استمر تردد الحكومة البريطانية في كيفية التعامل مع منظمة الإخوان المسلمين خلال السنوات الخمسة الماضية حين إحتضنتهم بعد سقوط نظامهم في مصر عام 2013 ووقف أنشطتهم آنذاك.. ولكن ولربما إعتبارهم خطر وتنظيم يدعو إلى العنف في كل من مصر والسعودية والإمارات غيّر من نظرة بريطانيا لأنشطتهم ولوجودهم فيها وأجبرها على إعادة النظر في فلسفتهم الدينية, خاصة وأن كل الدول العربية التي حظرتهم دول إسلامية؟؟ فهل تغيير السياسة البريطانية حسب مقال أليستر بيرت في صحيفة الأهرام المصرية قبل أيام..مجرد لغة ديبلوماسية لإرضاء الدول العربية لحماية مصالح بريطانيا في الشرق الأوسط أم هو لحماية الأمن القومي خاصة بعد تعرضها للإرهاب أكثر من مرة وبطرق مختلفة من مواطنين ولدوا وتربوا فيها.. ولكن؟

ساهمت بريطانيا حماية لمصالحها الإستراتيجية في نشأة وإستمرار منظمة الإخوان من خلال تمويلها الذي بدأ منذ أن قدم رئيس شركة قناة السويس 500 جنية لمؤسس الجماعة "حسن البنا " في الثلاثينات لبناء مسجد ومدرسة في الإسماعيلية. برغم أن البنا كان يروج ""بحرمة التعامل مع الغرب والغربيين والمسيحيين وأن كل تعامل معهم حرام شرعا "" ولكنه بررها بأحقية المسلمين بهذه الأموال؟؟ وإستمرت العلاقة بل وتوطدت حتى مع إختلاف أهداف الطرفين.. فالمنظمة كانت تسعى للسلطة في الماضي وفي الحاضر وكما أكد البنا أنهم ليسوا مجرد جماعة دعوية بل هيئة سياسية تعتمد الإصلاح وتطبيق تعاليم الإسلام وأحكامة الشرعية ( الشريعة )؟ 

وبينما كانت الحكومة البريطانية تسعى لتأمين مصالحها الإستراتيجية التي تمثلت آنذاك بإسقاط نظام حكم عبد الناصر خوفا من الحركات القومية العلمانية وتمدد الشيوعية، وأكّد البنا أهمية المال في مشروعه السياسي في مقابلته مع السفارة الأميركية طلبا للتمويل في تلك الحقبة قائلآ " إن الشيوعية في الشرق الأوسط خطر داهم على كل الشعوب والإخوان المسلمون يقاومون الشيوعية بكل الوسائل الممكنة "" ووقع كلاهما في الفخ غير ’مستوعبين عمق الإعتدال الديني آنذاك في ذهنية الشعوب العربية وبالأخص الشعب المصري؟

التواطؤ مع الإسلام الراديكالي المتمثل في الفكر الإخواني الذي يدّعي الإعتدال وعمل خلال السنوات السابقة على تغيير مفهوم ومعنى التدين في مصر وبقية الدول العربية. والذي نرى مظاهره في الأسلمة المجتمعية الكبيرة والتي تمثلت في مظاهر دينية سطحية وفي العمل على إعادة المرأة لعقر دارها مستخدمين وموظفين النصوص الدينية لخدمة طموحاتهم السياسية.. من خلال أسلمة المجتمعات العربية.. الإسلام السياسي الذي تبنته الجماعة, يعود الآن ليسكن بقوة في الساحة البريطانية في مظاهر مجتمعية تتعارض مع الثقافة البريطانية والحريات وتهدد الأمن القومي والتعايش المجتمعي فيها وتتسرب بسهولة إلى باقي أرجاء اوروبا!

