بداية عهدي مع المونديال كانت وأنا بعمر صغير، أذكر وقتها الحماس الذي رأيته عند زوج خالتي لحضور إحدى المباريات، ووقتها لم يكن في منزلنا أي اهتمام بكأس العالم، فمع أن والدي رياضياً ولكن لم يكن هاوياً لهذه اللعبة.

حماس زوج خالتي وأولادها كان لمنتخب البرازيل، ورحنا نتابع معهم المباراة ببراءة الأطفال وعشنا أجواء اللعبة كالمشجعين المخضرمين، من الصراخ عند تسجيل هدف للبرازيل والتوتر عند وشوك تسجيل هدف في شباكها! للمصادفة الجميلة ربحت البرازيل تلك المباراة فتحمسنا أكثر وتابعنا كل مباريات ذلك الموسم وكنا نهلّل في كل مرة ونحتفل مع المشجعين.. واكتملت فرحة الوافدين الجدد على المونديل بفوز البرازيل بكأس العالم، وهكذا كرّسنا أنفسنا مشجعين لفريق السامبا. للأمانة لم أتابع أي مباراة من مباريات الفرق الأخرى، الصدفة وضعتني في صف مشجعي البرازيل وكنت أجد نفسي أقرب إلى هؤلاء من مشجعي ألمانيا، والذين كانوا يتعاطون بفوقية واستهزاء مع المنتخبات الأخرى خصوصاً البرازيل وكان ذلك يستفزني ويزيدني حرصاً على التحيّز لمنتخب رونالدو وروبيرتو كارلوس في ذلك الوقت. ظللت في أجواء الحماس للمونديال حتى خسرت البرازيل أمام فرنسا، ووقتها، أنا التي ليست خبيرة بكرة القدم، لاحظت الخفّة التي كان يتعامل فيها لاعبي فريقي النجوم، وتأكد عندي ما كان يتم تداوله بأن البرازيل باعت كأس العالم إلى فريق الدولة المضيفة، فرنسا، مقابل تسديد ديون الدولة الفقيرة.. وقتها خاب أملي وقررت مقاطعة المونديال ولكني بقيت استفّز من تصرفات مشجعي ألمانيا!

هذه السنة ومن كثر الحماس حولي فككت حظري الذاتي على المونديال، وللمصادفة أول مباريات تابعتها كانت بين ألمانيا وكوريا الجنوبية! مع أني أعجبت ببراعة الفريق الآسيوي ولكني حزنت عندما رأيت الخيبة على وجوه منتخب ألمانيا، حتى أشفقت عليهم! عندها أيقنت أن مشكلتي ليست مع منتخب ألمانيا بل مع مشجعيه من حولي! ففي المونديال كما في السياسة كما في كل شيء نحن شعب يحكمنا التطرّف، التطرّف حتى العظم.. ملكيون أكثر من الملك! المضحك بالموضوع أن السياسي يعرف كيف يلعب على أوتار عواطف الناس ليحقّق غاياته ويرميهم من بعدها، أما اللاعبون فقد لا يكونوا يعرفون أصلا أننا موجودون على هذا الكوكب!!