مر على انتفاضة آذار 1991 أكثر من ربع قرن، ولكنها حتى الآن لم تدرس بموضوعية وروية وعمق رغم ما جاء يعدها من انتفاضات وهبات جماهيرية وضرورات ثورية للتغيير تحتاج كثيرا&دروسها القاسية وعبرها المفحمة؛&لكي لا تتكرر الأثمان الباهظة والمآسي وخسارة&الفرص والظروف&المواتية!&

لم يجر تناول تلك الانتفاضة إلا كدعاية حماسية لأحزاب شيعية طائفية، &أو تحويلها إلى مكاسب مادية كقانون رواتب لاجئي رفحاء ، &بينما كان مذبحها قد حصل نتيجة النهج الطائفي لتلك الأحزاب في تسليم مصير العراق وشعبه &للإيرانيين، ومحاولة إلغاء إرادته الوطنية وجعله تابعا ذليلا لهم! تحت فتوى ، "المذهب قبل الوطن، وأمر الخميني مقدس وفوق كل أمر!"&

سميت الانتفاضة (بالشعبانية) لغرض ديني ضيق &بينما هي تفجرت من صلب مأساة العراقيين ومعاناتهم المريرة الطويلة تحت حكم البعث وصدام الاجرامي، وقمعه وحروبه غير المبررة مهما كانت الأسباب الموضوعية التي أحاطت بها، أو جرت إليها!

فكانت هبة جماهيرية عفوية حدثت إثر تقهقر الجيش العراقي منسحبا من الكويت&وتحطم مركباته بالقصف الجوي الأمريكي والعربي! وتشتت قطعاته وأفراده ضباطا وجنودا وسبرهم على ما سمي طريق الموت الطويل بين &الكويت والبصرة مشيا على الأقدام يعانون الجوع والعطش والإذلال.&

قام أحد الجنود بإطلاق الرصاص على جدارية لصدام في البصرة؛ &فهب الجنود والناس معا في موجة غضب ثوري تحولت سريعا إلى انتفاضة عارمة &شملت كل مدن الجنوب.

لكن سرعان ما انقضت عبر الحدود وممرات الأهوار، أفواج من الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية وقوات بدر المرتبطة بإيران ومعهم خلاياهم النائمة من حزب الدعوة &في المدن والمتحفزة بانتظار هذا اليوم ودخلوا عليها وأحتوُها وتصدروها رافعين صور الخميني ومرددين &شعارات طائفية معروفة(أشهرها: لا ولي إلا علي ونريد حاكم جعفري) !

ثم اقتحموا السجون ومراكز الشرطة وأطلقوا سراح السجناء والمتهمين بجرائم قتل وسرقة فتحولت الانتفاضة إلى تيار من الهياج والفوضى،يجول ويصول فيها &شبان هائجون مختلطون غريبو الملامح يقتحمون &مؤسسات الدولة والمجتمع ينهبونها، أو يحطمون ويحرقون محتوياتها ويدورون حاملين الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في الأزقة والأحياء متجاوزين على بيوت الناس ومحلاتهم التجارية بل ارتكب بعضهم الاغتصاب وهتك الأعراض!&

وانبرى معممون وأصحاب لحى وضعوا على أكتافهم زورا رتبا عسكرية كبيرة يحتلون المراقد الدينية المقدسة والحسينيات ويحولونها إلى مراكز لتحقيقات صورية وينفذون أحكامهم بإعدام رجال ونساء من الموظفين والعسكريين &والشرطة والأمن وأعضاء في &حزب البعث &ساخرين من المحاكمات القانونية والأصولية! ثم يجرى التمثيل بجثثهم سحلا أو حرقا!&

ما جعل&الغضب الجماهيري يتحول من انتفاضة مشروعة ونظيفة إلى حد ما ؛إلى تيار جارف مقصود ومبيت من الفوضى وسفك الدماء وتفجير للنزعات البدائية والوحشية والانتقام وإشباع الغرائز والشهوات وراء &ستر الديانة والقداسة ونصرة المذهب. بمسمى آخر:&"داعشية" &قبل الدواعش!

ثمة من شهد هذه الأحداث وتحدث عنها بنزاهة وموضوعية قائلا: كانت عميلة انتقام دنيئة وبشعة قام بها ملالي طهران من العراق وشعبه بعد هزيمتهم بالحرب التي أطالها الخميني لثماني سنوات وانتهت بتجرعه كأس السم!

ثمة معلومات تقصيتها في حينها أن كثيرين في بغداد والأنبار والموصل وغيرهم .تداعوا لمشاورات ولقاءت سرية وعلنية للالتحام بانتفاضة وطنية شاملة تطيح بالنظام وتكنس مخلفاته وتقيم حكما وطنيا يلبي حاجات الجميع.&فما كان يجيش في صدورهم لا يختلف عما ساور ذلك الجندي مطلق الرصاصة الأولى، ومعظم العراقيين يما فيهم بعثيون &ومناصرون &للنظام &أدركوا أن &جرائم صدام ونظامه بحجمها وفظاعتها لا يمكن لأحد أن يتقبلها أو يدافع عنها، وبالتالي لا مستقبل لهذا النظام بعد الآن وصاروا يفكرون بإنقاذ أنفسهم أو ضمائرهم!&

كان الناس في هذه المدن يتابعون الأحداث ساعة بعد ساعة عبر الترانزسترات بعد قصف محطات الكهرباء ، وقد راعهم ما يحدث في انتفاضة الجنوب من انحراف وشذوذ يجعل المراهنة عليه ضربا من الجنون! فأحجموا عن التحرك الجماهيري واكتفوا بترقب ما سيحدث!

انتفضت المدن الكردية لا امتدادا لما يحدث في الجنوب، بل وفق وضعها الخاص ومزاجها المشبع منذ القدم بمناوأة &السلطة المركزية والاستعداد لمقاطعتها، والتطلع للاستقلال،وترك العراقيين الآخرين يواجهون مصيرهم!

كانت شروط الانتفاضة الشعبية العامة قد توفرت تماما ، وأصبح إسقاط النظام ضروريا وممكنا! &لكن تدخل الإيرانيين السافر مع عملائهم &من العراقيين جعل هذه الشروط والظروف المواتية تنتفي لتحل مكانها ضرورة حماية البلاد وحدودها واستقلالها من غزاة ليسوا فقط يحملون مشروعا دينيا ظلاميا بل مسلحين حتي النخاع بأحقاد قديمة وحديثة وصلت بهم حد التوجه لإبادة الآخرين ومحوهم عنصريا ووجوديا!&

كيف لا يحجم سكان المناطق الأخرى عن أي تواصل &معهم ، ويذهلون ويترقبون؟&

يتبع .....