يدل مصطلح الاستفتاء الشعبي، على أداة ديمقراطية شبه مباشرة وبموجبها تدعي هيئة المواطنين إلى إن تعبر، عن طريق تصويت شعبي ، عن رأيها أو إرادتها تجاه تدبير اتخذته سلطة أخرى أو تنوي اتخاذه. وإذا أخذ رأي الشعب في أمر مشروع قانون سمي الاستفتاء شرعياً وان كان أمراً أخر غير التشريع كان الاستفتاء سياسياً. ويمكن أن يكون الاستفتاء اختياريًا أو يكون إجباريًا في بعض البلدان. ويمكن أن يتم الاستفتاء الاختياري للحصول على الموافقة على تشريع سبقت إجازته لكن بشرط أن يطلبه عدد محدد من الناخبين في هذا البلد. والاستفتاء الإجباري هو ذلك الاستفتاء الذي يجب على المقترعين أن يوافقوا بمقتضاه على القانون المُزْمَع العمل به قبل أن يصبح ساريًا.

 وقد ثارت شكوك حول آليات ونتائج رزمة استحقاقات انتخابية في عدد من الدول، جرى في السنوات القليلة الماضية اللجوء أو التلويح أو الدعوة إلى اعتماد الاستفتاء الشعبي وسيلة لحسم خيارات أو قضايا كبرى ذات صلة باستحقاقات داخلية أو خارجية. ففي عام 1989، سئل الشعب الفلبيني أن يوافق على إنشاء إقليم حكم ذاتي جديد في جنوب جزر الأرخبيل وكانت النتيجة سلبية. وكان الاستفتاء التركي حول تعديلات دستورية و استفتاء البريكست في المملكة المتحدةللخروج من الاتحاد الأوروبي، وسبقته رزمة استفتاءات في عدد من الدول الأوروبية تتعلق باتفاقيات ذات صلة بقضايا تتعلق بالعملة الموحدة وقضايا أخرى.

وسيشهد إقليم كتالونياالغني الواقع شمال شرق إسبانيا استفتاء على الاستقلال يوم الأول من أكتوبر/تشرين الأول القادم.وكان قد سبقه في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني العام  2014استفتاء شعبي على تقرير المصير شارك فيه مليوني و300 ألف شخص.

وعلى الرغم من ان نتائجه كانت غير ملزمة، إلا أنها كانت نتائج مذهلة، فقد صوت قرابة 81% على الاستقلال التام عن اسبانيا، بينما صوت 10%على ضرورة إعلان دولة ولكن في ارتباط بإسبانيا، أي شبه كونفدرالية، بينما لم تتجاوز معارضة الاستقلال بل الاستمرار في الشكل الحالي 5%. كما منح برلمان الاقليم حكومة اقليم كتالونيا اواخر العام2015 تفويضاً لإقامة دولة كتالونية مستقلة شاءت مدريد أم أبت.

 وتعارض الدولة الاسبانية انفصال كتالونيا وتعهد رئيس الوزراء ماريانو راخوي استخدام "كل الآليات السياسية والقضائية دفاعاً عن المصلحة المشتركة وسيادة اسبانيا كما ينص الدستور". ودعا إلى "التعقل والشرعية".

 ويعتبر إقليم كتالونيا -الذي توازي مساحته مساحة بلجيكا- إحدى المناطق الأكثر إستراتيجية في بلد يُعد رابع أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو. وتمثل كتالونيا 6.3% من مساحة إسبانيا و16% من سكانها وخمس ناتجها الإجمالي و22.5% من السياحة الإسبانية، ويبلغ عدد سكانه 7.6 ملايين نسمة. وحسب إحصاءات عام 2012 هناك نحو1,7 مليون نسمة يعتنقون الإسلام. وهذه النسبة لا تمثل سوى 3-4% من إجمالي عدد سكان إسبانيا. 

وكان رئيس الإقليم أرتور ماس، قد ذكر أن " كتالونيابصفتها دولة مستقلة ستحلّّ في المرتبة الـ27 في الاتحاد الأوروبي على صعيد الثروة، وفي المرتبة التاسعة لجهة قدرتها التجارية". لكن بالنسبة الى سائر إسبانيا التي تشهد مرحلة من الانكماش وأزمة مصارف، وحيث يعاني واحد من أصل أربعة عمّال من البطالة، فقد حذّر المحلّلون بأن المستقبل سيكون أسوأ من دون كتالونيا.

 كما أن إقليم الباسك وهو الإقليم الأغنى في إسبانيا كلها. يطالب منذ وقت طويل بالانفصال عن إسبانيا. وقد قامت حركة "ايتا" الذراع العسكري لحزب باتاسونا.

 وثمة مطالبات بنهاية الملكية في إسبانيا وإقامة الجمهورية عبر عنها قبل أعوام قليلة ما سُمي "اللقاء الوطني للمسؤولين العموميين من أجل الديمقراطية"، في بيان جاء فيه أن "الجمهورية لم تعد فقط ضرورة، بل تحولت الى مطلب لا يمكن التخلي عنه لضمان مستقبل إسبانيا". دُعم برفض بعض البلديات الاعتراف بالملكية وسحبها صور الملك خوان كارلوس ووضعها الى جانب العلم الرسمي الذي يضم شعار الملكية علم الجمهورية التي شهدتها إسبانيا خلال الثلاثينات. أي الجمهورية الثانية التي أعلنتها اللجنة الثورية في مدريد في 14 نيسان 1931. أما الجمهورية الإسبانية الأولى فقد أعلنها الكورتيس (مجلس الشيوخ) في شباط 1873. 

يُذكر أن وبادر الجنرال فرنسيسكو فرانكو بهاموندة قد بادر إلى إجراء استفتاء عام على إعادة الحكم الملكي بعد حكمه وتم الاستفتاء في 6 تموز 1947. وأجرى استفتاء عام في نيسان 1966 على تطبيق نظام دستوري وألغيت الامتيازات التي كانت تتمتع بها المؤسسات الفاشية. وتحولت لجنة الحركة الوطنية التي يرأسها فرانكو نفسه إلى هيئة عليا استشارية. وفي عام 1969 أذاع فرانكو وثيقة أعلن بموجبها دون خوان كارلوس (حفيد ألفونس الثالث عشر) خليفة يتولى العرش الإسباني من بعده. 

 وبعد وفاة فرانكو في 20/11/1975 وتولي الملك دون خوان كارلوس عرش إسبانيا. تم وضع دستور جديد عام 1967 وصدر نظام شبيه بالفدرالية.

 وفي ضوء دستور 1978 وتعديلاته أصبح نظام الحكم الإسباني نظاماً ملكياً برلمانياً، علماً أن المادة الأولى من دستور عام 1967 كانت تنص أن إسبانيا "دولة ملكية كاثوليكية ديمقراطية اشتراكية". تتمثل السلطة بالملك رئيس البلاد، والملك هو المثل الأعلى للأمة ويشخص السيادة الوطنية. 

وفق هذه المواقف والقضايا قد لا يشكل إلغاء الملكية في إسبانيا مخرجاً لرزمة الأزمات البنيوية التي تحدق بإسبانيا. كما أن تجربتي الجمهورية الإسبانية الأولى والثانية أفضتا إلى اندلاع حرب أهلية باهظة الكلفة بشرياً ومادياً، وأفسحتا الفرصة للمؤسسة العسكرية للتدخل وإعادة الملكية.