يتوقع المختصين في مجال الطاقة بأن المخزون اiلعالمي للنفط سينفذ عام 2100، والسؤال المخيف كيف سيتصرف العالم بعد ذلك؟ هل سيكتشف العلماء حلول مبدعة؟ وما هي هذه الحلول الممكنة؟ فهل من الممكن أن يستبدل النفط بماء المحيطات؟ لمناقشة هذا السؤال ليأذن لي عزيزي القارئ بمقدمة علمية بسيطة.
لو تعمقنا في دراسة العلوم الطبيعة سنجد بأن الكون الفيزيائي يتكون من وحدات صغيرة جدا تسمى بالذرة، والتي تشبه في شكلها مجرات المجموعة الشمسية. فتتكون الذرة من جسم مركزي ايجابي الشحنة ويسمى النيوترون (ويرافقه البروتون)، وتدور حوله في طبقات مختلفة الكترونات سلبية الشحنات. وتختلف العناصر في وزن النيوترون وعدد الالكترونات، كما تندمج ذرات العناصر المختلفة لتكون المواد. فمثلا لو تفحصنا مادة الماء لوجدنا بأنها مكونه من اندماج عنصرين وهما الأوكسيجين والهيدروجين. وتحتوي ذرة الأوكسيجين على ثمانية الكترونات، بينما تحتوي ذرة الهيدروجين على إلكترونه واحدة. ويمكن فصل الأوكسيجين عن الهيدروجين بتمرير تيار كهربائي في الماء، فيتجمع الأوكسيجين في القطب الموجب من التيار، والهيدروجين في القطب السالب.&
والهيدروجين ماده سريعة الاشتعال، وغير ملوثه للبيئة، لذلك تعتبر من أهم مصادر الطاقة المستقبلية النظيفة. فلو أخترع العلماء طريقة جديدة للاستفادة من ماء البحار في أنتاج الهيدروجين، بدون الحاجة للطاقة الكهربائية، ستكون هناك كميات هائلة من موارد الطاقة النظيفة. والسؤال لعزيزي القارئ هل من الممكن أن نستبدل الطاقة الكهربائية باستخدام الجراثيم لفصل الهيدروجين من أوكسيجين الماء؟
تتكون الكائنات الحية من وحدات صغيرة جدا تسمى بالخلايا. وتجتمع هذه الخلايا مع بعضها لتكون الأعضاء. وتكون مجموعة من الأعضاء المختلفة الكائنات الحية. فمثلا يبدأ تكون جسم الإنسان من التقاء خليتين هما النطفة والبويضة. وباندماج هاتين الخليتين يبدأ تشكل المضغة بالانقسام المتكرر لهذه الخلايا، وبهذا الانقسام المتكرر تتكون أعضاء الجسم كالجلد والعضلات والعظام والجهاز العصبي والهضمي. ويتراوح تكون الكائنات الحية من كائنات تحتوي خلية واحدة إلى كائنات تحتوي على التريليونات من الخلايا. وأصغر الكائنات الحية التي تتكون من خلية واحدة هي الجرثومة.
&والخلية الحية هي عبارة عن مصنع بيولوجي صغير جدا، تقوم بأخذ الغذاء الذي تأكله الكائنات الحية وتمزجه مع الأوكسيجين الذي تستنشقه من الهواء، ثم تركبه لعدة مواد كالسكريات والدهون والبروتينات، وهذه المواد مسئولة عن تكوين العضلات والعظام والجهاز العصبي والأعضاء الأخرى. وهناك جهاز إدارة وسيطرة في داخل الخلية ويسمى بالنواة، والنواة تأخذ عادة شكل الكرة الصغيرة وتكون بداخلها مجموعة من المورثات تشبه العصيات. وتحتوي المورثات على أقراص الكترونية بيولوجية صغيرة تسمى بالجينات، وتعتبر هذه الجينات برامج التشغيل للخلية وهي التي تسيطر على وظائفها وتقرر ما يمكن أن تنتجه الخلية من المواد.&
ومن المواد الهامة التي تنتجه الخلايا الحية هي مواد كيماوية تسمى بالإنزيمات. ووظيفة هذه الإنزيمات هي تسهيل العمليات الكيماوية، وإحدى هذه الإنزيمات مسئولة عن فصل الهيدروجين عن أوكسيجين الماء. وقد أستطاع العلماء الاستفادة من هذه الإنزيمات في إنتاج كمية من الهيدروجين، بدون الحاجة لاستهلاك الطاقة الكهربائية. والسؤال لعزيزي القارئ كيف يمكن أنتاج كمية كبيرة من هذه الإنزيمات للاستفادة منها في صناعة الهيدروجين بشكل اقتصادي واسع؟
لقد قام العلماء اليابانيون بالاستفادة من الجراثيم لإنتاج كميات كبيرة من الإنزيمات اللازمة لفصل الهيدروجين من أوكسيجين الماء. وقد يتساءل القارئ العزيز كيف من الممكن السيطرة على ما تصنعه هذه الجراثيم من المواد؟ لقد قام العلماء بزرع مورثة، تحتوي على جينات مسئوله عن أنتاج الإنزيمات اللازمة لإنتاج الهيدروجين من الماْء، في داخل جرثومة للسيطرة على نوعية المواد الذي تنتجه. وبذلك يستطيع العلماء تحديد نوعية المواد التي يمكن أن تصنعها هذه الجراثيم، بالسيطرة على نوعية الجينات الموجه للجراثيم لصناعة الإنزيمات المطلوبة.
