&

كانت جنسوية كافكا لغزاً استأثر باهتمام المؤرخين ومحبي الكاتب منذ عقود، لا سيما ضعفه الشديد امام جاذبية المرأة وفي الوقت نفسه نفوره الواضح من الاتصال الجسدي وممارسة الجنس. وهو موقف كانت اسبابه موضع تكهن ونقاش منذ سنوات. وتحدث الكاتب ماكس برود، وريث تركة كافكا الأدبية وصديقه الحميم، عن "عذاب" كافكا بسبب "رغباته الجنسية". وتطرق كافكا نفسه الى خوفه من الجنس في رسالة كتبها الى برود في كانون الثاني/يناير 1921 قائلا "مثل شخص لا يستطيع ان يقاوم إغراء السباحة في البحر، هانئ بانحداره مع التيار ـ "انت الآن رجل، أنت سباح عظيم" ـ وفجأة، بلا سبب يُذكر، يرفع جسمه ولا يرى إلا السماء والبحر، وليس على الأمواج إلا رأسه الصغير، فيستبد به خوف رهيب ولا شيء آخر يهم، يجب ان يعود الى الشاطئ، حتى إذا انفجرت رئتاه. هكذا هي الحال". ولكن الأكاديمي الالماني راينر شتاخ كاتب سيرة كافكا في ثلاثة اجزاء طلع بنظرية جديدة عن آراء كافكا التي تبدو متناقضة في الجنس، وفحواها ان كافكا، مثل غالبية الأشخاص في زمنه، كان مصاباً برهاب (فوبيا) من الأمراض التي تُنقل عن طريق الجنس والحمل.&
&حصل شتاخ اثناء كتابة الجزء الثالث من سيرة حياة كافكا بعنوان "كافكا: السنوات المبكرة" الذي صدرت ترجمته الانكليزية في تشرين الأول/اكتوبر، على نسخ من يوميات برود خلال الفترة الواقعة بين 1909 و1911 حين كان كفكا في منتصف العشرينات من العمر. واكتشف شتاخ في هذه اليوميات، غير المنشورة من قبل، جانباً جديداً للرجل الذي كثيرا ما كان يُعتبر اكثر جموحاً وأنشط جنسياً من صديقه كافكا، أي برود الذي كان هو نفسه دائم القلق والتوجس من عواقب الجنس. ويقول شتاخ "انها لفكرة بالية تلك القائلة ان كافكا عصابي ان وبرود شخص سويّ. فأنا اعتقد ان برود كان قادراً عن كبت ذلك كله في الساعتين اللتين يمضيهما مع عشيقاته في حين ان كافكا لم يكن قادراً على ذلك لأن عقله لم ينم قط". ولكن هذا كان "طبيعياً بصورة مطلقة" للبورجوازي في بوهيميا اوائل القرن العشرين حيث كان الأشخاص أكثر اهتماماً بالحفاظ على الصحة الجنسية من الركض وراء اللذة الجنسية، بحسب شتاخ. ويتابع شتاخ انه قرأ الكثير من الكتب عن الجنسوية في اوائل القرن العشرين مشيراً الى انها "عادة كتب موجهة الى الشابات والشباب وهي تركز على المخاطر ولا تقترب ابدا من الجنسوية بوصفها مصدر سعادة. فالمسألة لا تتعلق بالأخلاق أو الدين بل بالمخاطر الصحية لا أكثر". قرأ شتاخ تقارير صحفية ومذكرات زملاء كانوا مع كافكا في صف واحد ومجايلين عاصروه، لبناء صورة جديدة عنه، وهو يكتب في الجزء الأخير من سيرة حياة كافكا انه "كان عاجزا عن دمج جنسويته بصورته الذاتية لأنها كانت بنظره شيئاً ملوثاً جسدياً وأخلاقياً، وبالتالي كان عاجزاً عن اقامة علاقة انسانية حميمة مع