يعتقد الناس في كل مكان أنهم يعرفون الزمن جيداً ويألفون وجوده، فهو مرتبط بذكرياتهم وماضيهم ومستقبلهم وحاضرهم& وبكافة مشاريعهم اليومية والحياتية. بيد أن هذا لا يطمس حقيقة أن الزمن هو أعقد لغز في الكون المرئي اليوم. ومهما حاولنا تبقى الأسئلة بشأن الزمن عسيرةً على الإجابة : ما هو الزمن؟ هل يمكن أن يكون الزمن مجسماً ذو أبعاد& على غرار الأبعاد المكانية؟ هل يمكن التحكم بالزمن، تسريعه أو وقفه أو حرفه عن مساره؟ هل هناك زمن واحد أم عدة أزمان؟ هل يمكننا السفر عبر الزمن وداخله والرجوع إلى الماضي وتغيير مسار الأحداث، أو الذهاب إلى المستقبل والعودة للحاضر لتغيير مسار الأحداث نحو مستقل آخر بديل؟ &مرت قرون طويلة على تعاطي البشر مع معضلة الزمن وتراكم الخبرات وتعميق المفاهيم واستيعاب الألغاز التي تحيط بالزمن وماهيته، فلا أحد نجح في أن يعرف من أين جاء الزمن. وهل هو موجود بمعزل عن المكان والكائنات والحركة والسرعة والتفاعلات والتحولات والتقلبات الميكروسكوبية ، الكمومية أو الكوانتية ما دون الذرية، والماكروسكوبية على نطاق الكون المرئي برمته في اللامتناهي في الكبر. وهل يمكننا أن نتخيل وجود كون بدون زمن. وهل الزمن مكون جوهري من مكونات الكون المرئي؟ هل الزمن أداة لتنظيم مداركنا أم وسيلة لرؤية ما يوجد وهو في سيرورته الحركية وتطوره عبر محطات زمكانية معلومة؟ أولا يتعين علينا من الآن عدم التحدث عن " الزمن" بمعزل عن " المكان أو الفضاء" وبالتالي يجب أن يجري الحديث بمنظور " زمكاني&spatio-temporelle&وإلا ستكون النتائج خاطئة من الناحية الرياضياتية والفيزيائية وفقاً لمحددات النسبية الخاصة والعامة لآينشتين. وعلينا كذلك الأخذ بالاعتبار مفهوم الأبعاد المكانية الأخرى الإضافية كالبعد الخامس الذي اقترحه ثيودور كالوزا وأوسكار كلاين&Theodor-Oskar Klein، وعرف باسم نظرية كالوزا-كلاين التي ربطت بين الجاذبية أو الثقالة والكهرومغناطيسية واضطرت إلى إضافة بعد مكاني رابع ، أو فرضية الأبعاد المكانية العشرة أو الستة والعشرون، التي اقترحتها نظرية الأوتار الفائقة وكل واحدة منها لها تأثير على طبيعة وماهية ودور الزمن وطبيعة ونوع الحركة واتجاه سهم الزمن كما تم شرحها في مفارقة التوأم. والحال إن هناك قوانين الفيزياء التقليدية المعمول بها حالياً والتي تقول إننا إذا حددنا موضع جسيم ما وسرعته واتجاهه بدقة متناهية، فإننا سوف نعرف بحكم القوانين الكلاسيكية كيف كانت الأشياء وكيف ستكون في أية لحظة ولكن علينا أن ندرك إن كوننا المرئي ليس فقط تقليدي بل انه كمومي أو كوانتي . ففي الفيزياء الكمومية أو الكوانتية تبرز لنا فيزياء العالم الحقيقي الذي لا نراه ولا ندرك كنهه فإذا عرفنا الدالة الموجية في لحظة ما لكل جسيم في الكون تأتينا معادلة شرودينغر الشهيرة لتخبرنا كيف كانت الدوال الموجية وكيف ستكون في أية لحظة أخرى وهذا الجانب من الفيزياء الكمومية او الكوانتية حتمي تماما مثلما هو الحال في الفيزياء التقليدية ، ومع ذلك توجد خلافات جوهرية بين نمطي الفيزياء ودعامتيها الرئيسيتين، النسبية والكمومية أو الكوانتية، فيمكن لفيزياء الكموم أو الكوانتوم أن تقدم اقتراحات بديلة لما يمكن أن يحدث لكل جسيم، بحيث تبدو مختلفة كليا عن الصياغة التي تقدمها الفيزياء التقليدية ومنها تفسير ميكانيكا الكموم أو الكوانتوم لفرضية العوالم المتعددة. فكل نتيجة ممكنة تكون محتواة في دالة موجة كوانتية او كمومية وفق عملية الفتل المحوري أو الدوران المغزلي حول المحور الذاتي بهذا الشكل أو ذاك، أو كون جسيم هنا أو هناك، وكلها تتحقق في كونها الخاص المنفصل الموازي . فالكون الذي نعيش فيه وندركه في كل لحظة هو ليس أكثر من واحد من عدد لانهائي من