&
لماذا أمينة غتامي ؟
من أجل تسليط الضوء على الشاعرة المغربية أمينة غتامي التي برز اسمها في السنوات الأخيرة كواحدة من شاعراتنا التي أثبتت حضورا مميزا من خلال تقديمها نصوصا حملت روحا مدافعة عصرية عن المرأة وهي تعيش همومها الإجتماعية والعاطفية ، وسعيها في العيش بجانب الرجل زوجة ، محبة ، عاشقة ، عاملة ، وأحد من يحمل تطلعا نحو بناء مستقبل واعد لمجتمعها من خلال حروفها سواء أكانت من جنس الشعر أو القصة القصيرة جدا التي برعت بها في تكثيفها للحدث وتقديمه كحكمة بالغة المعنى .
نلتقيها هنا لنتعرف على سيرتها الذاتية ولنوجه لها 10 اسئلة قد تدور في خلد المتلقي هي أشبه بالكوكتيل سوف نحس بطعمها المختلف باختلاف أغراضها :
سيرتها :
ولدت في مدينة فاس المغربية في آواخر خمسينيات القرن الماضي ، تقيم حاليا في الدار البيضاء .
دراستها الجامعية تخصص أدب عربي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله ، حصلت على دبلوم تخصص في اللغة العربية من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع فاس وهي حاليا أستاذة لغة عربية بالثانوي الإعدادي بوزارة التربية والتعليم ، لديها تكوين في الإدارة التربوية والاشتغال حارسة عامة للخارجية بالثانوي .
تكتب القصيدة النثرية الحديثة والهايكو والقصة والقصة القصيرة جدا .
صدر لها عن دار الوطن ديوان شعر تحت عنوان " تغاريد الروح " طبعة 2014 .
شاركت في ديوانين ورقيين جماعيين بسوريا تحت عنوان " حديث الياسمين " 1 و 2 وديوان ورقي جماعي آخر صدر بالعراق تحت عنوان " بوح أدرد " ، ولها أعمال أدبية منشورة في الصحف الورقية والمجلات الإلكترونية وعلى صفحات الفيسبوك .
لها إصداران جديدان قيد التنقيح هما : " هذا الصمت المشتعل " و " كأني انت " .
&
&شعرها :
تتميز الشاعرة العربية المغربية أمينة غتامي بوضوح نصوصها والتكنيك اللغوي باستخدامها المفردة المفرطة بالجمال البعيدة عن الترهل القريبة من الابتكار ، فهي لها موهبتها المتفردة في تأثيث بيتها الشعري وتزيينه بالفكرة والصورة والتكثيف والانزياح ، لكن برأيي أهم ما يميزها في اشتغالاتها الشعرية هو " الاستنباط " الذي تعتمده كدائرة مركزية في توزيع أدوارها المستمدة من الحياة المعاشة وهي بذلك توفر ذخيرة كبيرة من الأدوات لاستخدامها ضمن المنظومة العامة للقصيدة ، نقرأ واحدة من قصائدها الجديدة :
لِلْمجهولِ فِراسَة ...
عيناكَ تَذكِرةٌ نحوَ مجهولٍ
يُبحِرُ في ضَباب
تَقولُ: لستُ هناكَ ..
أَقولُ : على أطْلسِ الذَّاكِرةِ
فِرَاسَةٌ تُعيدُ كِتابَةَ ما مَحاهُ اللَّيلُ ..
لستَ أنا ...إنْ لمْ تَكُنْ مُضَرَّجاً بِالشَّوقِ ..
لستُ أنتَ...إنْ لمْ أكنْ أَعَي ما تَكتُمُهُ النُّبوءاتُ ..
اَلبحرُ يفتحُ أبْوابَهُ ..
لِتَنْسَحِبَ المَسافاتُ داخِلَ إطارِ النَّوافِذِ ..
خَشبُ المِدْفأةِ يُطَقْطِقُ بينَ أحْضانِ اللَّهبِ ..
يَشْدو عِشْقَ الأشْجَارِ العَارِيَةِ ...
يُكَحِّلُ عُيونَ المساءِ بالصَّمْتِ والسَّوادِ ..
أقولُ: للحُبِّ قلبٌ واحِدٌ ..
يَكْفي أنْ تَحْتَرِفَ تَضَاريسَهُ
لِتكْتمِلَ القَصيدةُ ...
وهذه ومضة شعرية آثرنا اختيارها كي يتعرف القارئ كيف تسنى للشاعرة استنباط &لغة وصورة القصيدة باستلهام المرأة لها كواحدة من صناع الحياة واختزال كل تلك الروح الشفيفة لها بهذه الكلمات القليلة &:
على رخام الصباح
تمشي حافية
امرأة من ماء ..
تعطلت مراوح الموج
في انتظار المد ..