مقالة وزير الدولة البريطاني لشئون الشرق الأوسط أليستر بيرت الأسبوع الماضي عن نية الحكومة البريطانية تغيير سياستها في مكافحة الإرهاب والتضييق على الجماعات المتطرفه ومنها الإخوان المسلمون تؤكد نية التغيير, ولكن السؤال الذي يطرح نفسة هل جاءت متاخرة.. ثم كيف ستتعامل معها خاصة بعد أن قويت المنظمة في بريطانيا وفي كل أوروبا؟ وحين فشلت بريطانيا في فهم فلسفتهم وتقيّتهم التي إستعملوها في التظاهر بالإعتدال وعدم التحريض، بينما نجحوا ضمنيا على بناء البنية التحتية لحلمهم في إما أسلمة العالم وإما تكوين دولة موازية؟ من خلال بناء قاعدة شعبية تضمن لهم تهديد الأحزاب السياسية بقدرة المواطنين المسلمين على إنجاح هذه الأحزاب. الورقة التي إستغلوها لإستقطاب المرشحين ولإبتزازهم للسكوت على خرقهم للقيم الديمقراطية؟

بناء تحالفت إستراتيجية مع معظم المنظمات الآسيوية الإسلامية مثل المجلس الإسلامي البريطاني والرابطة الإسلامية التي ’تعد مقرا لهم بحيث ومن خلالها إستطاعوا بناء قاعدة أخرى في السويد.. وأخريات في النمسا وألمانيا وفي 72 دولة؟

قاعدة إقتصادية صلبة. من رأس المال الهائل الذي تراكم خلال السنين من تدفق الأموال الخليجية سابقا ومن العضوية الفردية؟ رأس المال الذي قدّره الدكتور سعد الدين إبراهيم مؤخرا بحوالي عشرة مليارات دولار. إضافة إلى إستثماراتهم الهائله في جيرسي؟ ليصبحوا مالكين لمصارف مالية خاصة بهم تعمل بالنظام الإسلامي ( الذي لا يختلف عن النظام البنكي إلا بالإسم للتحايل على ذهنية المستثمر ) ولشوارع كاملة تكتظ بمتاجر من كل الأصناف. وشركات إستثمارية فرضت وجود تجارة الحلال في كل سوبر ماركت كبير.. يسعى لإستقطاب المستهلكين في وسط لندن.

بناء المجتمع الإسلامي من خلال إستغلال الحق الديمقراطي الذي يكفل للجميع حرية ممارسة العقائد.وبناء مساجد تستغل شعور الإغتراب نجحت في إستقطاب الشباب ونجحت في خلق لبسا كبيرآ لدى هؤلاء الشباب في موضوع الهوية والإنتماء من خلال الإستعلاء بالهوية الإسلامية؟

إستغلال التعددية الثقافية التي أطلقها توني بلير تحت مسمى أن تعدد الثقافات ’يغني التعايش المجتمعي.. بحيث إستطاعوا ومن خلال هذه الحريات إنشاء معاهد تعليمية ومدارس إسلامية أهلية تعتمد على مناهج ’مقررة من الجماعة تهدف لتكوين شخصية الفرد المسلم.. في مدارس منفصلة عن الإناث لتكوين شخصية المرأة المسلمة لضمان الإلتزام والطاعة؟ومؤسسات خيرية ومراكز بحوث.

إستغلال الديمقراطية وتعدد الثقافات والعمل على بناء نظام قضائي موازي من خلال محاكم الشريعة التي إنتشرت منذ الثمانينات وتعدت ال 85 محكمة في كل مكان والتي تتعارض في احكامها مع النظام القضائي البريطاني في العدالة والمساواة خاصة بما يتعلق بحقوق المرأة! وبالتالي نظام فصل عنصري شبه كامل بين المجتمعين البريطاني والإسلامي وبين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي؟
كل ما سبق يقع تماما في طموحهم بخلق المجتمع الإسلامي الفاضل ’يغري البريطانيين وأي مجتمع آخر بالإقتداء به كخطوة أولى لتغيير ثقافة الحريات؟

وبالرغم من صدور قرار الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون في الشهر الرابع من 2014 إجراء تحقيق في نشاطات الحركة وما اذا كانت تشكل تهديدا للأمن الوطني البريطاني؟ القرار الذي أكد فيه أن حكومتة ستعمل على تكثيف مراقبتها لأنشطة الجماعة وفلسفتهم وقيمهم للتأكد من خلوها من التطرف أو التحريض وأن المراجعة ستشمل فسلفة الجماعة وقيمها وسياساتها وتاريخها داخل وخارج الحكومة واتصالاتها وأيضا ما يتردد عن ارتباطها بالتطرف؟

