حين اخترع الألماني يوحنا جوتنبرج الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر وتحديدا عام ألف واربعمئة وخمسين، حدثت ثورة في عالم المعرفة، ووبساطة استطاع الرجل أن يضع الحروف بجوار بعضها البعض، ويرتبها لتكوين الكلمات والجمل والسطور والصفحات، ثم يضع الورق فوقها وبالضغط عليه تخرج الصحيفة المطبوعة. وخلال خمسين عاما من هذا الاختراع تمت طباعة أكثر من ستة ألاف عنوان، ولو قدر لجوتنبرح أن يشاهد التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصال، ويرى بأم عينه عالم الانترنيت لمسه شيء من الجنون.

ومثلما أحدثت الطباعة هذا التحول في عالم النشر، تقود إيلاف الآن قاطرة الصحافة الالكترونية في العالم العربي، كأول صحيفة الكترونية أنشئت في مثل هذا اليوم من عام ألفين وواحد، في وقت كان فيه العالم العربي على أعتاب الولوج بقوة إلى عالم الشبكة العنكبوتية، ولم يكن يدر بخلد كثيرين معرفة مستقبل هذه الجريدة في عالم الفضاء الالكتروني، خاصة وانه ليس لها طبعة ورقية قد تعززها، وليس أمامها تجارب مماثلة تكللت بالنجاح أو أصابها الإخفاق.

ومن على مقاهي لندن وبيروت والقاهرة وأمستردام والرباط وغيرها من عواصم ومدن العالم، تكونت شبكة من أكفأ الصحفيين، ارتبطوا بغرفة تحرير تابعة لإيلاف تستقبل آلاف الأخبار الفورية، والتحقيقات والمقالات والصور والأفلام عبر أجهزة الكمبيوترات المحمولة، وعرضها فور حدوثها بمهنية عالية. فضلا عن أن اجتماع التحرير اليومي يتم وأنت جالس في بيتك، أو عند صديقك، أو في المقهى. هذا ما يفعله صحفيو إيلاف مع اخذ كل تطور في الاعتبار. فكل يوم هناك جديد في عالم الصحافة وهدف كل وسيلة إعلامية الوصول إلى اكبر عدد من الناس، فنجد بعض وسائل الاتصال تغير في الشكل او المضمون وتأخذ رأي القراء في الاعتبار باعتبارهم الهدف فتحاول إرضاء كافة الأذواق وفي سبيل ذلك تستفيد من الوسائط المتعددة، التي تظهر بين حين وآخر.

إن المعايير المهنية التي تلتزم بها إيلاف على الرغم من حرية التنقل والنشر الفوري للخبر، وضعها على الطريق الصحيح لتتبوأ مكانة عالية بين المؤسسات الصحفية الكبيرة في العالم، وربما تتفوق على بعض هذه المؤسسات بعدم الخضوع لمقص الرقيب، فلم يحدث عن تجربة شخصية أن رفض لي مقال، أو تعرض لحذف بعض فقراته، فضلا عن الموقع يفتح المجال أمام القراء لإبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم بمنتهي الأمانة، وبمعايير مهنية، وقد فتحت المجال للصحف الورقية أن تنشأ لها مواقع على شبكة الانترنيت، مع تزايد عدد من يتابعون الصحف من خلال مواقعها على الشبكة العنكبوتية.

لقد بات موقع إيلاف مصدرا إخباري مهما لكثير من صحف وإذاعات العالم، ويخزن محرك البحث الشهير جوجل مئات الآلاف من المواد الصحفية المنشورة في الصحيفة الالكترونية لتحتل المرتبة الأولى في الأرشفة، تليها صحف شهيرة تصدر في لندن والقاهرة وبيروت، كما تنقل مئات المواقع الأخبار ومقالات الرأي وغيرها من الأشكال الصحفية وتنسبها لإيلاف التي باتت ظاهرة جديرة بالدراسة في عالم الصحافة الالكترونية.

وإذا كان بعض النقاد يأخذ على إيلاف جنوحها إلى الإسراف في عرض المواد الترفيهية عبر ما يسمى quot; نساء إيلاف quot; على شمال الصفحة الرئيسية ومن بينهم الكاتب الصحفي quot; محمود شمامquot; الذي أثار هذه النقطة في إحدى مداخلاته في منتدى الإعلام العربي الأخير في دبي، ووصف ذلك بالانتكاسة، والتراجع عن مفهوم الصحافة الجادة، فإن بعض قراء إيلاف ومن بينهم زملاء لي العمل أيضا ينتقدون الصور العارية، ويقولون أنها توفر على المراهقين البحث عنها في مواقع الجنس ويفضل هؤلاء أن تسلط الجريدة الأضواء بشكل اكبر على القضايا التي تمس المواطن العربي في حياته اليومية.

ومهما اختلفت الآراء فان إيلاف وهي تطفئ شمعتها التاسعة، أحدثت نقلة نوعية في عالم النشر الالكتروني، الذي ينمو بشكل هائل، ومطلوب منها أن تتفاعل أكثر مع القارئ، وتشاركه في صناعة الخبر عبر التعليقات أو استطلاعات الرأي التي تقيس ردود فعل القارئ على الإحداث في المنطقة العربية والعالم، وكذلك تقترب أكثر من المشاكل الحياتية للمواطن العربي المقهور حتى تستمر في استقطابه، ولا يذهب إلى وسيلة أخرى، واختم بما قاله الدكتور احمد زويل في كلمته أمام منتدى دبي الإعلامي من أن العصر المقبل سيحرص القارئ أو المشاهد أو المستمع على الانتقاء ولن يكون بإمكانه متابعة كل شيء، بل سيختار ما يلبي تطلعاته.

لقد ولى زمن متابعة ومشاهدة كل شيء، فقارئ إيلاف سيحرص فقط على قراءة إيلاف والمشاهد سيشاهد برنامج ما في ساعة معينة وهكذا ومن هذا المنطلق على إيلاف أن تقبل التحدي وكما فعلت وأطلقت إيلاف ديجيتال قبل نحو أربعة أعوام، وهي جريدة رقمية رائدة وتعتبر إضافة جديدة، فعليها أن تطور نفسها حتى تملك قلب وعقل القارئ، وفي النهاية أوجه التحية لإيلاف ومؤسسها الأستاذ عثمان العمير وكتابها وصحفييها، وكل عام وإيلاف في تألق لتظل متربعة على القمة في عالم النشر الالكتروني.

إعلامي مصري