الثقافة والإعلام كانتا القلعة الوحيدة التي صمدت أمام تغول خطاب أيدلوجي متطرف التقم المكان منذ عقود , وإن فقدت تلك القلعة الكثير من أبراجها وشرفاتها , حيث لا موسيقى أو مسرح أو سينما بل حرب استنزافية ظل قاطنيها في حالة مخاتلة و كر وفر ,بهدف الحفاظ على الحيز القليل المتبقي للأنشطة الإبداعية المتاحة. 

هذا عوضا عن إن سكانها تعرضوا لاستهداف مؤسساتي منظم فوق منابر التبديع والتفسيق والاستقواء بالسلطة , كانت حربا شرسة, تفتقد نبل المواجهة وفروسية النزال , لم تبق وسيلة لم توظف للنيل من الخصوم , فهو نزال قديم بجذور متأصلة في المكان , نزال بين العقل والنقل , بين كثبان الرمال الطامسة , وبين واحات الاستقرار المدني التي تبجل الحضارة ومغامرات الإبداع البشري , حيث يغدو الجمال قيمة مستقلة ومنشودة .

 لكن عموما الجدلية التاريخية لا تتقهقر , والمسيرة البشرية تظل في حالة تصعد وارتقاء , و لم تصمد قيود التطرف التي كانت تربط عجلات الزمن بعقال بعير .

الآن العقائد المؤدلجة تعاني انحسارا وضمورا , حتى باتت كثير من جماهيريها وحشودها أنفسهم, يقصقصون خطابها ويهذبونه حينا بل ويقومون بأنسنته أحيانا أخرى , ولم يعد يستحوذ على الفضاء الفكري ومنابر الكلام , لأنه ببساطة عندما أتيحت الفرصة للخطاب الآخر أن يصدع بالقول , تهاوى خطاب النقل والتطرف , كونه لا يمتلك بنية داخلية منطقية أو صيغة فكرية مكتملة ومقنعة لأجيال شابة , يستحوذ عليها هاجس الأسئلة.

التحدي الآن يبرز من خلال الفراغ الذي تلى تلك الحالة الانسحابية , فذلك الخواء يغري ثقافة استهلاكية عالمية بالحلول بل الاكتساح , ثقافة استعمارية قائمة على التمدد وخلق أسواق جديدة, بمحتوى مبتذل يستهدف الغرائز , وأطروحات تقوم على التفاهة والهشاشة , جوفاء مفرغة من قيم ظلت البشرية تحاولها منذ فجر التاريخ .

ومن هنا تظهر أهمية استقلال الثقافة بوزارتها , والتي تبرعمت على مفترق طرق بين زمانين , متزامنة مع إرهاصات مجتمع شاب 70% من مكونه يرقب الآفاق الجديدة , ويتأهب لحلم شاسع وممتد .

كانت الثقافة المحلية في السابق دائما على هامش الأجندات والاهتمامات وفتات الميزانيات ,تصنف كنوع من الترف , وجولة سريعة على مباني الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون في الرياض العاصمة سيلخص لنا كيف كان الفعل الثقافي طريدا محاصرا على ضفاف الوقت والاهتمام.

اليوم تبرعمت وزارة الثقافة على مفترق طرق , فماذا نرقب؟

 1-وزارة الثقافة ستقوم بدور كبير في المشروع الرامي إلى تأصيل الهوية الوطنية للمجتمع , في مواجهة خطاب أصولي أممي طوح بأبنائنا في مهالك الصراع من ناحية , وأيضا خطاب سوق نيوليبرالية نهمة متربصة تقوم على الاستهلاكية والتفاهة واستهداف الغرائز ,ومن هنا سيغدو دور الثقافة جزء من الأمن الوطني وصمام الأمان المستقبلي .

2-الممارسة الثقافية ستكون ترياقا لسموم لطالما تجرعها المجتمع وفتكت بمواهبه ومبدعيه , هي طاقة ضوء داخل كهوف أحادية الفكر , والتطرف , وغياب أرضية التعايش والتسامح.

3-الثقافة سيكون تحديها الأول هو تشريب المجتمع قيم الجميل والخالد , وتوفير حواضن تستطيع أن تستنبت المبدع والسامي وكل ما يرقى بالأخلاق ويهذب النزعات المتوحشة .

 

فهل ستكون وزارة الثقافة بوصلة المرحلة القادمة ؟