&
&الشاعر ليس ببعيد عن قضايا أمته ، فهل استخدمت خيالك الشعري بتناول تلك القضايا ؟
- الشاعر ليس ببعيد عن قضايا أمته لأنه مدعو إلى محاورة الواقع ومساءلته ومحاورة الذات ومساءلتها سواء كانت ذاتا فردية أو جماعية ، وهو في نفس الوقت إحساس بالحياة ومحاولة لإعادة تشكيل هذا الإحساس في لغة قادرة على الإجابة عن اسئلتها المحورية ، إنه هذا القلق الخصب الخلاق الذي يدفع الشاعر إلى أن يكون فنانا كبيرا يوظف شعره في التعبير عن قضايا عصره بوعي واقعي لا يخلو من سمات إبداعية تتضافر فيها قوة الإحساس وقوة العقل ، ومن ثم لا يمكن استثناء الخيال الشعري من أي عمل إبداعي يخدم قضية الأمة وخاصة في اللغة الشعرية الحديثة كما يقول أدونيس : إن لغة الشعر تجاوز للظواهر ومواجهة للحقيقة الباطنة في شيء ما أو في العالم كله ، فإن على اللغة أن تحيد عن معناها العادي ، إن لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين أن اللغة العادية هي لغة الإفصاح .
&
&– ما الذي شكلَّ تجربتك الشعرية منذ بداياتك الأولى ؟
&
- بحكم تكويني الأدبي اطلعت على مدارس الشعر العربي القديم كالشعر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي وكل المدارس الأدبية الحديثة شعرا ورواية ونقدا ، بالإضافة إلى ولعي بالقراءة لكبار الشعراء والروائيين في القرن 18 و 19 و 20 في أوربا وخاصة الأدب الفرنسي الذي كان مقررا في مناهجنا التعليمية ، من هنا كانت نشأة هذا العشق الكبير بيني وبين الشعر والأدب ، فكانت بدايتي الأولى وأنا طالبة في الثانوي ، أكتب وانشر بين زميلاتي بخجل شديد إلى أن وقعت كراستي بين يدي أستاذ اللغة العربية السوري الذي أدين له بوضعي على المسار الصحيح لشعر التفعيلة أو ما اصطلح عليه بالشعر الحر ، ثم تتسع التجربة أيام الجامعة بسبب تشبعي بالفكر القومي العربي والماركسي الذي كان يعصف في أرجاء الجامعات آنذاك .

&– أي من معاصريك من الشعراء والشاعرات يمكن قراءتهم لعقود قادمة منذ الآن ؟
- من معاصري ، لا أخص شاعرا أو شاعرة يمكن القراءة لهم لعقود قادمة ، لما شهدته هذه المرحلة من ثورات غيرت أنماط الفكر إذ تميزت الكتابات بالغزارة والتنوع والنضج الثقافي والحضور الواعي في المشهد اليومي والصراع الجوهري من أجل الإنسان ، وهذا ما جعل الأدب يتطلع إلى توسيع حدوده وكسر القيود التي كانت تعوق انطلاقه ، لكنني لا أخفي انبهاري بثلة من الأدباء والشعراء الذين تركوا بصماتهم في كتاباتي كنازك الملائكة والسياب والبياتي وأمل دنقل وسعدي يوسف وصلاح عبد الصبور ، دون نسيان عمالقة الشعر والنثر من مدرسة البعث والتجديد والرابطة القلمية وأدباء المهجر في أمريكا الجنوبية ، أرى أنهم أدباء وشعراء خالدون يمكن قراءتهم لعقود قادمة دون أن تنطفئ شعلتهم .
&
– هل هناك مبالغة في كتابة الشعر الآن ؟ وبماذا تنصحين بخصوص ذلك .
- المبالغة هي ملح الشعر عموما ، والتحليق الخيالي هي اللمسة السحرية التي تحكم على شعرية النص ، ذاك التحليق الذي يطاول عنان السماء فيراه المتلقي إبداعا جميلا كونه ينبع من الذات الشاعرة لتتلقاه مشاعر المتلقي وأحاسيسه ، لكن دون أن يخرج بالنص إلى منزلقات تمس القيم الإنسانية والدينية والخلقية ، فليست كل مبالغة بلاغية ورقيا بالمنتج الأدبي ، أنا مع مبالغة تخلق المتعة والتشويق والتحليق في صورة افتراضية تعرض مشهدا مختلفا لا يتوقعه المتلقي ويحقق لديه الدهشة والإشباع الروحي والوجداني ويتوافق عنده مع ذاك الممكن من المستحيل .