الأكوان الأخرى، يتحقق في كل منها بشكل منفصل& أي تطور محتمل تسمح به الفيزياء الكمومية او الكوانتية . وعند الحديث عن الزمكان كوحدة عضوية لا تنفصم علينا أن نفهم حقيقة السفر عبر الزمن من خلال الثقوب الدودية التي سنأتي على شرحها بالتفصيل لاحقاً. وهي عبارة عن ممرات تشوه المكان والزمن وتضغطهما أو تبعجهما أو تطويهما، وتربط بين نقطتين متباعدتين زمانياً ومكانياً في فترة زمنية غاية في القصر، وفي بعد مكاني مضغوط للغاية، للربط بين النقطتين الكونيتين المتباعدتين . فوحدة الزمنية النيوتنية سبق أن تهشمت على يد النسبية الخاصة لآينشتين وفقدت شموليتها وإطلاقيتها فلكل منا زمنه الخاصة وساعته الخاصة وفق موقعه وحركته وسرعته واتجاهه. كما يتوجب علينا الأخذ بالحسبان مفهوم التشابك الكمومي أو الكوانتي و لا محلية ميكنيكا الكموم& أو الكوانتوم، رغم وجود ما يشبه التعايش بين النسبية الخاصة والكوانتوم على الرغم من مسلمة تقول أنه في حالة إنقسام جسيم أولي إلى جسيمين متباعدين على نحو كبير ، يتواجدان على طرفي تخوم الكون المرئي المتعارضين، فإن المعلومة تكون متشابهة لدى كليهما على نحو آني زمنياً رغم المسافة المكانية الكونية الهائلة التي تفصل بينهما.وعلى الرغم من كونهما محكومين بعشوائية ميكانيكا الكموم أو الكوانتوم، فإنهما يبقيان على تواصل على نحو ما مجهول، بحيث أن أي شيء يفعله أحدهما يقوم به الآخر مباشرة على نحو مشابه ما يوحي بأن هناك شيء أسرع من الضوء يوصل المعلومة بين الجسيمين آنياً رغم بعد المسافة المكانية. والحال تخبرنا ميكانيكا الكموم المعيارية& أننا عندما نقوم بإجراء قياس ونجد جسيماً هنا فإننا نتسبب بتغيير دالته الموجية وموجته الإحتمالية وبالتالي نغير مدى النتائج المحتملة للقياس ونختزلها بالنتيجة التي وجدناها في المقياس، أي أن القياس يتسبب بإنهيار موجة الاحتمال. الزمن يجري فقط من خلال حالة الوعي والإدراك الدماغي والنفسي له ، ولكن عند التمعن في نسبية آينشتين الخاصة وإعادة هيكيلة بعض الإعدادات الآينشتينية، يتضح لنا أن الزمن لا يجري كما كنا نعتقد بشعورنا الحدسي، ونصل إلى نتيجة مفادها أن النسبية الخاصة تعامل كل الأزمان على قدم المساواة، وتتضح لنا سخافة وخطل معضلة الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة. فالبيضة مشكلة كلياً ولها أنثروبيا منخفضة. ولكن كيف جاءت هذه المنظومة الفيزيائي المنخفضة الأنثروبيا& المسماة بيضة إلى الوجود؟ يخبرنا عقلنا القاصر بجواب بديهي ساذج وبسيط أنها جاءت من دجاجة وتلك الدجاجة جاءت من بيضة جاءت من دجاجة جاءت من بيضة وهكذا دواليك. وكما قال عالم الفيزياء روجر بينروز أن هذه القصة تعلمنا حقيقة عميقة وجوهرية وهي أن الدجاجة كائن حي وهي منظومة فيزيائية بترتيب عالي بدرجة مذهلة وعلينا أن نسأل من أين جاء هذا التنظيم وكيف يبقى على هذا الشكل؟ في الحقيقة هي أن الدجاجة هي قناة ، مثل أي كان حي في الواقع، لأخذ طاقة منخفضة& الأنثروبيا وإطلاق طاقة عالية الأنثروبيا وهذا يتعلق بنوع الطاقة ومصدرها ونوع الطعام الذي تستهلكه الدجاجة والنبات الذي تأكله والذي يأتي بفضل الشمس وبالتالي منشأ الشمس وأصلها الخ. . وهنا نطرح سؤلاً جوهرياً : هل العلم غير قادر على استيعاب خاصية جوهر الزمن التي يتقبلها العقل البشري، وهل بإمكاننا أن ندرك الفرق بين الزمن النسبوي الآينشتيني والزمن الكمومي أو الكوانتي .وهل هناك بالفعل إتجاه حقيقي للزمن؟ الإجابة ليست بديهية وسيكون من الصعب التفريق والتمييز بين الماضي والمستقبل ومعرفة الحاضر ونكون محكومين بالشروط المحددة التي كانت سائدة لحظة بداية الكون المرئي وتداعياتها على الزمن الكوني والمكان الكوني ونشأة الزمكان الكوني.&

&يتبع