أن الانتفاضة الجماهيرية هي شكل من أشكال النضال الشعبي ضد الفساد وجورالانظمة والحكومات المستبدة, بالضبط كما حصل في البصرة قبل ايام نتيجة فقدان المواطن العراقي الثقة في العملية السياسية والأحزاب السياسية بشتى تلاوينها والحكومات العراقية المتعاقبة والتي جرت العراق للويلات والحياة غير الكريمة منذ عام 2003 ولحد هذه اللحظة , نعم العراق الذي يطفوعلى أكبر خزين احتياطي من البترول ( الذهب الاسود )(1 )

لقد فجرت ازمة الكهرباء في البصرة انتفاضة 2010 و2013 و تموز 2015 والتي عرفت بانتفاضة الشهيد الشاب (منتظر علي غني الحلفي ) الذي استشهد في صيف 2015 اثناء مشاركته مع مجموعة من الشباب بمظاهرات سلمية في قضاء المدينة شمال البصرة, طالبوا فيها الحكومة المحلية والاتحادية بضرورة الاهتمام بهم وتوفير ابسط متطلبات الحياة كالماء والكهرباء ,وقد تصدت لهم حينها قوات تابعة للمحافظ بشراسة ,ونتج عن تلك المواجهة إستشهاد الشاب (الحلفي)واصابة اثنين اخرين من المتظاهرين بجروح ) وما تلتها لغاية آخر انتفاضة الآن في 8 تموز 2018 ، ما يؤشر عدم جدية الحكومات المتعاقبة في ايجاد حل لهذه المشكلات الاقتصادية والخدمية التي يعاني منها المواطن العراقي, اضافة الى البطالة والفقر الذي يمثل عائقا رئيسا أمام التنمية والتحضرو تفشي الأمراض وانتشارها في ظل الإهمال الحكومي ، مع إن حلها لا يتطلب غير الجدية في القرار والنزاهة والمهنية في الأداء الحكومي ...

لقد خرجت جماهير البصرة ( عاصمة العراق الاقتصادية )(2 ) في 8 تموز 2018 بصرخة مدوية و هم يطالبون بأبسط مقومات الحياة وبإيجاد فرص العمل و الخدمات , وبدل ان تؤدي الحكومة المحلية والاتحادية التزاماتها وواجباتها الوطنية والأخلاقية تجاه شعبنا المنكوب , قامت بردٍ قمعي مما أدى الى أستشهاد المواطن (سعد يعقوب المنصوري) الذي طالب( بماء وكهرباء وخدمات انسانية لاغير)، فقتلته القوات الامنية برصاصة حية, لتثبت الحكومة الفاسدة مرة اخرى انها حكومة فاشلة وفاسدة واوليغارشية بامتياز .

ومن الجدير بالذكر, ان منطقة (الباهلة والمدّينة )في البصرة ، هما من أكثر مناطق العراق تعرضاً للظلم والإجحاف ( قبل وبعد سقوط الصنم ) ، فما تزال هاتان المنطقتان الغنيتان بالنفط والثروات، بلا ماء صالح للشرب، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة والفقر فيهما . 

مالعمل ؟ : 

ان تجربة السنوات الماضية اثبتت لنا جميعا ان بيانات التنديد والاستنكار والوقفات الاحتجاجية لن توقف شراسة حيتان الفساد وجرائمهم بحق ابناء الشعب المغلوب على امرهم , فعلى سبيل المثال لا الحصر , ان جريمة قتل المتظاهر ( سعد يعقوب المنصوري في تظاهرة 8 تموز 2018 ) ليست الأولى في البصرة، إذ كان مقتل المتظاهر الشاب ( حيدر داود سلمان المالكي )في عام 2010 ، بداية شرارة المظاهرات في مدينة البصرة وثم جاء دور الشاب المغدور (منتظر علي غني الحلفي ) الذي استشهد في صيف 2015 اثناء مشاركته مع مجموعة من الشباب بمظاهرات سلمية في قضاء المدينة شمال البصرة . 

وعليه ان المقاومة هي الحل والانتفاضة الشعبية الحاسمة جزء منهالاسترداد كافة الحقوق المسلوبة , وهي اي الانتفاضة الشعبية هي الأمل الحقيقي لخلاص الشعب من حيتان الفساد وظلمهم ونهبهموجورهم وطغيانهم . 

