تنفيذاً لوعد انتخابي كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعلان مبرره الرئيس لنيته سحب القوات الأميركية من سورية، والمتمثل في قوله:" «أنفقنا 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط. هل تعلمون ما الذي حصلنا عليه لقاء ذلك؟ لا شيء، سنخرج من هناك في وقت وشيك. وسنعود إلى بلدنا حيث ننتمي وحيث نريد أن نكون لخلق وظائف وبناء بنية تحتية ".
ولا تدعو أقوال الرئيس الأميركي للاستغراب أو إلى الشعور بوجود مغالاة أو مبالغة مقصودة في الرقم المذكور فقط. بل تطرح رزمة أسئلة حول دقة الرقم المذكور ومردوده السياسي-الاقتصادي؛ ونسبة الانفاق العسكري الأميركي في سورية من إجمالي الانفاق العسكري الأميركي، إذا علمنا أن الولايات المتحدة تنشر نحو 2000 جندي فقط في شرق سورية. 
بداية، لا بد من التذكير أن الولايات المتحدة الأميركية وحدها أنفقت في الحرب العالمية الثانية 334 مليار دولار. وفي الحرب الباردة التي شهدت عدة حروب منها الحرب الكورية والحرب الفيتنامية. تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أنفقت ما يوازي حاليًا 738 مليار دولار في حرب فيتنام، وأنفقت ما يوازي حاليا 341 مليار دولار في الحرب الكورية.
ورجح اقتصاديون أن تكون الحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان قد كلفت الولايات المتحدة وحدها 1.6 تريليون دولار. بينما قالت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية في العام 2008 إن كتابا بعنوان "حرب الثلاث تريليونات"، جوزيف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل، وليندا بيلميز، الاستاذة في جامعة هارفارد، ذكر أن التكلفة الإجمالية للحرب في العراق بلغت ثلاثة تريليونات دولار في العام 2007، وإذا أضيفت أفغانستان والتكاليف الأخرى إلى الاقتصاد فإن المبلغ سيصل إلى 4.95 تريليونات دولار.
وفي المقابل قال باحث اقتصادي بمركز جورج تاون للأعمال والسياسة العامة في واشنطن إن أرقام تكاليف الحرب العراقية لغاية عام 2015 قد تزيد قليلا على تريليون دولار بدلا من تلك التقديرات المبالغ فيها.
وكانت ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش، قد تكهنت في بداية حرب العراق، بأنها ستكلف 50 مليارا. وبعد انقضاء خمس سنوات قدرت وزارة الدفاع تكلفة الحرب بنحو 600 مليار دولار. وقال مكتب الميزانية في الكونغرس، ومحللون آخرون ان ما يتراوح بين تريليون وتريليوني دولار أكثر واقعية.
وكان الديمقراطيان باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، يقولان ان الأموال التي تنفق على الحرب، من الأفضل انفاقها في الداخل، وقدرت كلينتون تكاليف الحرب «تتجاوز التريليون دولار». وذلك يكفي لتوفير الرعاية الصحية لـ47 مليون اميركي ليس لديهم تأمين صحي وتعليم قبل مرحلة رياض الأطفال لكل طفل اميركي وحل مشكلة الإسكان بصورة نهائية، وجعل تكاليف التعليم الجامعي في مقدور كل طالب اميركي وتخفيف معدلات الضرائب لعشرات الملايين من الاسر المنتمية الى الطبقة الوسطى.
وحسب دراسة حملت عنوان "تكاليف مشروع الحرب" أعدها معهد واتسون للدراسات الدولية بجامعة براون الأميركية، شارك في إعدادها نحو ثلاثين أكاديميا وخبيرا، تزامن نشرها الدراسة مع الذكرى العاشرة لغزو العراق بلغت تكلفة الحرب الأميركية في العراق 1.7 تريليون دولار، إضافة إلى 490 مليار دولار تمثل مستحقات قدامى المحاربين، وهي نفقات قد تنمو إلى أكثر من ستة تريليونات دولار خلال العقود الأربعة المقبلة بعد حساب الفائدة،
واُعتبرت الدراسة بمثابة تحديث لتقرير أعده معهد واتسون عام 2011 قبل الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، ووضع تقديرات للخسائر المادية والبشرية للحروب التي تلت الهجمات في أفغانستان وباكستان والعراق.
وذكرت الدراسة التي اعدها المعهد عام 2011 أن إجمالي تكلفة الحروب تصل إلى 3.7 تريليون دولار على الأقل، وذلك بناء على النفقات الفعلية المعلنة من قبل وزارة الخزانة الأميركية بالإضافة للالتزامات المستقبلية المترتبة على الحروب مثل المستحقات الطبية وتعويضات المعاقين من قدامى المحاربين. وارتفع هذا التقدير إلى نحو أربعة تريليونات دولار في التقرير الأخير.
ويعتقد كثير من الأكاديميين والنقاد أن كثيراً من تكاليف حرب العراق (2003-2010)؛ تكاليف خفية لا تعكسها التقديرات الرسمية. وقد صدر أحد أحدث التقارير المهمة التي تناولت هذه التكاليف عن جامعة براون في صورة مشروع لتكاليف الحرب، وأشار إلى أن إجمالي تكلفة الحروب في كلٍ من العراق وأفغانستان وباكستان يبلغ 3.2-4 تريليونات دولار على الأقل. وقد كذَّب التقرير التقديرات السابقة لتكلفة الحرب على العراق التي تشير إلى أنها أقل من تريليون دولار، مشيرًا إلى أن حجم النفقات المباشرة لوزارة الدفاع على العراق بلغ 757.8 بليون دولار على الأقل، لكنه أوضح في الوقت نفسه التكاليف التكميلية داخل البلاد، مثل الفائدة التي تُدفَع على الأموال المقترضة لتمويل الحروب، والزيادة المحتملة في النفقات التي تبلغ نحو تريليون دولار والخاصة برعاية الجنود القدامى العائدين من القتال حتى عام 2050. ووصل هذا الرقم في تحديث للتقرير في عام 2013 إلى 6 تريليونات دولار.
وثمة مفارقة مفادها أن الرئيس ترامب يحاول تنفيذ وعوده الانتخابية بشكل متناقض أحياناً فقد سبق الاعلان عن نيته سحب القوات الأميركية من سورية تقليصاً للنفقات، وافق الكونغرس على طلب الرئيس ترامب عام 2018، زيادة كبيرة في ميزانية الجيش الأميركي التي اقتربت من 700 مليار دولار، ولذلك وصف المحلل الأميركي ويليام هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية الأميركي، مؤلف الكتاب الشهير «أنبياء الحرب» لوصف 2018 بأنه عام جيد لصناع السلاح. ويؤكد ذلك أن حجم إجمالي صفقات الأسلحة التي عقدت مع دول في الشرق الأوسط منذ بداية القرن الحالي حتى العام2018، مما لا شك فيه تتجاوز 7 تريليونات دولار. وفي الربع الأول من العام الحالي قُدرت قيمة مشتريات تلك الدول من السلاح الأميركي بنحو 250 مليار دولار.
ولعل بيت القصيد غي مسألة السبع تريليونات لا يكمن في اعادة اكتشاف قانون الكلفة والمردود. بل يكمن في القوانين والسياسات التي تتحكم بالاقتصاد الأميركي التي تنتجها صراعات المجمع الصناعي الحربي والمجمع الصناعي النفطي على نحو خاص وتنعكس بالضرورة على نوعية حياة المواطن الأميركي ودرجة جودتها.