وقد توصل العلماء فعلا إلى صناعة جينات جديدة، وذلك بتركيب المادة الكيماوية التي تكون الجينات، والتي تسمى بالحمض النووي ألريبي الغير المؤكسج (دي إن إيه)، وستكون هذه المورثات الصناعية ثورة في عالم التكنولوجية البيولوجية، وثورة الألفية الثالثة لصناعة أدوية بيولوجية دقيقة التأثير، وسيدخل العالم بعصر الأدوية الذكية التي يكون تأثيرها محدد ودقيق، وبنتائج فائقة الدقة وبقلة المضاعفات الجانبية. كما سيسهل صناعة المورثات الطريق لصناعة الخلية الحية، فلن نتعجب أذ أعلن قريبا عن صناعة نطفة وبويضة صناعية. وبتلقيح الحيوان المنوي الصناعي للبويضة الاصطناعية سيفتح الطريق لصناعة الأجنة والإنسان الصناعي. فهل ممكن أن نتصور عظمة الخالق، جل شأنه، في خلق العقل الإنساني المبدع في صنع معجزات تكنولوجية الألفية الثالثة. وقد نشر البروفيسور فنتر غريغ في عام 2007 بحثه عن صنع اول خلية، بحقن المورثة التي صنعها، والمكونة من حوالي مائتي وثلاثة وثمانين جينة وراثية، في داخل غشاء جرثومة.&
وباختصار شديد يمكن أن تنتج كمية كبيرة من هيدروجين الصناعي بإضافة ميكروبات مصنعة في الماء لتقوم هذه الميكروبات بفصل الهيدروجين عن أكسيجين الماء، وإنتاج كميات هائلة من الهيدروجين الذي تحتاجه الصناعة لتوليد الكهرباء، وتشغيل المحركات الصناعية والسيارات. وستكون هذه الطاقة الهيدروجينية نظيفة تماما فلا تنتج من حرقها أية مواد كربونية، بل ينتج ماء نقي جدا ممكن الاستفادة منه مره ثانية.&
ويعتبر غاز الهيدروجين حلم رجال الاقتصاد لبناء اقتصاد الألفية الثالثة المعتمد على مصادر للطاقة النظيفة. وسيؤدي توفر مادة الهيدروجين كمصدر جديد للطاقة للمحافظة على النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم الحجري للاستفادة منها في إنتاج مواد صناعية جديدة بدل حرقها. ومن المواد الجديدة المكونة من ذرة الكربون هي الألياف الكربونية المستخدمة في صناعات عده، والتي تتميز بأنها خفيفة وقوية جدا، بل اقوى من مادة الحديد، لذلك تستعمل في صناعة أجسام الطائرات، والتي ستكون أقوى، وأخف، وستستهلك كمية قليلة من الطاقة. كما أن التطورات الجديدة في علوم النانوتكنولوجي الذرية ستهيئ الفرصة لإنتاج مواد جديدة للعقول الالكترونية المستقبلية لتؤدي لصغر حجمها وزيادة طاقة تشغيلها لآلاف المرات عما هي عليه كومبيوترات اليوم. والسؤال المحير لعزيزي القارئ: متى سيبدأ وطننا العربي الاستفادة من التجربة اليابانية للمشاركة بهذه الاختراعات العلمية لبناء حضارة الألفية الثالثة؟ وهل سيساعد التعليم بتحويل العقول المستسلمة، لعقول متسائلة ومحلله ومتحدية لمعضلات الطبيعة؟ ولنا لقاء.
&