لعل المصادفة وحدها كانت وراء بثّ أغنية quot;بياعة الزنبقquot; في يوم المرأة العالمي، لكنها لم تمنع السوريين من أن يتفاعلوا مع الأغنية كاحتفال سوري خاص بالمرأة، التي هي هنا بائعة زنبق تبيع باقاتها في ساحات دمشق وشوارعها، للقاتل، والقتيل في آن معًا، حسب تعبير الأغنية.


بيروت: تقول الأغنية quot;بياعة الزنبق، بساحة الميسات، باعت خمس باقات، وحدة إلي، ومني إلك، ووحدة لأرملة الشهيد، ووحدة لأم بتموت بالزنبق البلدي، وبتنوح يا ولدي، وآخر وحدة لقاتل، ناوي يخبي بوراقها جرح القتيلquot;.

الأغنية من ألحان إياد الريماوي وغنائه مع بسمة جبر. أما الكلمات فهي لعدنان العودة، الشاعر والكاتب الدرامي. والأغنية هي من أكثر الأعمال الغنائية احترافية، التي ظهرت بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا، وقد ظهرت في شريط أخرجه المخرج التلفزيوني المعروف سامر برقاوي، وانتشر على مواقع الانترنت.

يقول عدنان العودة لوكالة فرانس برس quot;إن حكاية الأغنية والفكرة، التي انطلقت منها القصيدة، ليست لها أية علاقة بما صارت إليهquot;.

الأشياء متأخرة
يوضح قائلًا: quot;في الأساس هي حكاية امرأة انفصلت عن زوجها. الزوج، الذي لم يكن رومانسيًا أو لطيفًا كما ينبغي مع زوجته خلال سنوات الزواج، بمجرد أن حدث الانفصال، بدأ محاولات حثيثة ويائسة لاستعادة زوجته، وراح في كل صباح يرسل لها إلى البيت باقة من الزنبق البلدي، الذي ندر وجوده، بسبب الحرب، ذلك أن معظم مشاتله في مناطق التوتر وخطوط التماس في دمشقquot;.

ويضيف الكاتب quot;غير أن ذلك لم يجد نفعًا، فقد كان جواب الزوجة لماذا لم يفعل ذلك من قبل.. دائمًا ما تأتي الأشياء متأخرة...quot;.

يعلق العودة quot;كنت أبتسم وأتذكر الأنظمة العربية من تونس إلى سوريا، واستجابتها المتأخرة لرغبة شعوبها، ومن هنا بدأت فكرة القصيدة، وأخذت طريقًا آخر لتكون بياعة الزنبق، التي هي الشام (دمشق)، بالمعنى الضيق، وسوريا بمعناها الواسعquot;.

الكل خاسر
لدى سؤاله إن كانت الأغنية تنتصر لأي من الأطراف السورية، يقول quot;أردت، حتى في تصوير الكليب لها، أن تكون أغنية إنسانية سورية، تلامس وجع السوريين جميعًا، خصوصًا أنني على قناعة، وعلى المستوى الإنساني أنه في الحروب التي تأخذ طابعًا أهليًا داخليًا، الكل خاسر، فالقاتل سوري، والمقتول سوريquot;.

يوضح العودة: quot;هنالك معارضون وموالون ومحايدون حتى في العائلة السورية الواحدة، ما يجعل الأمر معقدًا في رسالة الفن. لذا، كنت أسعى إلى أن أصنع مع إياد وبسمة وسامر (فريق العمل) أغنية تلامس أوجاع السوريين جميعًا، وتكون فسحة، ولو ضيقة، لاستراحة محارب، أتمنى لو أنها تطول، وفسحة للتأمل في الحال التي وصلنا إليهاquot;.

عن تجارب سابقة في الكتابة للأغاني، يقول العودة: quot;مع أنني لست شاعرًا غنائيًا، أي لا أكتب كلمات بقصد الغناء، إلا أنني أكتب قصائد باللهجة المحكية، وهذه بطبيعة الحال تكون عادة مادة للموسيقىquot;.

ويضيف quot;سبق أن غنت لي فرقة quot;كلنا سواquot; قصيدتين هما quot;قدسياquot;، وquot;شباكك مطفيquot; من ألحان إياد الريماوي. كما غنت لي quot;فرقة جينquot; قصيدة quot;هنا الشامquot;، ولحّن لي كل من الموسيقيين طاهر مامللي وطارق الناصر ورضوان نصريquot;.

منسيون في الحرب
وحول ما إذا كان تعرّض لمضايقات من النظام، بسبب مواقفه من الأوضاع في بلاده، يقول العودة: quot;مثل العديد من الكتّاب والمثقفين تعرّضت للاعتقال مع بداية التظاهرات، لأنني شاركت في العديد منها. ولكن في ما تلا، وحين أخذ المشهد السوري طابع الصراع المسلح، تم تحييدنا جانبًا، ولم يلتفت إلينا أحدquot;.

يضيف quot;أصبحنا كتّابًا على فايسبوك دونما فاعلية، شهودًا على معركة يبدو أنها لن تنتهي قريبًا. حرب سجال لا يبدو أنها ستسقط نظامًا، أو تنصر ثورة، وهذا أسوأ ما في الأمرquot;.

ويختم العودة quot;مع أني أدرك أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، وأن العقد الاجتماعي القديم في سوريا أكل عليه الدهر، وأن التغيير قادم لا محالة، غير أنني أرى أن العقد الجديد لم ينضج بعد، أو لم تظهر ملامحه بما يكفي. وهنا لا أخفي أنني قلق جدًا، وخائف حتى. لذا ما أريده الآن فقط هو أن تقف هذه الحرب، أن يقف سيل دماء السوريين ونزوحهم، وبعدها كل شيء يهونquot;.