تباينت وجهات نظر القراء الكرام حول مقالتنا المتواضعة الأسبوع الماضي بعنوان "سوريا الفيدرالية قد تكون الحل ولكن". ويمكنني تلخيص وجهات النظر التي استوقفتني من بعض التعليقات التي تفضل بها القراء الكرام في الآتي:
"الفيدرالية نظام حق يراد به باطل، جميع الدول المتحضرة لديها نظام فيدرالي يؤمن بسياسة الدولة المركزية. اما فيدراليتنا فكل طرطور احاط نفسه بخمسة رشاشات لا يسمح الا ان ينادونه بالرئيس، ويعين أولاده وأقاربه في كل المراكز المهمة، ويورث الحكم لأبنائه من بعده. ستصبح سوريا دول يتوارثها المحافظون أباً عن جد، وبدل "بشار" واحد قد يورث حكم سوريا ستجد العديد من "بشار" في كل محافظة من محافظاتها".

"الذهنية العربية عائق امام التغيرات السياسية، والحقد العنصري متجذر في الثقافة العربية. الأمازيغ تعرضوا للاحتقار والكراهية الشديدة وهجمات عنصرية شرسة، وفظاعات شنعاء كثيرة من العرب، كما اعتمد العرب سياسة الـ “Apartheid” وإذلال القوميات الأخرى. واكثرية الكتاب العرب لا يخفون حقدهم على الكرد، ولكن العرب الان يواجهون فشلا مخزيا في تحقيق رغباتهم العرقية العربية في الانفال، والتعريب والاغتصاب والحصار الاقتصادي من القيم العربية المعروفة. الكرد لا يريدون الشراكة مع قوميات تلطخت اياديهم على مدى عقود او قرون بدمائهم وما تزال".

"تشكيل دولة سوريا على اساس المواطنة بغض النظر عن الديانة والعرق والطائفة هي دعوة مخلصة ونوايا حسنة، ولكن ما هي الا دعوة مثالية ولن تتحقق على ارض الواقع في المدى المنظور. منذ تشكيل الدولة السورية واستئثار القومين العرب بالسلطة والحكم، تكرست في سوريا ثقافة استبدادية عنصرية وطائفية. العلويون لا يثقون في العرب السنة، ونحن الكرد لا نثق في الطرفين بعد كل ما حصل في سوريا من دمار وخراب وفتك بالناس. دولة المواطنة لا تحل مشاكل دولة سادت فيها العنصرية والطائفية والاستبداد على مدى عقود كثيرة من الزمن".

"سيدي الكاتب ارجو المعذرة مرة اخرى لأنك وقعت في خطأ كالعديد من شعوبنا، هذه شعوب أقرب الى سجناء في اوطانها وإطلاق سراحهم فورا مع توفر السلاح لديهم هو الفوضى الكاملة. اما الضمانات فلقد وقع الاقليم عشرات الضمانات المتعلقة بوحدة العراق وشارك في كل الحكومات وسحب المليارات من خزينته من نفط الجنوب وتمتع بحكم فوق الاستقلال، فماذا كانت النتيجة سوى الخيانة والغدر. لو قرأت كتابات المعلقين الكرد وتصريحات رئيسهم سيوضح لك كل ما ذكرته اعلاه. اقتراحك هو ما فرضه الامريكان ولنقل بحسن نية تولد عنه نظام فاشل. اما مقارنتك بدول اخرى مثل امريكا التي اقمت فيها لعقود والمكسيك وغيرها فهي دول لا يمكن المقارنة بها، لأن شعوبها لم تكن يوما تعتمد على حكوماتها لتعيش، بل تعيش على ما تنتجه ايديها، وانظمتنا ريعية، شعوبها تموت لو توقفت الحكومات عن اطعامها لشهر واحد".

"لا اتفق معك على الحل الفيدرالي لأنه السبب في فشل النظام الفيدرالي المفروض على العراق، ولقد ذكرت بعضها في مقالك، فكيف تطرحها كحل؟ هناك شيء يغيب عن الكتاب عموما لأنهم ينسون او يتناسون الشعوب وهنا يبدأ الفشل. كل محافظة ستتصرف كدولة، وكل محافظ سيكون دكتاتورها الاوحد، ومثال اقليم كردستان شاهد على ما اقول. قناعتي ان يتولى الحكم "بشار الاسد" لفترة انتقالية تمتد من ٥ الى ١٠ سنوات على ان تجري انتخابات لبرلمان حر تحت إشراف الامم المتحدة وتكون مسؤوليته اعداد الشعب لتقبل الديمقراطية القادمة واعداد دستور مدني دائم". 

لا أنكر ان الكثير مما ذكره المعلقون صحيحا، ولكن اقول للإخوة الكرام من القوميات غير العربية لستم أنتم وحدكم من تعرض لكل هذا الظلم والحيف والتعسف، بل الكثير من المواطنين العرب ممن كانوا معارضين لتسلط هذه الانظمة اصابهم الكثير مما اصابكم. الضمان لنجاح الفيدرالية يبدأ بالاتفاق على دستور حضاري مقبول من كل مكونات الشعب، مواده واضحة لا تتحمل التأويل، ومحكمة دستورية عليا مستقلة تفصل في أي خلاف يحدث بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا تخضع لأي جهة، مكونة من قضاة فقهاء في القانون الدولي لا يمكن اقالتهم بعد تعيينهم بموافقة اعضاء السلطة التشريعية، كما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحضرة. 

في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، خرج أحد الرؤساء العرب الذي وصل الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري، ليقول في احدى خطبه: "الديمقراطية شيء جميل وجيد ولكن شعوبنا ليست جاهزة لها ولا تفهمها"، وكأنه بذلك يبرر الديكتاتورية التي مارسها ضد شعب بلده طيلة فترة حكمه التي امتدت 16 عاما محملا الشعوب مسألة عدم الممارسة الديمقراطية. 

لقد ابتليت اغلب الشعوب العربية بأنظمة حكم استبدادية وقمعية، خاصة بعد مرحلة الاستقلال عن الاستعمار الأجنبي، ومجيء الدولة القطرية التي حرمت تلك الشعوب من حقوقها السياسية الأساسية، وأدارت شؤون البلاد وكأنها ممتلكات خاصة بها وبالمحسوبين عليها من الأقارب والموالين والأزلام. ما الذي ينقص الشعوب في الوطن العربي مقارنة بشعوب دول العالم الأخرى ليكون جاهزا للديمقراطية؟ 

الشعوب في الوطن العربي كما هي الشعوب في اقطار العالم الاخرى، تواقة الى الديمقراطية وتعشق الحرية، ولكن من يرفضها هم النخب السياسية والاحزاب والقوى المتنفذة التي تشعر ان الديمقراطية هي عدو لمصالحها وامتيازاتها، لذلك فهذه النخب تستعمل مبررا واهيا فاقدا للمنطق يقول: ان الشعوب غير جاهزة للديمقراطية".