نساء يجرَّنه بنشاط الى هذه القذارة ـ هذا المرض المعادي للحسية والمرأة كان شائعاً بين ملايين من رجال الطبقة الوسطى الذين كانت تربيتهم بكل بساطة لا تبيح السعادة الايروتيكية". لا يعرف شتاخ على وجه التأكيد لماذا أُلصقت صفة اللاجنسي والمثلي بكاتب مثل كافكا كانت لديه علاقات موثَّقة مع نساء. وهو يقول انه لا يعرف سبب الاستمرار في الصاق هذه الأوصاف بكافكا الذي "كانت لديه تخيلات مثلية ولكن كل واحد تراوده مثل هذه التخيلات. وكانت لدى كافكا قدرة قوية حقاً على الوصول الى عقله الباطن، أكثر منا، وهذا هو السبب في كونه كاتباً كبيراً. وبالتالي كانت لديه تخيلات مثلية وجنسية ثنائية وسادية ومازوخية وتلصصية وهذه كلها تظهر في اعماله، وهو أمر معروف عن كتاب مثل كافكا. ولكن لا يمكن الخلوص منها الى انه نفسه كان اياً من هذه الاوصاف". يشير شتاخ الى ان البحث يمنح "قلعة" كافكا حياة جديدة. إذ يبدو واضحاً من مخطوطة كافكا للرواية التي نُشرت في عام 1926، بعد وفاته، ان كافكا كتب في البداية بضمير المتكلم الى ان وصل الى المشهد الجنسي الأول فغيَّره الى ضمير الغائب. وبحسب شتاخ فان كافكا "كان دائماً يصف الجنس بأنه نوع من الاغتراب الذاتي وكأنك تستطيع ان تضيّع نفسك في علاقات جنسية. وكان يجد من المتعذر ان يعتبر الجنس من وجهة نظره خبرة ذاتية. فابتعد عنه".&
وفي حين ان كثيرين طرحوا نظريات لتفسير آراء كافكا المتناقضة في الظاهر بشأن الجنس والمرأة فان احدا منهم لم ينظر الى كافكا على انه نتاج نظام التربية الجنسية التي تلقاها غالبية أترابه. ويقول شتاخ ان هذا يعود، من بين اسباب اخرى، الى الميثولوجيا التي تحيط بكافكا. وكان كتّاب سير واطراف مثل ورثة برود منشغلين بالعثور على مخطوطات ورسائل جديدة أكثر من انشغالهم بدراسة ما معروف منها. ويقول شتاخ "انهم دائماً يبحثون عن مادة جديدة لكنهم ينسون الأكوام التي لدينا من المادة ونستطيع ان ننجز الكثير بها إذا تمكنا من فك رموز اللغز". ولكن أي دراسات جديدة يمكن ان تعرقلها النزاعات القانونية المستمرة مع ورثة برود الذي اؤتمن على آلاف الصفحات من كتابات كافكا واعدا الكاتب باحراقها بعد وفاته في عام 1924 لكنه ترك الوثائق لعشيقته وسكرتيرته ايستر هوفه حين توفي في عام 1968. واحتفظت ابنتا هوفه العجوزان بكل الوثائق التي يُقدر عددها بنحو 20 الف وثيقة منذ ذلك الحين في شقة صغيرة في تل ابيب حيث كانت مكدسة بين متعلقاتهما وقططهما التي يعج بها المكان. في صيف 2016 حُسم النزاع القانوني بين عائلة هوفه والمكتبة الوطنية في اسرائيل بعد ان قررت المحكمة ان من حق المكتبة ان تؤول اليها الوثائق لأن برود وعد بالتبرع بها. ولكن المكتبة الوطنية في اسرائيل لم تحاول حتى الآن نقل الوثائق وفرزها. ويعتقد شتاخ ان العملية ستبدأ في اوائل 2017.
&
&
&