كلّنا نريد أن تسقط الأنظمة الديكتاتورية. غربية كانت، أم عربية. الدول الكبرى، لا تنفعها الأنظمة الديمقراطية. حاجتها للأنظمة الديكتاتورية والحكّام الظالمين، كحاجة الإنسان للماء والهواء. لن يسقط النظام الإيراني!! أثبت أن الديكتاتورية تحافظ على مصالح المستكبرين في الأرض، وهو يحمي نفسه تحت عباءة الدين، والعقول المتشيعة. الديمقراطية عدوّ مدمّر للأنظمة الإسلامية. الأديان انطلقت من مبدأ تحرير الإنسان، وانتهت على يد طبقات اقتصادية وعسكرية إلى تدميره. نموّها السياسي والتنموي مرتبط بملء جيوب الطاقم الحاكم، وليس ازدهار البلاد، وتقدّم حياة العباد. أمريكا وإسرائيل ستخسران لو سقط النظام الإيراني، إلا في حال لو أسقطاه، وغيّرا نظامه، وفقاً لمقياسيهما. في المقابل، ورغم كلّ محاولات النظام اليائسة، تتجمّع رياح الفكر الديمقراطي الجديد، ولا بدّ لها من أن تهبّ ذات يوم لتعصف بالفكر المتطرّف، وميليشيات الطاعون الطائفي، الذي لا يريد مغادرة كهوف العصور الماضية، ومُحال أن يغادر.

للطاقم الحاكم في إيران، استراتيجيتان، ظاهرية، بمعاداة الغرب ومحاباة الشرق، وباطنية، بمصادقة الغرب ومحاربة الشرق. وبعد عقود من الزمن، تمكّن هذا الطاقم من إنجاز الاتفاق النووي، وتحقيق اختراقات استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وغلتها بصراعات وأزمات، وعلى حسابها، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، لكن هذه الإنجازات، لم تنعكس إيجاباً في الداخل الإيراني، بل كشف واقع الشعب الإيراني المرير اليوم. التمدّد الخارجي انعكس سلباً على الوضع الداخلي، كإخفاقات التنمية، وتفشّي الفساد في مؤسّسات الدولة، وازدياد نسبة البطالة، وانتشار ظاهرة الولاء والاستزلام على حساب الكفاءة، وهروب الكفاءات نحو أوروبا، وعدم قدرة النظام وطاقمه على إقناع الشعب بضرورة استمرار القطيعة مع الغرب، ولا سيما بعدما فشل في إيجاد موارد اقتصادية ومالية من خارج الثروة النفطية، فيما القمع الإيديولوجي والديكتاتورية، باتا العنصر الوحيد المميّز للسلطة الحاكمة، التي سقطت كل شعاراتها تجاه تقديم النموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي البديل عن العولمة، أو النظم الاشتراكية. 

الاحتجاج، يتواصل ويتوسّع. القتلى والجرحى يتزايدون. المعتقلات تكتظّ بالناشطين. في عشرات المدن الإيرانية، بينها طهران، العاصمة السياسية، وَقُم، العاصمة الروحية، لتنحو مَنحى الثورة السورية، من حيث رفع رايات ضدّ الديكتاتور، والمطالبة بالتغيير. الدعم النظري سيكون من نصيب الشعب، والعملي للطاقم الحاكم. إسقاط النظام الإيراني، يعني زوال شبح الرعب عن العرب، وهذا ما لا تتمنّاه أمريكا وإسرائيل، وكل الغرب المستفيد من مقدّرات الشرق، إذ، من الصعوبة أن يتم إسقاط النظام الإيراني، الذي يدعمه ويحميه الحرس الثوري الإيراني، وهو بمكانة الشرطة العقائدية، لحماية النظام، وليس كالشرطة التقليدية. فهؤلاء مهوسون بقتل أنفسهم، للوصول للجنة التي وعدها الملالي لهم. 

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أفصح عن كلام، في غاية الأهمية، لو تأمّلناه، وفكّكناه «ليس أمريكا فقط. كل دول الغرب والشرق، تتعامل بالديمقراطية، وفق مصالحها»، عندما قال أمام حزبه الحاكم "أمريكا تتبنّى الديمقراطية عندما تجري الأمور وفقاً لمصلحتها، وتستغني عنها حينما تسير عكس رغباتها"، ولعلّ هذا الكلام ينطبق على أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وألمانيا، وكلّ الدول، التي دعمت الثورة السورية نظرياً لا عملياً، وها هي تدعم المظاهرات المناهضة ضدّ النظام الإيراني. فدونالد ترامب، غرّد، بأن الشعب الإيراني مقموع منذ سنوات، وزمن التغيير حان «أطلق التاجر رصاصة الرحمة على المعارضة الإيرانية الجديدة، بتأييده للحقوق المشروعة، للمتظاهرين، ونسي حقوق الآخرين الشرعية والمشروعة». بنيامين نتنياهو، يرى أن الإيرانيين والإسرائيليين سيصبحون أصدقاء، في حال سقط النظام «إسرائيل وإيران، أصدقاء المصالح الاستراتيجية الدائمة، منذ قِدم، وما الهلال الشيعي، إلا أكذوبة أخرى، تضاف إلى أكذوبات الغرب السابقة».