 الحقوق تُؤخذ ولا تُعطى :

للاسف ان موقف (بعض) الشخصيات والاحزاب العراقية من انتفاضة البصرة هو موقف سلبي جدا ,على سبيل المثال : قال احد خبراء القانون قبل ايام ( اتحفظ في ذكر اسمه ) قال : ( ان ما يحدث في البصرة هو اعمال شغب وخرق للدستور, لان الدستور العراقي كفل المظاهرات السلمية فقط ) ,لقد تناسى هذا الخبير ( المدلل ) ان الدستور حرّم قتل الابرياء والسرقة ونهب اموال البلاد ايضا , نعم تناسى هذا الخبيران الدستور العراقي الحالي قائم على ثلاثة اسس هي (الديمقراطية والتعددية والفيدرالية) .., كما تناسى بان الدستور نص على حماية حقوق الانسان, ففي المواد 14-21 نص على حماية الحقوق المدنية والسياسية، وفي المادة 22-26 نص على حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما حرم الدستور استعمال الاراضي العراقية لتكون مقراً او ممراً او ساحة لنشاط الارهاب.....!!, فاين نحن يا سيدة الخبير المحترم من بنود الدستور العراقي ؟

نعم ..ان الانتفاضة هي هبة جماهيرية لا تعرف الالتزام والسلم والسكوت والهدوء والمماطلة والتراجع , فهي تختلف عن الوقفات الاحتجاجية الهادئة , الانتفاضة ميزتها الحركة والهجوم وليس العكس , فعلى سبيل المثال لاالحصر ان الانتفاضة الفلسطينية الأولى سمّيت بانتفاضة الحجارة لأن الحجارة كانت أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها المقاومون ضد عناصر الجيش الإسرائيلي، كما عُرف الصغار من رماة الحجارة بأطفال الحجارة , فعن اي سلمية تتحدثون ؟ الا تسمعون ان الجماهير المنتفضة تنادي لا للتعديل نعم للتغيير , نعم لبناء وطن يتسع للجميع ؟ الا ترون ان الشعب يموت جوعاًوعطشاً وحراً ومرضاً في بلد النفط والغاز ؟ الا ترون ان وتيرة الانتفاضة تتصاعد ومازالت الاحزاب منشغلة بتشكيل القائمة الكبرى للحصول على اكبرعدد من مقاعد البرلمان لجني الامتيازات والمكاسب الشخصية والحزبية ؟ 

ومن المضحك المبكي في آن , ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي توجه في نفس اليوم الذي اندلعت شرارة الانتفاضة في البصرة ,توجه سيادته الى العاصمة البلجيكية بروكسل لحضور اجتماعات التحالف الدولي ضد عصابات داعش الإرهابية ,وكأن لسان حاله يقول : (اذا لم يكن هناك خبزٌ لفقراء البصرة ... دعهم يأكلون كعكاً ) ...!! 

اخيرا اقول : 

ان الحكومة العراقية فقدت شرعيتها بسبب فسادها وفشلها الذريع في ادارة البلد ، والبرلمان فقد شرعيته بعد ان اصبح عدو للشعب وليس ممثل للشعب, وعليه من الضروري استمرار العمل النضاليالمقاوم و وتصعيد وتيرة الانتفاضة لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدماتية في البصرة بشكل خاص والعراق بشكل عام . 

اقول لجياع وعراة وحفاة وطني ... استمروا في انتفاضتكم المشروعة ضد حيتان الفساد , واعلموا جيدا ان(الحقوق تُؤخذ ولا تُعطى ). 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ يمتلك العراق ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية حيث يقدر مركز دراسات الطاقة العالمية في لندن أن العراق يمتلك 112.5 مليار برميل من النفط في باطن الأرض لم يتم استغلالها حيث تشكل 11 % من الاحتياطي العالمي، و تُقدر احتياطات الغاز الطبيعي في العراق بنحو 110 تريليونات قدم مكعب أي ما يعادل 2% من الاحتياطي العالمي.

2 ـ تعد مدينة البصرة رسمياً “عاصمة العراق الاقتصادية”، وفيها أكبر وأضخم الحقول النفطية في البلاد، فضلاً عن احتوائها على أهم خمسة موانئ تجارية نشطة ومنفذ حدودي بري مع إيران، وآخر مع الكويت.