محمد شحاتة: كثير من الدهشة والحيرة ستصيب حتماً كل من ألقى quot;البصرquot; وراقب quot;بتأملquot; عالم مدونات إيلاف وتحديداً في فترة الأحداث الأخيرة والتي كانت تمور فيها أعاصير .. وتفور فيها براكين .. وتندلع فيها ثورات أشبه بثورات الشعوب في مراحل حياتها الفاصلة..

فمدونات إيلاف عبارة عن عالم تدويني مفتوح quot;مجاناً quot;لكل من رغب في إنشاء مدونة والثمن الوحيد المدفوع هو ملئ راغب التدوين لبعض البيانات سواء بصورة حقيقية أو وهمية ..

إنها بضع خطوات تفصل بين عزلته المدون وسجنه وبين العالم المفتوح بأسره .. يكتب في مدونته ما يريد.. فيقرأ له من يريد في أي بقعة من بقاع الأرض قاطبة ..

ولأنها مدونات باللغة العربية.. فهي تخص بالأساس المنتسبين للعالم العربي من الذين تجمعهم وحدة اللغة أياً كان موطنهم أو مكان إقامتهم.. لذا عمرت مدونات إيلاف بخليط من كافة أطياف العالم العربي فيما يشبه لوحة بكل ما في رسومها من تقاطع وتشابك وتعاكس وتلاحم وظلال ووهج انصهر جميعه في بوتقة اسمها مدونات إيلاف ..

انطلق المدونون يسيلون أفكارهم عبارات تجمعها مقالات في شتى مناحي الفكر المرصع بما حوته عقولهم ..وقلوبهم.. وضمائرهم من مبادئ ..وأعراف ..وعادات ..وتقاليد.. وعقائد.. وفلسفات حيث تقلبوا على صفحات المدونات ما بين مسلم ..ومسيحي ..ويهودي وعلماني .. وما بين شيعي.. وسني ..ومنغلق ..ومتحرر.. ومتشدد ..ووسطي ..وليبرالي.. و مثقف.. ومبتدئ.. وغير ذلك ..

وتكون من ذلك الخليط ما يشبه( دويلة) مختلفة الأعراق والمذاهب والتوجهات ..

دويلة إطارها العام واجهة المدونات العارضة للأفكار المتلاقحة ..والمتناقحة.. والمتناطحة ..والمتراكضة في سباق حماسي للوصول إلى عقول القراء الذين منهم الدءووب على المتابعة في صمت .. ومنهم الحريص على الإدلاء بدلوه بتعليق يكون مؤيداً أو معارضاً أو مبدياً ملاحظة ..أو محتجاً ..أو معجباً ..أو شاتماً .. أو شامتاً.. أو مادحاً هذا أو ذاك ..

كبرت إيلاف .. وضربت بركائزها.. ودقت بأوتادها أرض التفوق والعالمية ..

وكبر معها المدونون الذين أحسوا أنهم في بؤرة الاهتمام الذي أضفى على عاتق كل منهم مسئولية الكلمة التي يدونها والحرف الذي يكتبه والفكر الذي يؤمن به ..

شعر المدونون بتأثيرهم فيمن حولهم وبأثرهم وبآثارهم المنقوشة على لوحة إيلاف المرسومة بأنامل أفكارهم وبريشة خيالاتهم وبألوان حياتهم .. لذا ما إن استشعر المدونون أن هذه اللوحة تتعرض لما يخدشها ..أو يؤثر على ألق صورتها ..ونقاء رسومها حتى انتفضوا في احتجاج مدهش ..ومتواتر ..ومتصاعد لفت أنظارنا إلى قضية من (أخطر ) القضايا بل قضية القضايا في عالمنا ووطنا العربي من محيطه إلى خليجه..

فدولنا العربية جميعها وبلا استثناء ترزح شعوبها تحت قوانين تقوم عليها سلطات خانقة للحريات.. وخالقة للتدهور الشديد في حياة هذه الشعوب وفي معيشتها ..

قوانين وسلطات قتلت في الشعوب ثمة بادرة لممارسة حياتها الآدمية ..ومعتقداتها الدينية ..والفكرية ..والإنسانية ..

قوانين وسلطات لا هم ولا هدف لها سوى ترسيخ منطق القمع ..والاستبداد ..والحكم المطلق والذي نتج عنه وعنها ذلك الفساد ..والترهل ..والتحلل.. والتخلف ..والاضمحلال.. والتأخر عن ركب الحضارة وموكب العلم ..

