هل تشهد الدول الديمقراطية"بحق" فتن و إنتفاضات ضدها؟ ولاأستشهد بالدول الغربية وانما أذکر على سبيل المثال لا الحصر، دولا مثل الهند و کوريا الجنوبية و جنوب أفريقيا و أخرى مماثلة لها، ففي هذه الدول تحدث إضرابات و تظاهرات و إعتصامات وعلى أثرها تستقيل حکومات أو يقدم مسؤولين کبار کرئيس الجمهورية و رئيس الوزراء للمحاکمة، أما في الدول الديکتاتورية فإن التظاهرات و الاضرابات و الاحتجاجات التي تتصدى للنظام و تطالب بتغييره، فإنها تعتبر فتنة و مؤامرة و يجب محاکمة و محاسبة قادة الفتنة!

أتساءل؛ لو کانت قد حدثت إنتفاضتا حزيران 2009 و ديسمبر 2017، اللتان قاما بها الشعب الايراني في دول ديمقراطية کسنغافورة أو ماليزيا أو کوريا الجنوبية، فهل کانت ستؤدي الى ماأدت إليه على يد سلطات الجمهورية الاسلامية الايرانية؟ المشکلة إن آية الله خامنئي، الذي يعتبر نفسه ظل الله على الارض، لايزال يصر هو رهطه من آيات الله الحاکمين في إيران بأن هاتين الانتفاضتين کانتا "فتنة ضد النظام"، وبما إن النظام يختصر في شخص آية الله خامنئي، فإن المنتفضين يعتبرون بحسب أدبيات النظام، مخطئين و مارقين و محاربين ضد الله، أما آية الله خامنئي و رهطه من آيات الله الحاکمين بإسم الله، فحاشاهم من ذلك!

ليس هناك من نظام سياسي في العالم کله يتهم الشعب بالخيانة و المروق و الفتنة و يعتبر نفسه فوق الاخطاء کما هو الحال مع الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تحفل بتناقضات صارخة و بمفارقات تثير التقزز و ليس الضحك و السخرية، إذ في الوقت الذي يعترف فيه مسؤولون إيرانيون بأن نصف الشعب يعيش تحت خط الفقر، و تعاني أعدادا کبيرة جدا تقدر بالملايين من المجاعة، و يتضاعف أعداد العاطلين عن العمل بحيث صاروا يشکلون جيوشا، فإن قادة کبار في النظام يتهمون بعضهم بالفساد و بنهب المال العام، ولعل مايجري بين جناحي النظام بصورة عامة و بين الرئيس السابق أحمدي نجاد و بين رئيس السلطة القضائية، آية الله صادق لاريجاني، بصورة خاصة، وهذا مايوضح سبب مايعانيه الشعب من أوضاع معيشية وخيمة، تماما کما يقول الامام علي أبن أبي طالب: مامن نعمة موفورة إلا و بجانبها حق مضاع!

الفرحة الزائفة و المخادعة التي يموه آيات الله في طهران ولاسيما خامنئي، أنفسهم من إن الفتنة"أي الانتفاضة بحسب أدبياتهم الفريدة من نوعها" قد إنتهت، لاتتطابق أبدا مع حالة القلق و التوجس التي تعتريهم و تهيمن عليهم، وإن مايسمونه بالفتنة قد إعترف العالم کله بها کإنتفاضة حتى حلفائهم الروس و نموذجهم السني السلطان غير المتوج أردوغان، ولعل ماجرى لآية الله محمود شهرودي في ألمانيا عندما إضطر لقطع علاجه و العودة خلسة بما يشبه الهروب خوفا من إستدعائه للمثول أمام المحاکم الالمانية بتهم إرتکابه لجرائم ضد الشعب الايراني، دليل واضح على إن العالم لاينظر للقضية من خلال عباءات آيات الله في طهران ولو کان آية الله شهرودي مؤمنا و واثقا من نفسه فلماذا لم يبق ليواجه التهم الموجهة له و يدحضها؟ 

يزعمون في طهران بأن الانتفاضة قد إنتهت، ولکن، هل إنتهت الاسباب التي أدت إليها؟ هل عالج آية الله خامنئي الازمة الاقتصادية في إيران؟ هل تم توفير فرص العمل للعاطلين و الحرية للشعب؟ وهل قضوا على منظمة مجاهدي خلق"مثيرة الفتنة کما أکد آية الله خامنئي بعظمة لسانه" و جعلوها شيئا من الماضي کما کانوا يزعمون دائما؟ أم إنها وکما يعترفون بأنفسهم تقف لهم بالمرصاد؟هل نجح آيات الله في تحسين صورة نظامهم بأن يکفوا عن تدخلاتهم الخارجية و تهديد أمن و إستقرار بلدان المنطقة و إهدار أموال الشعب الايراني على ذلك؟

الفرق بين الانظمة الديمقراطية و الديکتاتورية هو إن الاولى تعمل کل مابوسعها من أجل معالجة أسباب المشاکل من جذورها، أما الديکتاتورية فإنها تهرب للأمام بأن تقفز على المشاکل کما فعل و يفعل آية الله خامنئي.

في الانظمة الديمقراطية، تعتبر السلطة القضائية طرفا قائما بحد ذاته و له سلطاته النافذة على السلطتين التنفيذية و التشريعية، أما في الانظمة الديکتاتورية فيعتبر مجرد مطرقة بيد الديکتاتور کما في الحالة الايرانية، ومن المفارقات المثيرة للتهکم أن رئيس السلطة القضائية المقرب و المحسوب على آية الله خامنئي، إضافة الى کونه متهما بالفساد و إرتکابه الجرائم و الانتهاکات، فإنه قد تم إدراجه ضمن قائمة العقوبات الاخيرة التي أصدرتها وزارة الخزانة الامريکية، وکل هذا مايدل على الحالة البائسة و المزرية للسلطة القضائية للجمهورية الاسلامية الايرانية ومن إن وجودها کان ولايزال لخدمة وجود و بقاء النظام وليس لإنصاف الشعب، إذ لو کانت هناك سلطة قضائية حقيقية في إيران لکانت قد بادرت الى العمل من أجل عزل الظل المفروض لله على الشعب الايراني و إعادة الحق المسلوب له، ولکن آية الله خامنئي لايزال يصر على السباحة ضد التيار ولايزال يصر على تجاهل الرياح العاتية التي تعصف في أکثر من جانب بعباءته الخرقاء!