إلى ما قبل يوم الاحد من الأسبوع الماضي (الحادي عشر من الشهر الحالي) كان منصب الرئاسة في الصين يعد منصبا فخريا الى حد بعيد طبقا للدستور الذي ينص على بقاء الرئيس في منصبه لولايتين فقط، مدة كل منهما خمس سنوات. لذا كان من المقرر ان يتنحى الرئيس الحالي (شي جين بينغ) في عام 2023م.

بعد سقوط ما أطلق عليهم "عصابة الأربعة" في شهر يوليو 1977م،واستعادة "دنغ شياو بينغ" مهندس سياسة الاصلاح والانفتاح لجميع مناصبه التي أقصي منها، عقدت في شهر ديسمبر من عام 1978م الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني التي مثلت البداية للإصلاح والانفتاح وبناء التحديثات الاشتراكية، حيث لعب "دنغ" الدور الحاسم في هذا التحول التاريخي، وهو صاحب فكرة "دولة واحدة ونظامان اقتصاديان" والتي على أساسها استعادت الصين كل من "هونغ كونج" و "ماكو". 

قبل الإصلاح والانفتاح، سيطر نظام المركزية المفرطة لقيادات الحزب والدولة على الإدارة السياسية في الصين. وقد تطور الخطاب السياسي للحزب الشيوعي الصيني بدءا من أواخر القرن الماضي، فصار يدعو إلى تطوير الديموقراطية في البلاد، تماشياً مع التطور الذي يشهده المجتمع الصيني في وعيه وفي المجال الاقتصادي. كما بُذلت جهود كبيرة لإصلاح نظام القيادة في الحزب والدولة في مؤتمرات عدة للحزب، فتم اعتماد نظام التقاعد وتقييد مدة الخدمة وإقرار نظام القيادة الجماعية للدولة والحزب.

ومنذ العام 1978م، بدأت الحكومة الصينية بتخفيف مركزية السلطة على الصعيد الاقتصادي، والتخفيف من أعباء القطاع العام على مالية الدولة المركزية. وتنامى هذا الاتجاه بشكل متدرج في السنوات اللاحقة، التي شهدت ازديادا في الاستثمارات الخارجية، وتنمية حصة القطاع الخاص والمشاريع المشتركة مع المؤسسات الاجنبية. 

وفي المؤتمر الوطني الخامس عشر للحزب الشيوعي الصيني سنة 1997م، أجريت تعديلات على هيكلية المكتب السياسي واللجنة الدائمة للمكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب، والتي تعتبر الأذرع الرئيسية للتخطيط السياسي في الصين. وفي المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني سنة 2002م تم تجديد القيادة، حيث انتقلت السلطة بسلاسة من جيل إلى جيل. كان ذلك إيذانا بانتهاء نظام أبدية السلطة والمركزية المفرطة لسلطة كبار قادة الحزب والدولة.

التعديلات التي أقرها البرلمان مؤخرا ليست مفاجئة، حيث بدأ الحديث عنها في فبراير الماضي، حينما اقترح الحزب الشيوعي إلغاء القيود المفروضة على فترة الرئاسة من دستور البلاد. وقد هاجم منتقدون على وسائل التواصل الاجتماعي في الصين هذه الخطوة وشبهوها بما يحدث في كوريا الشمالية،وأشاروا إلى تكرار عبادة الشخصية على غرار ما حدث في عهد "ماو تسي تونغ". وقد ردت الحكومة سريعا بشن حملة دعاية ومنعت بعض التعليقات ونشرت مقالات تشيد بالاقتراح.

وقبل ذلك الاقتراح البرلماني، تعززت قوة "شي جين بينغ" الذي يحظى بشعبية واسعة في الصين بعد حملة الفساد التي قادها والتي على إثرها عوقب أكثر من مليون من أعضاء الحزب، حيث صوت الحزب على تكريس اسمه وأيديولوجيته السياسية في دستور الحزب مما رفع مكانته إلى مستوى الزعيم الراحل "ماو تسي تونغ".

مما لا شك فيه ان هذا القرار يعيد الصين الى حكم الرجل الواحد على غرار حكم "ماو تسي تونغ" وهو خطوة الى الوراء، حيث كان الاعتقاد السائد ان الصين في طريقها الى الديمقراطية على غرار الدول الغربية ولو بخطوات بطيئة، ولن يكون تأثيره السلبي على الصين وحدها كما يعتقد البعض، بل سوف يحتذي به الكثير من حكام دول العالم الثالث والذي من ضمنه العالم العربي.

إدخال تعديلات على الدستور لتمكين الرئيس من البقاء في السلطة ليس بالشيء الجديد في دول العالم الثالث، فاغلب دساتير هذه الدول لا تحتوي على المواد التي تحدد فترة الرئيس او صلاحياته، وإن وجدت مثل هذه المواد يتم التحايل عليها بكل الطرق والوسائل.وفي عالمنا العربي لم نسمع حتى يومنا هذا ان رئيسا ترك السلطة لانتهاء فترة رئاسته، باستثناء الرئيس السوداني "عبد الرحمن سوار الذهب"، وتلك حالة شاذة لم تتكرر. العرف في عالمنا العربي ان الحاكم لا يغادر السلطة إلا الى القبر.