صحيحٌ&بأن&غوستاف لوبون&أشار&في "سيكولوجية الجماهير"&وبكل وضوح إلى أن الشعوب تعود إلى الحالة القطيعية عندما تستشعر الخطر الذي يداهم حياتها، إلاّ&أن ما لم يبحثه الرجل&في ذلك السّفر القيِّم،هو موضوع أدلجة الأسراب البشرية&التي لا تتم إلاّبوساطة وسيلة&ما&من الوسائل التي دخلت&في&العصر الراهن&ميدان&التأثير وقيادة تلك الأسراب&لتصل إلى حالة السرنمة&العقائدية، إما للاستفادة من حالتها الجاهزة لتوجيهها، وإما&من أجل&العمل على&تهيئتهالغاياتٍ&لاحقة&غير معلنة،&وذلك&من خلال بث الأفكار والرؤى والتصورات في أذهان&تلك&الفئة&التي&تعودفي الحروب إلى الحالة الغريزية الأولى التي كان عليها الإنسان الأوّل.

وحيث أن الإنسان&في حالة الغياب التام لكيمياء التفكير،&ومع حالة&فقدان ذائقة&الاستفسار،&والإفتقار لآلية&إعمال المقارنة&والشك&يرتكس&في صلب الأزمات الكبرى&متقهقراً&في النزول&ليصل&إلى&درك&القطيعالبشري،&القطيع&الذي يُساق&في أيما اتجاه&بناءً على ما يتلقفه من الراعي المباشر&صاحب&الحضور أو&الهيمنة الفيزيقية،&أو الراعي غير&المباشر ممثّلاًبوسائل الإعلام على اختلاف&قواعدها&ومنصاتها.

وبما&أن الإنسان&الذي&يفقد هبة الفكر والبحث والدراسة،&يمضي تلقائياً&مع العوام الخاضعين للايعاز والانقياد من قبل&الزعيم&الحقيقي أو من ينوب عنه،&فهو&إذن&ينضم لاشعورياً&إلى مجموع المنساقين، وذلك سواءً أكان ذلك الدهقان الذي يسوقه&جاهل أو&شبه&متعلم&أو&من أصحاب الشهادات&العليا؛&كما أن&لا فرق البتة بين المتعلم والأمي عند بلوغ مرحلة الانسياق، ولا فرق بين من كان يدَّعي التقدم والتطور،وبين&من كان&أصلا من أهل الجهالة،&حيث&يسيرالجميع&جنباً إلى جنب مسرنمين ومنقادين من قبل زعيمٍ&ما، ولا يهم حينها إن كان القيلُ&الذي يقودهم مثقفاَ&أم غبياَ&من أهل السطوة والنفوذ،&طالما أنهم فقدوا نعمة التفكر&وحق الإعتراض، لأنه قِيل مِن قبلُبأن الكائنات البشرية&إذا ما&عادت&إلى الحالة القطيعية&فإن بمقدور حتى الحمار قيادتها.

ومن كل بد أن الإنسان&لو لم يبلغ الحالة القطيعية لفكّر هنيهة بالذي يقوم به،&وما يقترفه،&وما&يذهب لأجلمزاولته أو&ارتكابه بحق الغير&الذي&لا يعرف&أي&شيء عنه،&إلاّ&اللهم ما حشي قحفه به من&المعلومات&والصور الذهنية الجاهزة،&كما يوضع في الروبوت شريحة إلكترونية وبناءً على ما هو مسجّل في تلك الشريحة يتحرك الروبوت، ومن هذه الفئة الروبوتية نذكر أن بعض الجهاديين الذين&كانت ترسلهم&أجهزة&مخابرات الدول إلى&المناطق الكردية&في سوريا&للقيام بعمليات انتحارية،&كانوا أشبه بعميانٍ للتوِ فقدوا أبصارهم،&حيث&حتى المشي لم يعودا يتقنونه بخلاف مَن كان ضريراً منذ نعومة أظفاره،&وقد&عُلم&عن&البعض&ممن اُلقي&القبض عليهم&أنهم&لم يكونوا&متصورين&قطُ&بأن يروا&مسجداً&في تلك المناطق المكفرة سلفاَ&برجالها وأطفالها ونسائها،&ومن المؤكد أن الواحد منهم&لو لم يصل إلى المرحلة القطيعية التي حرمتهم من نعمةالإدراك&والتعقل،&ولو لم تُنتزع منهم&هبة&الفكر والتفكير&لسأل&الواحد&نفسه،&ألم يكن&سعيد النورسي كردياً؟&وأولم يكن&مفتي الجمهورية السورية كردياً؟&أوألم يكن محمد سعيد رمضان البوطي كردياً؟ولنفترض بأن الجهادي جاهل بجغرافية المنطقة وديموغرافية سكانها ولم يسمع بمن ذكرناهم،&أما كان عليه أن يتذكر صلاح الدين الأيوبي بما&أن النفر الجهادي مسلم ويريد إرجاع الخليقة إلى الحظيرة الإسلامية&كما كانت عليه&في سابق عهدها؟.

ولكن&مع&كل&ذلك&فالمصيبة&الكبرى&لا تكمن في ذلك المسرنم والمساق&والمباع&من قبل شيوخ وأئمة ليسوا إلاًأدوات&تدير هؤلاء الأوادم نيابةً عن&استخبارات الأنظمةسواءً عن جهل أو عن علم، إنما هي قائمة لدى&نخبة المجتمعات عموماً والمجتمع&السوري&بوجهٍ خاص،&حيث أن&قادة الرأي أو&ممن يسمون&بالنخبويين&وبدلاً من أن ينظّروا للعامة، يصححوا مسارها،&ويسيروا أمامها كما تفعل الفيلة&الأفريقية&الأكثر عمراً وحكمةً وخبرة، راحوا يستقون معلوماتهم من الدهماء،&ويبنون أحكامهم على آراء مَن كانوا ينتقلون&كالحساسين&من ضفة إلى ضفة بالضد منها بناءً على المردود المادي الذي يحصلون عليه من هنا أو هناك؛&وكذلك تكمن المشكلة لدى مواطني البلد&أنفسهم،&هؤلاء الذين عاشوا سوية مع بعضهم عقوداً من الزمان، ومع&كل&ذلكالتواصل اليومي المباشر والعيش المشترك&جاء&على غفلةٍ منهم مَن&يسوقهم إلى الوجهة&التي يريدها،&وهنايطيب لنا أن&نختتم&الجزء الأول من&المقالة مع عبدالله بن المبارك الذي قال:&"صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، قيل: من هم؟ فقال: الملوك والعلماء"&أي نخبة المجتمعات الحاليةوقادة الرأي فيه من الساسة وأقطاب الدين والمثقفين.