انعقدت في "بغداد" يوم الاحد من الأسبوع المنصرم أعمال المؤتمر الوزاري للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد بمشاركة 18 دولةً عربية و25 منظمة مستقلة وفاعلة من المجتمع المدني، وممثِّلين عن الأمم المتحدة وخبراء دوليين. وقالت "هيئة النزاهة العراقية" في بيانها الصحافي: ان المشاركين في المؤتمر الذي يرأسه العراق تحت شعار "مكافحة الفساد في خدمة أمن الإنسان والمجتمع" سيناقشون مستجدات جهود تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في البلدان العربية، وأداءها من منظور المؤشرات الدولية وسبل الارتقاء بها.

وفي كلمته التي افتتح بها المؤتمر، اعترف رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" بصعوبة مكافحة الفساد في بلاده بالطرق التقليدية مؤكدا الحاجة إلى ثورة جذرية لإنهائه، ومشددا على أن معركة الفساد مصيرية ويجب النجاح فيها. كما حذر "العبادي" من ان عدم توزيع الثروة بشكل عادل هو فساد ولا يجوز ان يستأثر القلة بالثروة على حساب عامة الشعب، مؤكدا على الحاجة لثورة لحماية المال العام وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث لا يمكن محاربة الفساد بالطرق التقليدية داعيا لنظرة جذرية لمكافحة الفساد.

يعتبر العراق من أعلى الدول في معدلات الفساد المالي والاداري،وهو موجود بشكل ملحوظ في عدة مرافق إدارية في العراق، من ضمنها القضاء والوزارات الأمنية والخدمية، ويعتبر السياسيين الكبار في العراق من الأوائل الذين تحاصرهم تهم الفساد، ولذلك يعتبر العراق مع دول أخرى من اكثر الدول في العالم في معدلات الفساد.

يقول "رحيم العكيلي" رئيس هيئة النزاهة السابق، إن حجم الفساد في الحكومة العراقية يصل إلى أرقام فلكية، وهناك ملفات كبيرة لم يتم كشفها حتى الآن، لكن يكفي الحديث عن 1000 مليار دولار دخلت الدولة العراقية منذ عام 2003م حتى الآن، لم يستفد منها المواطن العراقي فأبسط الخدمات من كهرباء وصحة لا زالت متدهورة. وحسب تقرير سابق لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن الأموال المنهوبة في العراق خلال الـ 13 سنة الماضية بلغت حوالي312 مليار دولار.

يمثل الفساد إحدى القضايا التي تحتل إهتمام المواطنين في دول العالم عامة ودول العالم الثالث خاصة، وأحد أهم الموضوعات المطروحة على الساحة السياسية الدولية. وقد عرفت "إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003م" مفهوم الفساد من خلال الإشارة الى الحالات التي يترجم فيها الفساد الى ممارسات فعلية على أرض الواقع، وهي: الرشوة بجميع وجوهها في القطاعين العام والخاص، والإختلاس في القطاعين العام والخاص، والمتاجرة في النفوذ، وإساءة استغلال الوظيفة، والإثراء غير المشروع، وغسل العوائد الإجرامية، وإخفاء الممتلكات المتأتية من جرائم فساد، وإعاقة سير العدالة فيما يتعلق بهذه الجرائم، بالإضافة الى أفعال المشاركة والشروع بكل ما سبق.

وترتبط ظاهرة الفساد بشكل مباشر بنظام الحكم، فالبيئة المثلى للفساد هي الأنظمة غير الديمقراطية التي تفتقر إلى مقومات الحكم الرشيد من شفافية ومشاركة فعلية ومساءلة وسيادة الحكم القانون. ومن أبرز سمات أنظمة الحكم في معظم دول العالم الثالث (الذي من ضمنه عالمنا العربي) غياب المشاركة الشعبية في الحكم والهوة السحيقة بين الحاكم والمحكوم. والإنتفاضات الشعبية التي عمت العديد من الدول العربية في ما أطلق عليه الربيع العربي مطلع عام 2011م، قبل إختطافه وحرف مساره، كانت تعبيرا صادقا عن نقمة شعبية ورغبة صادقة في إحداث إصلاحات جوهرية في أنظمة الحكم القائمة وقتها. واللافت للنظر أن الشكوى من تجذر الفساد واتساع رقعته تصدرت مبررات تلك الإنتفاضات الشعبية، فالفساد عندما ينتشر ويتجذر يقوض سلطة الدولة ويضعف مؤسساتها ويفتح المجال للتمرد.

مؤشر "مدركات الفساد لعام 2017م" الصادر عن منظمة الشفافية الدولية اظهر ان هناك خمس دول عربية من ضمن الدول الاكثر فسادا في العالم، وهذه الدول هي الصومال وسوريا واليمن والسودان والعراق، كما اشارت المنظمة في تقريرها السنوي إلى أن الصومال احتلت المرتبة الأخيرة عالميا برقم 180 أي الاولى فسادا في العالم، ثم سوريا في المرتبة 178، واليمن والسودان في المرتبة 175، والعراق في المرتبة 169، فيما احتلت مصر المرتبة 117 والجزائر بالمرتبة 112 عالميا من بين 180 بلدا تناولها تقرير مؤشر الفساد في العالم الصادر في شهر فبراير الماضي.

الفساد مرض خطير ووباء قاتل يصيب الأوطان والبلدان، وينتشر بسرعة فائقة في جميع خلايا جسم المجتمع ومفاصله الحساسة.

بعض ما قيل في الفساد:

"فساد الحكام من فساد المحكومين" (سعد زغلول).

"الفساد يهبط من اعلى الى أدنى، والاصلاح يصعد من أدنى الى أعلى" (محمد عبده). 

"عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب" (نجيب محفوظ). 

"أهم عناصر قوة الأمة جودة تعليمها ونزاهة قضائها وحسن اختيار قادتها ومحاربة الفساد على كل مستوى" عبد الله السعدون.