أثيرت في الآونة الأخيرة قَضية التَعاطُف الشَعبي العِراقي مع إسرائيل وأخذت هذهِ القضية حَيزآ وأبعادآ مُختلِفة من الدِراسة والتَحليل في بَعض وسائل الإعلام العراقية وحتى العربية , فالبَعض يَرى فيها مُجرد حَملات موسادية مُخابراتية نَشِطة ومنظمة على مَواقع التواصل الإجتماعي بأسماء عراقية وهمية, الهَدف الرئيسي منها هو تَحسين الصُورة السلبية المشوهة لإسرائيل في أذهان شرائح عراقية كبيرة ترتاد تلك المواقع ,ولإثبات إن بعض العرب يتعاطفون مع إسرائيل , والبعض الآخر يراه تعاطفآ حقيقيآ ناجمآ عن ردات فعل طبيعية من بَعض العِراقيين الغاضبين والناقمين عَلى العَمليات الإنتحارية التي إستهدفت مُدن عراقية شيعية في الغالب والتي قام بتنفيذ الكثير منها فلسطينيون وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء
وللتذكير فقط فإن العِراق لا يَزال مِن الناحية القانونية في حالة حَرب مَع إسرائيل , حَيثُ شارك بفاعلية في ثلاثة حُروب عَربية ضِد الدَولة العِبرية حَدثت في القرن المُنصرم وفي عقود مُختلفة أعوام 1948, 1967, 1973 , وزادَ عَليها كَعادة العِراقيين في المُبالغة حَربآ أخرى عِندما هاجمها صدام في حرب الخليج الثانية عام 1991 بأكثر من 39 صاروخآ بالستيآ ولم يَعقد العراق مع إسرائيل أية إتفاقيات سلام كما فعلت بعض الدول العربية كمصر والأردن أو حتى الفلسطينيين أنفسهم ( الذين ينسقون مع الإسرائيليين سرآ وعلانية حسب الظروف والمتغيرات ) , أو يفاوضها ويفتح معها قنوات إتصال سرية كما تفعل دول عربية أخرى وليس هناك مكاتب لإسرائيل في العراق تحت عناوين وهمية , وكان من المفروض بالنُخَب السياسية العراقية بَعد سُقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 أن تُبادر بالدعوة لإنهاء حالة الحَرب بين الطرفين والعمل على مد جسور للتواصل مع الجالية العراقية اليهودية التي تعيش في إسرائيل بعد أن زالت بعض مسببات التوتر التي كانت تعيق تطبيعآ ولو جزئيآ للعلاقات يحاكي على الأقل ما تقوم به غالبية الدول العربية الآن , فالسياسة لا تعرف العداء الدائم أو الصداقة الدائمة إنما هنالك دوام البحث عن المصالح ,فالبحث عَن المَصلحة سِواء جاء من طَرف افراد أو من طَرف أمم وجماعات لا يُعتبر مَمنوع أو مُعيب أو مُخالف لأخلاقيات العالم المُعاصِر, بل إنه مَنبع للعقلانية , فلا ينبغي التشكيك بمفهوم المصلحة الشرعية الذي هو الآن حاجة عراقية مُلحة بَعد عقود من التَدمير المُمَنهج نَتيجة مُحاولات إخفاء المصالح الفعلية تحت غِطاء من العُنجهية والشِعارات الجَوفاء الفارغة . 
إن العراق اليوم مطالب بالتخلص من تبعات الماضي وإزالة حالة الحَرب والعِداء مع إسرائيل مثلما فعل مع إيران بعد حرب مدمرة خاضها الطرفان أحرقت الأخضر واليابس , فالعلاقة مع أسرائيل تعني من الناحية السيتراتيجية الحد من سياسة المحاور والإستقطاب الشديد في هذه المنطقة الملتهبة وهي دَفعة جًديدة لعَملية السلام المتعثرة , والأهم من كُل هذا وذاك فإن العِلاقات المُتوازنة مع إسرائيل سَوف تُسقط عَنها ( اي عن إسرائيل) كُل الذَرائع للتَدخُل في الشؤون الداخلية العراقية ومحاولة إثارة النزعات القومية والطائفية في هذا البلد . 
حيدر مفتن الساعدي