&
تشير كل الدلائل إلى أن هذه القضية ستبقى دون حل واضح فيما تتعاظم التساؤلات وتتضخم: هل ما يعرض اليوم في أفضل غاليريهات العالم فن عظيم أم مجرد نتاجات تافهة بلا هوية؟&
يتحدث الكثيرون عن توجه واضح في سوق الفن العالمي المعاصر نحو السوقية والابتذال. ومن الأمثلة: جوانا فاسكونسيلوس Joana Vasconcelos وهي برتغالية فرنسية، تعرض أعمالا ملونة وغير ملونة باستخدام حياكة السنارة التقليدية ومواد بلاستيكية، وقد صنعت ثريا من حفاضات نسائية (متاحف عديدة رفضت السماح بعرض هذا العمل). الفنان البريطاني من أصل هندي آنيش كابور Anish Kapoor شوه حدائق قصر فرساي عندما عرض عملا يمثل مهبلا ضخما. ثم الأميركي جيف كونز Jeff Koons الذي يستخدم البلاستيك وبالونات ضخمة ملونة ويصنع منها أغراضا تستخدم يوميا ثم يسمي ذلك فنا … وهناك مئات غير هؤلاء. &ففي أحد الأيام عرض أحدهم لوحة بيضاء على جدار أبيض وراح الجمهور يشتري تذاكر لرؤيتها، أو ذاك الذي رسم لوحة زرقاء كاملة وعرضها بالطريقة نفسها.&
كل هذه الأعمال والحرية الكاملة التي يستخدمها من يسمون أنفسهم فنانين في إنتاج أعمال تتلقفها المعارض في أماكن مهمة من العالم مثل قصر فرساي، أصبحت تثير نوعا من السخط والغضب.&
يتحدث البعض عن فن يعكس انحطاط المجتمع حيث يستطيع أي فنان مزيف وغير حقيقي أن يتاجر بأعماله وأن يبيعها بملايين الدولارات أحيانا. ومن هنا ينشأ إحساس عميق بأن القضية تجارية بحتة تتغلب فيها تقنيات التسويق على فن العبقرية والقدرات الحقيقية. &
ومع ذلك، ليس كل فن معاصر سيئ حتى لو كتب بيكاسو في عام 1952 لصديقه جيوفاني بابيني يقول: "أنا مجرد بهلوان فهم زمانه واستغل غباء معاصريه وغرورهم وجشعهم أفضل استغلال (...) قد أرضيت الفنانين والنقاد بكل الأشياء الغريبة والمتغيرة وغير المألوفة التي تمر بذهني. وكلما قل فهمهم زاد إعجابهم بي". ولكن بيكاسو فنان أصيل وعظيم وناطق مهم باسم الفن والجمال في القرن العشرين .. أما الآخرون؟
في هذا الزمان هناك مضاربون مرعبون أدركوا أيديولوجية العصر الحالي والعوامل التي تحركه وهم يستفيدون من نظام لا معالم واضحة له يفضل التفاهات والتطرف ويبتعد عن أهداف الفن الأساسية والروحية السابقة التي كانت تحول الواقع إلى عالم يمكن احتماله. &

فضلات
في عام 2001 قام عامل تنظيف يعمل في غاليري فني بتنظيف إحدى القاعات التي شاهد فيها مخلفات حفلة يبدو أنها نظمت في الليلة السابقة فجمع كميات كبيرة من علب سجائر فارغة وأطعمة ومشروبات وقناني فارغة مرمية هنا وهناك، دون أن يدرك أن ما جمعه كان عملا فنيا من إنتاج داميان هيرست Damien Hirst. وعندما انتبه الغاليري إلى ما حدث سارع إلى استرجاع القمامة ثم أعاد تركيب المشهد اعتمادا على صور التقطت في وقت سابق. وبعد هذا الحادث قال شارلز تومسون أحد مؤسسي حركة ستاكزم الفنية: "من المفترض ترقية عامل التنظيف هذا ليصبح ناقدا فنيا في إحدى الصحف الوطنية، فمن الواضح أنه يتمتع بعين ناقدة بإمكانها رصد الأزبال، تماما كما رأى طفلٌ الامبراطور على حقيقته، عاريا وبدون ملابس جديدة". (تأسست حركة ستاكزم Stuckism عام 1999 بمبادرة من بيلي تشايلدش وشارلز تومسون وهي حركة تؤمن بالفن التشخيصي بدلا من الفن التصوري. وفي تموز/يوليو 2012 توسعت الحركة التي ضمت في البداية 13 فنانا بريطانيا لتشمل 233 مجموعة تتوزع في 52 بلدا).&
&
الجمهور
