشير إلى أن تونس الدولة الوحيدة من دول الربيع العربي؟؟ التي حققت نجاحا نسبيا في طريقها إلى الديمقراطية الحقة, مقارنة مع دول عربية أخرى لا زالت تراوح مكانها في معنى ومفهوم الديمقراطية.. وأن تراكم عملية المساواة بين الجنسين منذ زمن بروقيبه مهّد لإستيعاب أن الحقوق والحريات والمساواة والعدالة هي أساس تجذير وترسيخ الديمقراطية والطريق الوحيد للتنمية الإقتصادية والإنسانية. الفرق الوحيد بينها وبين الدول العربية الأخرى أن هذا التراكم مهّد أيضا لوجود الإرادة السياسة التي وعت بضرورة التحديث والتطوير للقراءات الفقهية بما يتوافق مع مبادىء الديمقراطية مستندة إلى إحتياجات المجتمع والواقع الإجتماعي والدولي.. وعلية وترسيخا لمشوارها الديمقراطي عبر دستور 2014 الذي أقّر حرية الضمير والمعتقد والمساواة بين الجنسين ومسؤولية الدولة في العمل على تكافؤ الفرص بينهما.. ففي ظل الإنفتاح العالمي وحاجة المجتمع للتطور والتنمية لم يعد بإمكان أي دولة العودة إلى الوراء او الركود في مكانها كان لزاما عليها إستمرار التحديث. أقرّ البرلمان التونسي في شهر 7 (يوليو) مشروع قانون تاريخي الهدف منه وضع حد للعنف والتمييز بين الجنسين. ولتعزيز أسس الدولة المدنية لمصلحة مجتمعها, توجه الرئيس السبسي في مبادرة حداثية غير مسبوقة بتصريح عجز عنه كل الرؤساء السابقين بما فيهم الحبيب بورقيبة..؟؟ حين أعلن في عيد المرأة الوطني في 13 أغسطس إعتماد المساواة في الميراث بين الجنسين والسماح لتونسيات بالزواج بغير المسلم. مستندا في ذلك إلى أن كلاهما لا يتعارض مع الدين..وأعلن عن تشكيل لجنة لمراجعة الإصلاحات الدستورية بما يتوافق والدستور الجديد تستند إلى المقاييس الدولية لحماية حقوق المرأة.

أثارت المبادرة العديد من الجدل في الشارع التونسي وعبرت الحدود لتثير العديد من الإنتقادات من المؤسسات الدينية في الدول العربية المجاورة.. فبينما أيدتها المؤسسة الدينية العليا في تونس حين رحب بها ديوان الإفتاء. أعتبرتها جهات أخرى تصريحات مثيرة للجدل وتهدد الديمقراطية الناشئة..وإعتبرها البعض مجرد إقتراح غير جاد خاصة وأنها لا تحمل لغة التشريع وأن عرضها على إستفتاء شعبي ’يخلي مسؤولية الرئيس؟؟ يؤسفني أن أرى جدلين لا شأن لأحدهما بالآخر.. الجدل السياسي حين وقفت اطراف سياسية وإجتماعية آثرت الإنتظار لقرار لجنة الحريات؟؟ بينما إبتعدت حركة النهضة عن كلا الجدلين.. الديني حين آثرت الصمت وعدم إتخاذ موقف واضح وهي التي قامت من خلال توظيف الدين لمصالحها السياسية. والسياسي حين غابت عن الحضور عن الإحتفالات بعيد المرأة الوطني.. بعد ثنائها على دعوة الرئيس للمساواة بين الجنسين؟

المثير للجدل والتفكير تصريح الناطقة بإسم حزب "حراك تونس الإرادة " المرأة التي والمفروض بها تشجيع أي خطوات لتحقيق العدالة والمساواة التي صرحت بوجود أولويات أهم من العدالة في الميراث.. من ضمنها الفقر والبطالة والمديونية؟؟؟ وتضيف بأن الأسرة التونسية ’مفككة؟؟ أتمنى أن تصلها مقالتي.. لأن الفقر هو أساس تفكك الأسر؟؟؟ وحتى وفي حالة الطلاق فالعدالة في حصة المرأة من الميراث تساعدها في حفظ كرامتها وعدم التسول لإعالة أبنائها؟؟ خاصة مع تهرب الكثير من الأزواج من إعالة أبنائهم؟

سيدتي مهما كانت ظروف تونس.. وسواء كان الرئيس جادا في مبادرته أم لا فلقد رمى صخرة في المياه الراكدة لتنقيها وتحثها على التفكير الثقافي والمنطقي والجاد للخروج من مستنقع الفقر والجهل.. لأن حقوق المرأة والعدالة والمساواة هما طريق التنمية.. والإستفتاء هو خيار الشعب في إختيار إما الديمقراطية الحقة التي لا تتلحف بعباءة فقهاء الدين المزركشة بالذهب أو البقاء مكانة في المستنقع الراكد.

ما يثير حفيظتي موقف الأزهر لحماية مصالح فقهائه وتاكيد سلطتة على العقل العربي إصراره على إستغلال الدين في إستعباد النساء؟؟؟ وإعتبر المبادرة تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية و تنتهك مبادىء الشريعة؟

وبعد التأكيد والإعتراف بعدم وجود حلول أخرى لموضوع الإرث سوى تشريعات جديدة تضمن العدالة والمساواة نظرا للتاكيد الديني بأن لا وصية لوارث..وبدون الدخول في متاهات فقهية نظرى لإختلاف الآراء الدائم.. ونظرا لإختلاف الزمان.. هل العدل والمساواة ليست جزءا أصيلا من التشريع بكل أشكالة؟؟ ألا يأمر الله سبحانه وتعالى بالعدل؟

لقد إنتهى عصر الهيمنة الفقهية.. ومن فقهاء ذكور فسروا النص بما يتناسب مع مصلحتهم في السيطرة على المجتمع من خلال سيطرتهم الدائمة على المرأة وخلفوا مجتمعات تئن من القسوة المفرطة عليها والتخلف.. مجتمعات ترزح وفي القرن الحادي والعشرن في شرائع تتعارض مع الإرادة الإلهية في العدل والرحمة وتتعارض مع الأعراف الدولية المعترفة بسيادة الدول.في زمان أصبحت فيه الحقوق هي الوحيدة العابرة للحدود.

اما موضوع زواج المسلمة بكتابي.. لن أدخل في متاهات الفقه.. ولكن إستنادا إلى كتب التراث التي إس’تقي منها الفقه فإن السيدة زينب إبنة الرسول إستمرت في زواجها من إبن خالتها أبو العاص بن الربيع والذي لم يدخل في الإسلام إلا بعد ثماني سنوات من الهجرة.. إضافة إلى عدم وجود آية واحدة صريحه أو حتى ’تلمح من بعيد أو قريب إلى تحريم هذا الزواج.. الأمر الذي دعا شيخ الأزهر في برنامج بتوقيت مصر على ال بي بي سي للتصريح بأن زواج المسلمة بكتابي باطل ولكنه ليس حراما.

سيدي القارىء لقد آن الأوان لإتخاذ موقف محدد من أهل الكتاب فإما الإعتراف بهم وقبولهم كأهل كتاب كما جاء في النص أو ك’مشركين؟؟ والخيار لنا في القرن الحادي والعشرين ل إما تجديد الفكر الديني وإعلاء قيمة الإنسان والتعايش وحرية الإختيار لما فيه خير للمجتمع كما جاء في الكتاب , وإما أن نترك المجال مفتوحا أمام فقهاء الدين وفتاويهم ونبقى موضوع تندر من العالم؟