&
&– في أي جو تكتبين ، وهل هناك مكان مميز في بيتك يجذبك إليها ؟
- للكتابة عندي طقوس مقدسة ، هي حالة وجدانية تنتابني لأخرج من جسدي وأعيش مع ذاتي الشاعرة في أرقى لحظات الحلول والتوحد ، فأنا لا أستطيع الكتابة إلا عندما أكون وحيدة في مكتبي / صومعتي ، في هدوء تام ، أخفف من أي التزام أخر غير حمى النص التي تركبني فترتج لها كل خلاياي النائمة لتستجيب للحظة إلهام حارقة وسط كتبي وأوراقي المبعثرة تكون ولادتي مع كل نص جديد .
&
6 – هل اجتاحتك رغبة في تغيير أو تعديل قصائد كنت قد كتبتيها سابقا ؟
- كثيرا ما تجتاحني فكرة تغيير أو تعديل نصوصي القديمة ، إذ أجدها غير ناضجة بالقدر الكافي الذي يوافق تطلعاتي وفقا لظروف نفسية واجتماعية إنسانية قوية ومؤثرة ، فيكون هذا التغيير أو التعديل بعثا جديدا للنص .
&
&– أي من الشخصيات الشعرية هو الأقرب إليك الآن ؟
- أجد نفسي في أشعار أدونيس والماغوط ، كما تبصمني بعمق نبرة الحزن عند السياب وأمل دنقل ونازك الملائكة ، لكنني اكتسب جناحين مع نزار ودرويش وأشعار الهايكو الياباني عند بانيا ماتسويشي .
&
&– هل لديك أية مواهب خفية غير كتابة الشعر ؟
- أقرب شيء إلى الشعر الرسم والموسيقى ، أعشق كل ما هو سريالي ، تجريدي ، تشكيلي ، رغم جمالية الانطباعي ، ولو لم أكن شاعرة لكنت رسامة أو عازفة بيانو .

&– الحداثة أو ما بعد الحداثة ، هذان المفهومان أيهما تعملين به ؟
- الحداثة وما بعد الحداثة كلاهما مفهومان متكاملان زمنيا لمعنى التغيير إذ يرى يوجين هابرماس أن ما بعد الحداثة هي صيغة جديدة لمفهوم الحداثة ، بل محاولة لاثرائها وإتمام مشروعها حتى النهاية ، ومن ثم فإن أي تغيير يقوم على هدم أنساق إيديولوجية وفكرية جامدة لا تلائم التطور الذي تسعى إليه الإنسانية في كل نواحي الحياة ، هذا لا يعني أن ما بعد الحداثة أكثر تقدما من الحداثة لأنها تليها زمنيا ، فباستثناء مجال العلوم ، تبقى الآداب والفنون معينا خصبا تغترف منه نماذج كثيرة تنسب لما بعد الحداثة كقصيدة النثر والقصيدة البوليفونية والقصيدة السردية الأفقية وغيرها من أشكال الإبداع .
أعتبر كتاباتي ما بعد حداثية بحرص شديد يجعلني أتساءل عن مصير القصيدة العربية في المرحلة القادمة من التطور ، فكلنا نملك حق التجديد في الأدب والفن وكل مناحي الحياة باسم ما بعد الحداثة للخروج من دائرة الانغلاق والجمود وتشجيع طاقات الإبداع والإبتكار والانفتاح والتخاصب بين مختلف التيارات والاتجاهات ، لكن الطريق ما زال أمامنا محفوفا بالتحديات لأننا ما زلنا نتخبط في ما قبل الحداثة وتلزمنا حقبة لا يستهان بها من العمل المتواصل والجهود المركزة لتخليص العقلية العربية من كل الشوائب التي ما زالت تعوق إمكانية التطور .
&
&– ما هو رأيك بالنقد الآن ، وهل واكب مسيرة الشعر التي نشهد فوراناً لها منذ سنوات قليلة ؟
- ما يثير الحزن حقا هذا التراجع والنكوص الذي يعرفه النقد الأدبي في جامعاتنا وأوساطنا الأدبية ، فالمشهد اليوم يبدو فقيرا لغياب مدارس نقدية عربية حقيقية ، في المقابل يمكننا الاستشهاد بالتجريدية الأوربية والسريالية والبنيوية والتفكيكية وغير ذلك ، أما التراث العربي القديم فإنه مليء بالشواهد التي ما زلنا نستنزف قواعدها ، لقد أصبحت المناهج القديمة مستهلكة تكرر نفسها دون أن نجد نقدا حقيقيا للنصوص الشعرية مما شجع على انتشار الرداءة والإسفاف والشعر الهابط ، ومن ثم كان على النقاد أن يقوموا بأدوارهم وأن يصطفوا جنبا إلى جنب مع الأدباء والشعراء لأن الشعوب المغلوبة في وطننا العربي تعول عليهم في قراءة الواقع ونقد مساراته ، وهنا يبدو دور الجامعات المتخصصة في دمج الأدب المعاصر بالعمل الأكاديمي وتفعيل دور النوادي الأدبية والمؤسسات الثقافية المعنية لأن التغيير لا يحدث إلا بشكل جماعي&