قبل المضي في&سرد&الأحداث اللاحقة لفشل الانتفاضة لابد من الإشارة والتأكيد على أن ما تلاها من أحداث رهيبة: إفلات صدام من العقاب، والإبقاء عليه&ونظامه،&وما عاناه الشعب العراقي من ويلات ومصائب سواء عند&القمع&الدموي الوحشي للانتفاضة&أوما تحولت إليه من هيجان وفوضى&وانفلات،ثم فرض حصار خانق على البلاد وتجويع العراقيين من قبل أمريكا&وحلفائها؛ وحفر كل تلك الجراحات والندوب في أجسادهم وأرواحهم&وبمنتهى القسوة،&كل&هذه الجرائم&الكبرى يتحملها بالدرجة الأولى بوش الأب الذي دعا العراقيين &للانتفاض والثورة على نظام صدام ثم تخلى عن قضيتهم!

وإذ تتحمل إيران&قسطا كبيرا من آثام هذه الجرائم الكبرى&عندما شرعت بغزو العراق&متسترة بالانتفاضة؛&يتحملها أيضا&قادة دول جوار العراق&خاصة&من يسمون أنفسهم&أشقاءه،&ومجلس الأمن الذين مضوا في معاقبة الشعب المغلوب على أمره وترك الحاكم الجاني متمتعا بقصوره ونعمه وأمجاده الكاذبة!&&

لا يشفع لكل هؤلاء ما يسوقونه من تبريرات حول دخول الإيرانيين على الانتفاضة&والقضية العراقية&بأجمعها&،على العكس أن هذا&العدوان&كان يستدعي&تصديهم له وحل قضية العراق بإطاحة النظام وإقامة نظام حكم جديد محايد يتمتع باستقلاله الوطني&ووحدة أراضيه&وإرادته الحرة!

&سأمضي في سرد الوقائع كما استقيتها في حينها وفي فترات لاحقة من أشخاص التقيتهم في مدن عدة تنقلت بينها في المنفى طيلة ربع قرن&مضى&وكانوا على مقربة من تلك الأحدث بعد أن تعمد كثير من قادة المعارضة العراقية التكتم عليها أو حجبها لأنها تكشف تواطئهم وتدليسهم وكذبهم على الشعب والمؤرخين، وفي هذا السرد سأحاول إلقاء الضوء على درجة مسؤوليتهم في هذه المأساة والمحنة الكبرى التي لازالت متواصلة حتى اليوم!&

صار واضحا للمراقبين ولكثيرين أن انتفاضة الجنوب لم تعد شعبية وطنية كما بدأت بل هي &وقعت في أحضان الأحزاب الطائفية وعصابات مسعورة من اطلاعات والحرس الثوري الإيراني وهم &يريدون أن يجنوا &ثمار كل هذه الأرواح التي أزهقت والدماء التي سالت والمدن والثروات التي دمرت في المنطقة، ويشيدوا في العراق طاق كسرى جديد تتجمع تحته كل أحقاد الماضي وعقده الدفينة! &

ما جري في تلك الأيام والساعات المريرة الغامضة كان يراقب&طبعا&بحذر وقلق من جيرانه في السعودية والأردن وحتى القاهرة! وصرح &قادة هذه البلدان وبأشكال وطرائق مختلفة أنهم &يريدون إسقاط صدام ونظامه وإحلال نظام جديد عاقل ومسالم ومقبول من جيرانه وأشقائه ومن العالم. وليس ذلك النظام الديني الطائفي الذي صار ينادي به المتظاهرون وفق رغبة إيران وخططها التوسعية، وعُرف أنهم اتصلوا ببوش يستطلعون ويقترحون ويجادلون!&

كانت السعودية والأردن كجارين على حدود طويلة مع العراق يريان نفسيهما في تهديد خطير أن يجدا نفسيهما في اليوم التالي جارين لصيقين لإيران التي&انبرى&قادتها قولا وفعلا&يؤدون ما أسموه&واجبهم الرسالي المقدس في تصدير ثورتهم للجيران وحتى شمال أفريقيا، &مبتدأين&في تنفيذه&من لبنان كطرف غربي مقابل في الكماشة العسكرية والتي نواتها وجانبها الصلد في الشرق ابتداءً من العراق ودول الخليج!

