قمة هلسنكي بين الرئيسين الأمريكي والروسي جذبت من التحيلات والتعليقات التى وصفتها بأنها " الأسوء أمريكيا " اكثر مما جذبت إليها بعض القمم التى جمعت بين زعماء واشنطن وموسكو خلال الثلاثون عاماً الأخيرة ، سواء علي المستوي الخارجي خاصة بين حلفاء أمريكا في اوربا أو الداخلي علي مستوي الحزبين الديموقراطي والجمهوري أو علي مستوي المؤسسات الأمنية التى لها دور هام ومعترف به فيما يتعلق بالتقارير و ادراسات التى تمهد لمثل هذه اللقاءات ..

سبق القمة الكثير من التصريحات والتعليقات التى أدلي بها الرئيس الأمريكي في كل من بروكسل ولندن ، من المؤكد أن مستشاروا الرئيس بوتون قاموا بتمحيصها وتحليلها واستخلاص ما بطن منها ، خاصة .. 

1 - ما يتعلق منها بـ " صعوبة التعامل مع دول أوربا " .. 

2 - شكوي واشنطن من تكاليف الاعباء المالية التى تتحملها ضمن بنود ميزانية حلف شمال الاطلنطي " دون مشاركة مادية كافية من الحلفاء الأربيون " .. 

3 - طريق التعامل التجاري مع موسكو " الذي أصبح هو الأسهل " مقارنة بصعوبة المتاجرة مع الأصدقاء " التي اضحت تزداد مع الأيام " .. 

4 - تصادم رؤية ترامب مع مؤسسات أمريكا الأمنية التى تصر علي أن هناك دور " خطير الذي لعبته موسكو " إبان حملة الانتخابات الرئاسية ( 2016 ) التى أتت به إلي البيت الأبيض .. 

إلي جانب ذلك ، هناك أجماع أوربي علي أن الترتيب لهذه القمة كما إقترحها الرئيس الأمريكي تمت علي الرغم من أن روسيا لم تقترح خطط وبرامج إيجابية للخروج بنتائج إيجابية للعديد من القضايا الأقليمية التى تورطت فيها وأدت إلي فرض عقوبات اقتصادية ضدها منذ عام 2004 .. 

لذلك كان من الصعب علي غالبية القادة السياسيون والحزبيون في أمريكا أن يقبلوا بما قاله رجل البيت الابيض في حق وكالات الإستخبارات في بلاده !! وبما وصف به الإدارت السابقة عليه بانها " السبب المباشر لضعف مستوي العلاقات الأمريكية الروسية في السنوات الأخيرة " .. 

علي الجانب الآخر ، يكرر ترامب منذ يناير 2017 أن الرئيس بووتن نفي بشدة تدخل بلاده في مسيرة الانتخابات الرئاسية ، ومن ثم لا يري – من وجهة نظره – مبرراً " لمواصلة " إتهامه والأجهزة الروسية المسئولة بهذه التهمة .. ويرفض بقوة ما جاء علي لسان دان كوتس مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في هذا الخصوص " .. و أضاف ضمن أحداث المؤتمر الصحفي عقب قمة هلسنكي " إذا اردنا بناء مستقبل مزدهر مع روسيا لا يمكننا التركيز علي الماضي !! يجب علينا ان نتفق سويا ، لأننا قوتين نوويتين كبيرتين " .. 

السؤال الذي يفرض نفسه هنا يقول .. 

هل ما نراه حولنا هو رؤية متعارضة ورافضة من جانب الرئيس الأمريكي لكل ما تتوصل إليه مؤسساته السياسية والأمنية ، تقابلها تجليات صادمة من جانب مستشاريه تتقاطع مع مبادئ أمريكا التى دأبت علي تنميتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ؟؟ وهل أصبح مفتاح إدارة علاقات البيت الأبيض في اللحظة الراهنة هو التباعد عن الحلفاء الذين تحملوا المسيرة طوال حوالي سبعون عاماً ، والإقتراب من الخصم اللدود – كما جاء في صحيفة ديل تلجراف صبيحة الثلاياء 17 الجاري –الذي يتساوي اقتصاده مع الإقتصاد الأسباني ؟؟ .. 

باختصار .. 

تري العديد من وسائل الاعلام الأوربية ان أفكار ترامب " متطرفة وسيئة " لأنها لأنها ساعدت بوتين علي ان يؤكد " نديته " في التعامل مع الكبار من دول أوربا الغربية .. ومن ناحية أخري منحت موسكو " صك شرعية المشاركة في تحرير الاتفاقات الدولية " حتى لو كانت علي حساب الدول الأوربية الحليف الإستراتيجي لأمريكا .. 

وأنها " خطيرة " من ناحية ثالثة .. لأنها توفر لموسكو ضمانة " صمت واشنطن " حيال كل ما تقوم به من عدوانية ضد الدول التى كانت يوماً جزءاً من الإتحاد السوفيتي السابق " التى يري بوتين انها تدين بالتبعية لروسيا الاتحادية .. 

الرئيس الأمريكي من وجهة نطرها جميعاً " لا يؤمن بالقيم " التي أرساها من سبقوه إلي البيت الأبيض .. وأنها وإن كانت تتوافق مع " مصلحة امريكا وما طرحه – هو - من تعهدات انتخابية " إلا أنها بحاجة إلي حلفاء تاريخيون لتطبيقها علي ارض الواقع / وليس " لإلي من يعمل في السر والعلن علي توسيع نفوذه دون مراعاة لظروف ومصالح الآخرين " .. 

باختصار ..

هناك شبه توافق بين المحللون العالميون علي ان الرئيس الأمريكي منح في ضوء ما توصلت إليه قمة هلسنكي " السرية " التى لم يحضرها أي من مستشاري الطرفين ، الحق في التواجد المتساوي علي مستوي الكتلة الأمريكية / الأوربية في كل ما يتعلق بكافة القضايا والملفات العالقة علي مستوي العالم .. هذا الحق الذي حصل عليه بوتين دون ان يبذل الجهد الكافي للفوز به .. سيمنحه فرصة عودة بلاده قريبا إلي مكانها ضمن مجموعة الثمانية .. وأن يفرض رؤيته حيال الحلول النهائية للعديد من قضايا الشرق الاوسط إن سلما وإن حربا .. 

باختصار .. 

لا تثق غالبية العواصم الأوربية في تعهدات بوتين .. لأنه بدأ - وفق تصريحات قادتها – في حساب " ما ستحظي به روسيا من مكاسب مادية ومعنوية ، وما سيعود عليها من منافع سياسية وإقتصادية وأمنية " في ضوء ما جري عليه الاتفاق مع ترامب ، واضعا ضمن حساباته عوامل الخلاف القائمة اليوم بينهاوبين واشنطن .. 

لذلك لم نستغرب أن نقرا في صحيفة الجارديان –الإربعاء 18 الجاري – مقال للمحلل السياسي سيمون تسيدال يقول فيه " علي الدولة الأمريكية أن تستكشف العوامل التى جعلت من ترامب اول رئيس مارق !! وان تضع يدها علي كيف إندفع لعقد قمة مع الرئيس الروسي دون تحضيرات مسبقة " .

[email protected]