كيف نفهم ما يجري في اليمن اليوم؟ ومتى وإلى ماذا سينتهي؟

وقد ربما استشف الآن قارئ لعنوان المقال.. بأن الجواب طي المقال سيكون في العودة لقراءة تاريخية باعتبار الشخوص المذكورة في العنوان. وهذا صحيح.. لأننا أقوام لا تقرأ من التاريخ إلا ما يوافق هواها ويشبع غرورها، أو تكون تلك القراءة بمثابة "حقنة بنج"، تسكّن قليلاً من آلام واقعها المعاش، وهذا حال الشعوب العاطفية الانفعالية التي تجد في التاريخ منفذاً للهروب إلى الأمام، والقفز على الواقع، وبدلاً من أن نتعلم من تاريخنا ومغامراته وممن سبقونا ومن كل مغامراتهم، نبقى أسارى لخيالاتنا وأحلامنا وحدها!
سؤال آخر ابتدأ فيه المدخل لقراءتي السريعة لتاريخ "داء" اليمن المستفحل اليوم.. متى بدأ اليمن السعيد "يعبس" في وجه ابنائه والتاريخ؟
الجواب.. منذ عام 897 م - 284 ه، ومع تأسيس يحيى بن الحسين للدولة الزيدية، هذا الحكم الذي استمر لمدة 1200 عام، والذي رسّخ لحكم السلالة عبر "الحق الإلهي" المزعوم، ونشر الطائفية والمذهبية والصراعات في اليمن وبين ابناءه، ولم يعرف اليمن وابناؤه الاستقرار حتى سقوط حكم السلالة في عام 1962 م – 1382 ه، بعد 11 قرناً من ترسيخ الفساد والعنصرية، والحروب وسفك دماء اليمنيين، والأدهى والأمر ذاك "المرض النفسي" الذي أوجده حكم الإمامة في الشعب اليمني، الذي سبق اكتشاف "متلازمة ستوكهولم" في السويد!، وهو "عشق الجلاد" الذي جعل من "أحمد يحيى الثلايا" بعد محاولته تخليص اليمن وابنائه&من جميع أمراضهم المزمنة، عبر قيادة الانقلاب ضد حكم الامام، أن يصرخ قبيل إعدامه:
"قبُّحت من شعب أردت لك الحياة، فأردت لي الموت"!
تأملوا كلمات سيد الثوار اليمنيين، محمد محمود الزبيري، وكأنه رأى واقع اليمن اليوم، بالأمس من سترٍ رقيق!.. كتب الزبيري في كتابه "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" التالي:
"خطر الهاشمية وفواجع ما ينتظر اليمن بسبب نظرية الادعاء الإلهي الكاذب.. أن مشكلة الحكم في اليمن ستكون في من يرون أن الله اصطفاهم وخلقنا عبيداً وخداماً لأجلهم، وستكون من أكبر التحديات التي ستفتح الباب الإقليمي والدولي للتدخل في اليمن ومن أجلها سيهدد استقرار اليمن".
أليس هذا ما يحدث في اليمن اليوم بعد اختطافه من الحوثيين، أو "أدعياء الحق الإلهي"؟!
معلومة تخدم السياق عن الزبيري.. كان رحمه الله أول من أسس حزباً بمسمى "حزب الله" في الأمة، ولكن على النقيض تماماً من "حزب الشاطر حسن" اللبناني، كانت أهم أهداف حزب الزبيري، هي في التصدي لنشر المذهبية والطائفية في اليمن، وإنهاء حكم الإمامة وحقها الإلهي المزعوم في الحكم.&

وبعد انقضاء "الحكم الإمامي السلالي"، نأتي بعدها إلى "الحكم السلّالي"، أو "موضة حكم العسكر"، ولن أخوض فيه طويلاً، وبين "الحكم السُلالي"، و"الحكم السلّالي"، يقبع "سل البردوني":
ماذا أحدِّث عن صنعاء يا أبتي؟!
مليحةٌ عاشقاها السِلُّ والجربُ
إنما المرور بفترة حكم العسكر جاء على وقع وصف أحدهم لدولة بني أمية التي كان من بين خلفائها "عمر بن عبدالعزيز": "كانت دن خل خرج منه زق عسل"!
و"زق عسل" هذه الفترة فيمن حكم اليمن، كان وبلا شك الرئيس اليمني الشهيد، إبراهيم الحمدي، وهو الاستثناء في حكم اليمن ربما منذ عهد الملك شمر يهرعش الحميري!، ولن يكفيني هذا المقال للخوض في مآثره وفي اليمن التي قتلت معه غدراً.. ولا جديد في شعوب أدمنت قتل مصلحيها، ثم السير في جنازاتهم والبكاء واللطم والتحسر عليهم!
كيف نفهم ما يجري اليوم في اليمن؟&
يجب أولاً أن نفهم بأن التدخل العسكري للتحالف العربي، لم يكن فقط للقضاء على الحرب بالوكالة الإيرانية عبر تنظيم الحوثي في اليمن وتأمين الحدود السعودية من خطر محدق، بل الأهم أنه جاء والصراع على أشده بين أعضاء حزب المؤتمر الموالين للرئيس المخلوع ثم المغتال علي عبدالله صالح (كان يطلق عليهم الحوثيون تسمية المتحوثين للتمايزعنهم وعليهم) وبين أعضاء حركة الحوثي الأصليون (السادة الهاشميون)، في التسابق على السلطة والمال والفساد، والقضاء على شرعية الحكم، فكان التدخل العسكري للتحالف العربي الذي لم يكن في حسبان لا الحوثي ولا المتحوثون، وأربك خططهم، بمثابة المعادلة التي غيرت من الانقلاب على الشرعية والشعب، كأمرٍ واقع إلى ما يشبه ما يذكرني بنكتة قرأتها، وجرت في اليمن في خمسينيات القرن الماضي، ذلك عندما قام الأديب اليمني الساخرعبدالله عبدالوهاب نعمان، ناشر صحيفة الفضول آنذاك، بنشر عنوان عريض في الصفحة الأولى مفاده، "انقلاب عسكري في اليمن"، ما دفع بالقراء إلى شراء كل أعداد الصحيفة التي كان الخبر المفصل فيها يحكي عن سقوط عسكري من ظهر حماره وانقلابه على رأسه، فضحك الناس من "الانقلاب" الذي فلق رأس صاحبه!

نأتي الآن إلى إجابة السؤال، متى وإلى ماذا سينتهي ما يجري في اليمن؟ وهو الختام.. والإجابة في رسالتين.. الأولى.. ثقوا في أهداف ونصر التحالف العربي بمعية قوات الشرعية، وكلٌ لنا قتلاه في هذه الحرب، وهذا للأسف الثمن الذي ندفعه لأقبح وسيلة اليوم – وفي كل وقت - لتصل بنا إلى غاية اليمن السعيد.. أما الرسالة الثانية.. فحتى نصل لغاية اليمن السعيد لا بد قبل أو بعد نصر التحالف.. أن يتحلل الشعب اليمني أولاً من "لعنة الثلايا" و "دم الحمدي".. ولا تسألوني: "كيف"؟.. والجواب في بطن التاريخ والمقال!