صار واضحا للكثيرين أن إيران تريد تطويق المنطقة كلها بدائرة ملتهبة من الاحتراب الطائفي، والمعلومات تتوالى إنها&أقامت&في أراضيها معسكرات تدريب لمنظمات سنية إرهابية&مشبعة بالفكر الوهابي والأخواني&لاستعمالها في لعبة الصراع وفي مقدمتها شراذم وذيول القاعدة&المتدفقة&إليها&من أفغانستان وباكستان&تحت راية إعادة "الدعوة" الإسلامية من قبل نظامهم الثوري، وأخذ "المبادرة" من أيدي النظم العربية والإسلامية التقليدية القائمة!&

قبل هذا، وبالتحديد في كانون الأول ، 1990 عقد في دمشق مؤتمر لقوى المعارضة &شارك فيه 17 حزبا وتيارا سياسيا، &ودعا في بيانه الختامي: إلى الإطاحة بنظام صدام،وإلغاء كافة قوانينه، وتشكيل حكومة اتلافية ، ولجنة عمل مشترك لقيادة المعارضة واتخاذ القرارات الأساسية وبشكل يرضي الجميع!&

&ذلك سهل على هذه القوى أن تستجيب للانتفاضة وتسارع إلى مؤتمر آخر ضم 21 حزبا وجماعة معارضة عقد في بيروت ( 13 آذار 1991 ) شكل لجانا للحراك الجماهيري والتوجه العاجل صوب الدول العربية والإسلامية والأجنبية لدعم الانتفاضة ومناشدتها الاعتراف بالمعارضة ممثلا شرعيا للشعب العراقي.&

رحبت السعودية&بنداء&المعارضة واقترحت عليهم عقد مؤتمر لهم&في الرياض على غرار مؤتمر الطائف.&فتوجه وفد من المعارضة&ضم&قادة بارزين فيها بينهم رئيس المجلس العراقي الحر سعد صالح جبر وأحمد الحبوبي وصلاح عمر العلي والعميد الطيار عارف عبد الرزاق ثم انضم إليهم في الرياض الفريق إبراهيم عبد الرحمن الداود وعدد كبير من المستقلين.&ترأس وفد الجماعات والأحزاب الإسلامية محمد باقر الحكيم، الذي رفض أن &يحضر مؤتمر بيروت رغم تعطله ليوم كامل في انتظاره، وانتقل من طهران إلى الرياض ضاربا&قرارات&لجنة العمل المشتركة التي كان قد تبناها عرض الحائط! &ونقل شهود عيان عنه إنه كان يتصرف مند نزوله الطائرة وكأنه قد أصبح&رئيس&العراق وكان يقولها صراحة: &معنا الانتفاضة ودولة إيران الإسلامية! &

في اليومين 25 ، 26 من آذار 1991&وفي قصر الضيافة في الرياض&جرت أعمال&هذا المؤتمر!

وحسب ما نقل عن مصادر عديدة&وما جرى التصريح به أو تسرب عن أروقته&علنا أو سرا، أن &فهد ملك السعودية،والحسين ملك الأردن الراحلين والرئيس المصري حسني مبارك&كانوا&يتداولون ساعة بساعة حول ضرورة الوقوف &على الوجهة الحقيقة لكافة قوى الشعب العراقي المعارضة ليكون لهم القرار الحاسم في حكم جديد يتسلم الحكم بسلاسة ويرتب أوضاع البلاد بصورة صحيحة عادلة فلا ينحدر إلى هيمنة هذا البلد أو ذاك!&

وكما&عُلم&أيضا أجرى الملك فهد مكالمة مع بوش الأب &في البيت الأبيض وأعلمه أن قادة المعارضة&العراقية&والضباط السابقين&يتداولون الآن في الرياض مسألة الإطاحة بالحكم وتولى إدارة البلاد من قبل ممثليهم والحفاظ على الدولة والجيش من الانهيار، وسيعلمه بقرارهم!&

كانت القوات الأمريكية &تحت قيادة شوارتزكوف قد &وصلت إلى &منطقة الإسكندرية وصارت على أبواب بغداد، عندما جاءتها الأوامر من بوش بالتوقف، وانتظار أوامر جديدة! &

يتبع&.....