قد تكون المظاهرات الشعبية الأخيرة، بدأت عفوية، أو كقنبلة موقوتة وانفجرت، بسبب الغلاء والبطالة والفساد والاستبداد. ولكن من الصعب أن نعتقد بأن الأيدي الخفية الداخلية، لم تبادر إلى استغلالها، ومدّها بالقوة والانتشار، ومنها وأهمها المعارضة الإيرانية. أحزاب وقوميات. لم يرحمها النظام يوماً، ومارس ضدها كل أنواع القمع والتهميش. هذا في الداخل. وفي الخارج هناك دول كبرى وصغرى عديدة تترقّب فرصة ذهبية مثل هذه، لتصب أنهاراً من الزيت على أيّ نار تشبّ في منزل النظام الإيراني، لتَشفي غليلها، أو على الأقل لتشغله بنفسه، ليريح ولا يستريح. ولن تسمح بأن يحرقها هذا الزيت. إلا أنها ستبقيها مشتعلة، لتستفيد منها. تماماً مثلما يجري في سوريا والعراق.

حقيقة، لو كان للطاقم السياسي الحاكم، وعلى رأسه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي، علي الحسيني الخامنئي، شيء من الحكمة والتعقّل، كما يدّعي الشيعة الطائفيون، لتفرّغوا لتعزيز جبهتهم الداخلية، أولاً وقبل أيّ شيء، بالعدل والمساواة وعدم التمييز العرقي والطائفي بين إيراني فارسي، وبين إيراني كوردي، وبلوشي، وعربي، وأذري، وتركماني. بتوزيع الدخل القومي، بعدالة، بين الأقاليم، وتحريم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ. والحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية، لجميع المكوّنات. الإيرانيون تعبوا من صعوبات العيش. نقص كبير في الخدمات، وارتفاع معدلات البطالة، واستنزاف مقدّرات الداخل في صراعات الخارج. تعبوا من ديمقراطية مبرمجة بإحكام، تحت غطاء الدين، وفتاوي سلطات المرشد. 

أخيراً فإن مشكلة النظام الإيراني اليوم، تكمن في مصدر قوته الوحيدة، إزاء المشكلات والتحدّيات التي تواجهه في الداخل، وأيضاً هذه القوة مصدر خوف ورعب، للدول الإقليمية، خاصة دول الخليج، وعلى رأسها السعودية «لعلّ السعودية تفرك يديها، فرحاً، بما يحدث في إيران». الديكتاتورية المفرطة، والترسانة الأمنية المحكمة، والبراعة المنظّمة في القمع، هي من مصادر قوة النظام الإيراني الإسلامي الشيعي، وهي مقتله في آن آخر، إلا أن هذه الديكتاتورية، وتحالفاتها ومصالحها الاستراتيجية، السرّية منها والعلنية، مع الدول العظمى، ومنذ ثورة 1979 بقيادة روح الله الخميني، هي التي ستبقي هذا النظام قائماً، لأن مصالحها أكبر من إيران، رغم أن الدول المتربّصة به، الحليفة والصديقة، ستكسر بعض أرجله وأيديه. هذه المظاهرات قد تقلق الطاقم الحاكم، ولكنها لا تشكّل خطراً على وجوده، فهو يعلم من تجارب الماضي، وتجارب الثورات التي عصفت مؤخّراً ببعض الدول العربية، ويتقن اللعب على متناقضات خصومه، ويحسن تدبير الأزمات.

مَن استطاع القضاء على تحركات أكبر تظاهرات وانتفاضات وشبه ثورات شعبية وعسكرية، خارج حدوده، بآلاف الكيلو مترات، باستطاعته وبسهولة القضاء على احتجاجات وتظاهرات داخل أراضيه. المشروع الإيراني أكبر من إيران وشعبها، وثلاثي الأبعاد، ويخدم مصالح واستراتيجيات دول كبرى، خصوصاً أمريكا وإسرائيل والصين واليابان وروسيا وتركيا. يوجد تشابك مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى، وهي الأهم بالنسبة لهذه الدول. فهي استطاعت إفقار وهزيمة إيران اقتصادياً وسياسياً، من خلال منحها النصر العسكري والأمني، والتمدّد والتوسّع على الأرض. ولربما هذه الأحداث، وبعض هذه التحرّكات التي تجري على داخل إيران رسالة لطاقمها ونظامها الحاكم، للقبول بتسوية أو قرار ما. 


كاتب وصحفي كوردي