والآن، ماذا عن الجمهور والمشاهد؟ يقول الناقد الفني الفرنسي كلود بيكار "المتلقي الذي يزور معرضا للتمتع بأعمال يطلق عليها اسم فن معاصر، غالبا ما يشاهد أشكالا قبيحة جدا ولكنه لا يستطيع التعبير عن رأيه لأن هذه الأشكال تعرض داخل متحف ولأنه لا يريد أن يبدو غبيا. أما إن سُئل فيكتفي بالقول إنه ليس خبيرا بالفن ولا يفهمه تماما. ولكن الواقع هو أن ما يراه الزائر قبيحا وتافها وسخيفا فلأنه كذلك بالفعل ولأنه ليس فنا على الإطلاق" ويضيف "عندما نشاهد موناليزا نعرف أنها صورة امرأة جميلة. وعندما نشاهد ليلة النجوم لفان كوخ نعرف أنها ليلة فيها نجوم كما تبدو من قرية صغيرة، وعندما نشاهد تمثال الشفقة Pieta نعرف أنها منحوتة تظهر فيها امرأة وهي تحتضن رجلا ميتا على الأرجح. يعني هذا أن الرائي يفهم ما يرى ولا يحتاج إلى التفكير فيه ولوم نفسه لأنه لا يفهمه. وما يراه يثير مشاعر داخله قد تدفعه إلى محاولة معرفة القصة التي تقف وراء العمل وربما إلى معرفة الكيفية التي أنجز بها والتقنية التي استخدمت أيضا ... إلخ... وهذا فن".&
ويؤكد الناقد أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تفسير لأنه مفهوم للجميع وببساطة ولكن الأعمال القبيحة التي لا تعبر عن معنى واضح هي التي تحتاج إلى تفسير، ويقول "الحقيقة هي أن الفن المعاصر يثبت أنه فن تافه وأن المتاحف التي تعرضه إما أنها غبية أو أن لديها أسبابا ودوافع خاصة تجعلها تعرض مثل هذه الأعمال".

مال
ويقول مؤرخ الفن بين ستريت المحاضر في الغاليري الوطني والأكاديمية الملكية في غاليري وايتشابل في لندن وفي مؤسسة تيت "عالم الفن ملئ بالاستعراض وليس بالفن. هناك لغة كاملة تحيط بالفن من الصعب جدا فهمها. ولكن بإمكانك حل الشفرة عندما يتكرر استخدام عدد قليل جدا من الكلمات والجمل من النوع الذي يعطي انطباعا بأن مستخدمها شخص ذكي. وإذا أردت أن تبدو ذكيا، عليك باستخدامها".
&ويقول جون كلير الذي كان أمينا سابقا لمدة عشر سنوات لمتحف الفن الوطني الحديث ومديرا لمتحف بيكاسو في باريس ومسؤولا عن بينال فينيسيا للفن المعاصر في عام 1995: "الفن المعاصر مصدر مهم لكسب المال وهدفه هو عرض كل شئ وأي شئ باسم النفس العصري والريادة" ثم تحدث عن أعمال تسمى فنية أصبحت تباع ويروج لها حتى تحولت إلى "علامة تجارية" تقريبا وهي تعكس بالنتيجة حالة انعدام الذوق السائدة حاليا من نيويورك إلى موسكو ومن فينيسيا إلى بكين، حسب قوله.&
ويضيف كلير متحدثا عن موقف منتجي هذا النوع من الأعمال الفنية "عادة ما يكون هؤلاء شديدي التحسس إذا ما تعرضوا إلى انتقاد أو تشكيك أو واجهوا نوعا من التحفظ. وغالبا ما يسارعون إلى وضع الطرف الآخر في خانة الرجعية والتخلف ومعاداة البشرية. الفنان المعاصر يرفض أي نوع من السلطة ويبدو مثل طفل يفرض رغباته … طفل يسمح له بفعل أي شئ وتغفر له كل أخطائه، ما يعني أن في إمكانه عرض خراء على أنه عمل فني معاصر".&
ويلاحظ الخبير أن هذا النوع من "الفنانين" يحصلون على دعم كامل من السلطة الرابعة ومن رجال أعمال يصنعون منهم آلات تدر أرباحا بالملايين. ويضيف "هناك سلطة مالية متعولمة تتكون من اثنين أو ثلاثة غاليراهات في باريس ونيويورك، ومن مزادين أو ثلاثة ومن مؤسستين عامتين أو ثلاث وكلها تحدد أي الأعمال الفنية هي التي تنتشر وكيف وتحت أي مسمى وتفرض نوعا من الإنتاج شبه الصناعي، وفقا لاختياراتها هي، على مجموعة صغيرة تضم ما بين أربعة إلى خمسة فنانين في العالم". وبالطبع، هؤلاء هم الذين يقودون الحركات الفنية في عالمنا وعصرنا الحاليين.&