لم أستطع يوماً أن أنسى تلك السيدة السورية التي قابلتها في زحلة قبل أربعة سنوات لتخبّر عن حالها بعد هروبها من سوريا إلى لبنان. 

كانت خائفة، تحاول أن تشيح بنظرها عني وكأنها تحاول أن تهرب من أسئلتي. في البداية، لم يكن سهلاً الحديث عن المأساة التي دفعتها إلى ترك منزلها والهرب، ولم يكن سهلاً أيضاً تطمينها من أن الكادر الذي اتخذناه لتصويرها سيحميها من أن يعرفها أحدوأننا سنغيّر صوتها، بقيت قلقة رغم تطمينات صديقتها التي قادتنا إليها. كيف هي سوريا؟ سألتها.. سوريا بتجنن قالتها بضحكة حزينة مع حمرة على وجنتيها... لم يكن سهلاً كسب ثقتها، خصوصاً مع حجم الرعب الذي كان واضحاً في نظرات عينيها وحركاتها المرتابة.. وأخذت تروي كيف أن "الارهابيين" أجبروها وعائلتها على ترك بلدتها ووطنها.. في البداية، كان مبهماً من هم الارهابيين الذين تتكلم عنهم ولكن ما لبث أن أتى الجواب "داعش" و"النصرة".. "ليسوا واعيين على ما يفعلوه.. لا أحد واعياً يفعل ما فعلوه".. قالت بغضب قبل أن تتحدث عن كمية المخدرات والحقن التي وجدتها في خزانة منزلها بعد أن عادت إلى بيتها، بيتها الذي احتلوه ومن ثم تركوه بعد أن سيطر الجيش السوري على البلدة. كان الخوف بادياً في عينيها وكلماتها، حرصت كثيراً أن تكرّر مراراً أنها مع النظام السوري، وكأنها تحاول أن ترفع عن نفسها تهمة ما، وكأنها تحفظ خط العودة، فهي قبل أي شيء أم وزوجة وأخت.. أم تخاف على أولادها الثلاثة وأخت فقدت أخاها وابن اختها الذي قُنّص ولم تستطع حضور دفنه.. زارها الموت فباتت تخافه، كيف لا وهي تحمل في عروقها دم بلد يشهد أفضع أشكال القتل والتعذيب.

أحداث السويداء الأخيرة أعادت إلى ذاكرتي تلك السيدة وكثر غيرها من السوريين الذين التقيتهم عقب الحرب السورية. بطبيعة الحال كان قسماً منهم موالٍ لنظام الأسد والآخر معارض، غالبيتهم كانوا متطرفين في موقفهم، الموال أو المعارض. ورغم موقفي الخاص من هذا النظام، ولكني احترمت وجهة نظرهم على أساس أنها مبنية على تجربة شخصية جداً. ما استوقفني، كي لا أقول استفزني، كيف كانت إحدى السيدات، وهي من المناطق الخاضعة للنظام، تدافع عن بشار الأسد معتبرة أنه رئيس صالح وأمّن لهم الكثير مما يحتاجه المواطن كالقروض الميسّرة على سبيل المثال.

كانت تلك السيدة تمدح الأسد وحانقة جداً ممن قاموا بالثورة، في الوقت الذي كانت حلب ودرعا تحت النار وتضيق الأطفال درعاً بالبراميل المتفجرة والتنكيل الذي يمارسه النظام بحق شعبه. 

لم أرد أن أدخل معها في جدال سياسي، اذ عرفت أنه سيكون جدالاً عقيماً، ولكن اليوم بعد المجازر التي تحصل في السويداء أعتقد جاءها أسوأ جواب عن لماذا قام السوريون بالثورة، فهي الآن باتت تعرف حقيقة هذا النظام!

أشارت الكثير من التقارير الإخبارية عن كيفية وصول "داعش" إلى السويداء، الخاضعة لأمرة النظام السوري، وأشارت أيضاً إلى الأسباب التي وضعتها تحت مرمى الإجرام بعد أن كانت محيّدة إلى حد كبير عن ما يحصل في باقي المناطق السورية. كما لفتت إلى موقف الجيش السوري المحايد مما يحصل، وكأن الأسد يقول لأبناء هذه المحافظة، أنظروا ماذا أستطيع أن أفعل بكم اذا خرجتم عن طوعي. 

كثر من المدافعين عن النظام السوري سيردون بأن ما يحصل يقوم به تنظيم داعش، نعم هذا صحيح ولكن ما هذه المصادفة بأن تعيش السويداء آمنة طوال فترة الحرب السورية، أي على مدى سبع سنوات، ولا يستعّر فيها الموت الا بعد أن رفض أهلها الرضوخ لما أمر به النظام!

ما هذه المصادفة أننا طوال الحرب السورية لم نسمع عن أي اشتباك بين مقاتلي "داعش" والنظام السوري!

قد يكون الجواب في ما قاله لي المخرج السوري فراس فياض مرة عندما سألته عن علاقة "داعش" بالنظام السوري، وهو الذي كان معتقلاً لدى كلا الجهتين؛ جوابه كان "داعش وليدة النظام"، وأعتقد أن أي متابع لتاريخ هذا النظام وأساليب التعذيب التي يعتمدها في المعتقلات تلتقي إلى حد كبير مع الإجرام الذي يتلذذ به "داعش"!