عند إختيار العبادي لتشكيل الحكومة العراقية بعد إنتخابات 2010 إستبشر العراقيون خيرا- وهو أفضل بالتأكيد من سابقه نوري المالكي- لكني كتبت حينها إنه لن يستطيع إحداث تغيير مهم في الواقع العراقي ولن يستطيع محاسبة الفاسدين لأن البيئة التي يعمل فيها لا زالت نفس البيئة وتخضع لنفس التأثيرات، المحلية والإقليمية والدولية، ولم يحدث ما يمكن أن يشي بتغيير في طبيعة هذه المؤثرات، أوتغيير أدواتها، فلا يمكن أن نتوقع من الرجل الكثير، وهذا ما حدث.

الآن وفيما يتعلق بإحتمال أن تسفر الإنتخابات عن تغييرات مهمة في الخارطة السياسية، فأقول إن كل العوامل التي كانت تحول دون إحداث التغيير قد تغيرت، فعلى الصعيد المحلي أسفرت الإحتجاجات الجماهيرية عن بلورة تيار مدني إجتماعي متنامي وكشف لعورة الأحزاب السياسية المشاركة في السلطة وفسادها وهذا إنجاز كبير ومهم، ومن الطبيعي أن يتمثل هذا التيار المدني سياسيا عبر الإنتخابات القادمة-هذا إذا إفترضنا عدم حدوث تزوير ممنهج فيها -، وكانت إحدى النتائج العرضية للإحتجاجات الشعبية إنكفاء الخطاب الطائفي وتراجعه يقابله تراجع في أدوار الدول المغذية له، وإعتمادها لغة المصالح المتبادلة مع العراق، وظهر هذا واضحا في تنامي علاقات العراق مع محيطه العربي وخاصة مع المملكة العربية السعودية التي وجدت إن مصالحها تكمن في رؤية عراق موحد وجديد يبادلها حاجته لتطوير علاقته معها على اساس المصالح المشتركة.

كانت عودة علاقات العراق مع محيطه العربي إرادة أمريكية، حثت أطرافه –العراق والدول العربية- على تطوير علاقاتهما الثنائية لمحاصرة النفوذ الإيراني في العراق، وقد نجحت الولايات المتحدة في هذا الجانب،لكن لازال النفوذ الإيراني كبيرا، ومن غير المنطقي تجاهله، وهو يرتكز بصورة اساسية على بعض شخوص العملية السياسية وأدواتها المعتمدة بعد 2003، وخاصة المالكي وأئتلافه وإئتلاف الفتح الذي يضم القوى السياسية التي كانت لديها قوى مسلحة ساهمت بمعارك تحرير المدن، وهي تسعى لإستحقاقات سياسية فرضها الأمر الواقع، وهي تملك بالإضافة الى ذلك تأثيرا على بعض القوى الحزبية "الكلاسيكية" في المناطق الغربية وكردستان العراق، ما يجعلها قادرة على تفويت الفرصة على إحتمال تشكيل حكومة من القوى الطامحة في إحداث تغيير جوهري في العراق. وتملك تلك القوى –المدنية تحديدا-عناصر قوة إفتقدتها قوى الأحزاب التقليدية والتي يقف خلفها أشخاص بعينهم، تملك تلك القوى رصيد مبني على حقيقة فشل القوى التقليدية وفسادها، ومبني على حقيقة قوة إرادة شعبية رافضة لوجودها جملة وتفصيلا، لكن هذه القوى لا زالت تفتقر الى الترويج عن نفسها وعن أهدافها، لأنها لا تملك أدوات الترويج التي يملكها غيرها من أحزاب الفساد، وعليها معالجة هذا الخلل قبل فوات الأوان.

من مصلحة العراق والمنطقة والعالم وصول قوى مدنية-غير طائفية- الى السلطة في العراق، والظروف المحلية والإقليمية والدولية –خلاف ماكانت عليه سابقا-مؤاتية لظهور هذه القوى إذا ما توافرت الجهود التي تريد خيرا للعراق من أجل إظهارها وفوزها بالإنتخابات.