علاوة على الفقر والأمية والأمراض المتفشية والسلوكيات الخطيرة التي أصابت الشعوب العربية بسبب هذا الاستبداد والحكم المطلق وانعدام الكفاءة والتفاوت الطبقي والاجتماعي وغيره وغيره..

لقد انطوت مدونات إيلاف على لفيف من مواطني شعوب العالم العربي جميعه باختلاف اللهجات والتوجهات والمذاهب والعقائد والأفكار .. وبالرغم من ذلك استطاع هؤلاء المدونون أن يمارسوا حق التعبير عن آرائهم وأفكارهم وأن يتوحدوا على هدف واحد ارتأوا وجوب التضامن والتضافر من أجله ..

مارسوا حق الاحتجاج والإضراب والامتناع عن التدوين بل والجهر بمخاطبة ومجابه السلطة ممثلة في إدارة المدونات ورفعوا إليها مطالبهم ..

فماذا كان موقف السلطة الحاكمة quot; إدارة المدوناتquot; ؟

نزلت السلطة إلى الشارع أقصد إلى ساحة المدونين ..

خاطبتهم.. وجادلتهم.. وحاورتهم.. وأبلغتهم أنها ترقب كافة آرائهم ومطالبهم وترد في مواطن الرد وتمسك في مواطن الإمساك .. أشعرت المدونين ndash; رغم سلطتها الغير محدودة- بقبولها للنقد وشكرت لهم نبل مقصدهم في الارتقاء ببيتهم وحماية مملكتهم وأخذت المبتدئين منهم بالرفق والتنبيه وخلصت على صياغة ترضي مواطنيها من المدونين والقراء مع الحرص على حماية المبتدئين وتوجيههم نظراً لحداثة خبرتهم ..

وانتصر الجميع ..

انتصر المدونون حينما استشعروا أن لأصواتهم وزناً وأن لآرائهم قيمة وأن لهم حقوقاً يمكنهم المطالبة بها جهرة وعلانية في غير خشية وأنهم يمكنهم بل يجب عليهم أن يمارسوا حق الحرية والتعبير والفكر دون أدنى خوف من حذف أو محو أو سحق أو اضطهاد.. وانتصرت إيلاف ممثلة في إدارتها حينما تعاملت مع رعاياها من المدونين بديمقراطية لم تتخللها ثمة نوازع الاستبداد أو التسلط أو الهيمنة أو البطش.. استجابت في المواطن التي كان المدونون على حق فيها.. وبسطت رعايتها على الأقلية باعتبارهم أصحاب حق أيضا في التعبير عن أنفسهم ولكن بما لا يخل بالنظام العام ..

بهذه الواقعة (شديدة الرمزية) وقوية الدلالة على أن الشعوب العربية يمكنها أن تفعل كما فعل أبناؤها المدون .. أن تعرب عن نفسها.. أن تطالب بحقوقها.. أن تحتج في مواطن الاحتجاج.. وأن ترفع عقيرتها مطالبة سلطاتها بالإصلاح .. كما أن بما مارسه المدونون في إيلاف.. فإنهم قد أثبتوا أن الشعوب العربية مهيأة تماماً للحكم الديمقراطي وليست كما روجوا عنها أنها شعوب لا تعيش إلا تحت القمع والبطش..

فها هم المدونون في إيلاف في نموذجاً يتعايشون على صفحات الواجهة وعبر مدوناتهم رغم اختلاف عقائدهم وتوجهاتهم وأفكارهم ومشاربهم وأفكارهم ..

لقد نزعت مدونات إيلاف ورقة التوت الأخيرة عن جميع الأنظمة والشعوب في عالمنا العربي.. وكشفتها.. .

فلماذا تتناحر طوائف الشعوب داخل دولهم؟ ..

ولماذا تتقاتل مذاهبهم داخل أوطانهم ؟..

ولماذا تتصارع عقائدهم داخل بلدانهم؟..

هل هو بطش السلطة ؟ أم هو غياب العقد الاجتماعي؟ أم هو فساد القوانين؟ أم هو تدخل القوى الخارجية؟

أم هو استسلام هذه الشعوب ويأسها من الإصلاح؟

أم هو غياب الطبقة المثقفة المستنيرة عن الاضطلاع بمسئولياتها نحو شعوبها ؟

أين الخلل؟ ..

وكيف نجحت دويلة المدونين بإيلاف فيما فشلت فيه دول الوطن العربي قاطبة؟

هذا هو السؤال .. فمن عنده الإجابة؟

مدونة محمد شحاتة