ولكن وبالرغم من صدور التقرير الذي أثبت أن هناك فجوة عميقة واضحه وتعارض بين عقيدة الإخوان والقيم البريطانية التي تتمثل في الديمقراطية وحكم القانون والحرية الشخصية والمساواة والاحترام المتبادل والتسامح مع الاديان والمعتقدات المختلفة؟ إلا أن التقرير خلص إلى أنه لا يمكن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية ولا ينبغي حظرها لعدم إستيفاء الأدلة التي تؤدي إلى الحظر؟ وإن أقّر كاميرون بأن البعض من أقسامها له علاقة ملتبسة بالتشدد الذي يقود إلى العنف؟؟؟ ولكنه عاد وأكد أن قرار الحظر من عدمه ما زال قيد المراجعة؟ وتخلت الحكومة البريطانية عن أهم واجب لها وهو حماية مواطنيها من التطرف؟

نفس الموقف الذي واجهته أميركا التي إضطرت للتراجع عن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية نظرا للضغوط السياسية التي واجهتها من أنصار الإخوان داخل الوكالات الحكومية والكونغرس والإعلام الأميركي؟

’ترى هل سيدفع التقرير الأخير الذي نقلته إيلاف عن صحيفة الديلي تلغراف البريطانية ومفاده أنه وحسب تصريح منسق الإتحاد الأوروبي لشئون مكافحة الإرهاب "جيل دي كيرشوف " بأن بريطانيا موطن 35 ألف متطرف؟؟؟؟ بمعنى أن هناك 35 ألف مواطن تضمن لهم القيم البريطانية والدستور حقهم في التعبير وفي الإعتقاد وقد يعيش معظمهم على دافع الضرائب البريطاني بينما هم المهددين للتعايش والتسامح ويعتبرون كل إستغلالاتهم للنظام الصحي والإجتماعي حق إلهي مكفول لهم تماما كما قال البنا؟؟؟ هل سيدفع هذا التقرير الحكومة البريطانية للخروج من اللبس والغموض وإتخاذ قرار ما لصالح أغلبية هذا المجتمع ومنهم المسلمون؟؟ وماهو القرار؟؟؟؟ خاصة وبعد رد أمين عام التنظيم الدولي للإخوان المقيم في لندن وربما حاصل على الجنسية البريطانية والذي قال فيه "" الحكم على الإنسان بالفكر حتى لو كان يوصف بالعنف دون إرتكاب فعل عنيف أمر يخالف حقوق الإنسان في أي مكان في الدنيا"
سيدي.. ألم يكن فكر الدكتور فرج فودة فكرا تنويريا سلميا؟ لماذا قتلتوه؟ أليس فكر الدكتور إسلام بحيري أيضا تنويريا يسعى إلى الإصلاح.. لماذا إتهمتوه بإزدراء الأديان؟ أليس فكر الدكتورة فاطمة ناعوت فكرا إصلاحيا وتنويريا في دفاعها عن حقوق الأقباط والأقليات الأخرى في مصر؟ لماذا إتهمتوها أيضا بإزدراء الأديان؟

ثم والأهم أليس فكركم عن المرأة وتمسككم بتطبيق الشريعة يتعارض مع صفات الله في العدل والرحمة ويتعارض مع حقوق المرأة والإنسان والديمقراطية؟

الغريب أنه وبعد تلويح محاميهم بإستعمال القضاء في وجه الحكومة بعد صدور التقرير؟ أصدرت حكومة تريزا ماي في أغسطس 2016 تسمح فيه لعناصر الإخوان غير المتورطين في أعمال عنف حق الحصول على اللجوء السياسي؟

ترى هل خوف الحكومة البريطانية من قدرتهم المالية واللجوء للقضاء المكلف (كما حصل مع أبو قتادة الذي كلف الحكومة البريطانية ودافع الضرائب 8 ملايين جنية وبرئته المحكمة الأردنية من كل تهم التحريض؟؟؟ ) ستدفعها إلى إبقاء الوضع على هو علية؟

أعلم مسبقا بأن الجماعة ستقول بأن هؤلاء ال 35 ألف إرهابيون لا علاقة لها بهم؟؟؟ ولكن الإلتباس في الفهم الديني وفي الهوية وفي الإستعلاء الذكوري على المرأة وفي الإستعلاء الديني.. الذي بثته من خلال جوامعها وأئمتها ومحاكمها وتأويلاتها الدينية هو ما حرّض معظمهم على ألإستعلاء الذكوري والتطرف؟؟؟ ونسيت أننا جميعا نكتوي بنار التطرف الذي يؤدي حتما إلى الإرهاب.