&

عالج كتاب "سوريا.. التحولات الكبرى.. مشكلات الوطن ومستقبل العرب" للكاتب والمحلل السياسي والخبير في الشأن الإسلامي هشام النجار والصادر أخيرا عن دار سما للنشر، التفاعلات والتحولات السياسية والجيوإستراتيجية الكبرى ومعظم الملفات والمستجدات والأحداث في الحرب السورية من بعديها السياسي والجيوإستراتيجي، مع تحليل موضوعي ودقيق وموثق لمواقف وإسهامات وأوضاع وأدوار معظم القوى الرئيسية المتداخلة في الحرب دولاً وتنظيمات، بمنهج تحليلي موضوعي إستقصائي موثق، معتمداً على عشرات المراجع والصحف العربية والأجنبية. كما عالج مشكلتي الطائفية والتعدد والتنوع الفكري والعقائدي وهي أهم الأزمات المهددة للحضارة والعمران في سوريا – والوطن العربي؟. وكذلك ملف " إخوان سوريا " والدوافع والمنطلقات التي تجعل فصيلاً من الفصائل ينقلب علي الوطن ليصير مجرد أداة في أيدي الغرب لإنهاك الداخل العربي وتمزيقه.
أيضا تناول الكتاب الذي يقع في 440 صفحة موقفي د.يوسف القرضاوي والعلامة السوري د.محمد سعيد رمضان البوطي من الحرب السورية على خلفية محاكمة الموقفين إلى التاريخ العربي وتاريخ الدعوة وإلى الشريعة ومناهجها.
يقول النجار "لا مفر من تحديد ماهية المخاطر والتحديات التي تتهدد مستقبل العرب؛ فالأمة العربية اليوم تعاني بشكل غير مسبوق من مشكلات مستعصية ومعقدة وأعظمها إستباحة العمق العربي وإحداث الإنقسامات والشروخ الغائرة في جسد العروبة وتأجيج الداخل العربي بالصراعات الطائفية وملأه بمشاريع وكيانات وتنظيمات أيدلوجية متصارعة، وبدا العرب بشكل غير مسبوق عاجزين عن صد اندفاعة إيران بميلشياتها العسكرية ومدها الطائفي بسياسات وتكتلات متماسكة فعالة على الأرض، لنصحوا جميعاً على مفاجأة وصول هذا النفوذ وهذا التهديد التوسعي الطائفي إلى قرب الحدود الجنوبية للسعودية، وهي مخاطر لا تقل بحال عن داعش وتنظيمات التكفير المسلح التي نجحت هي الأخرى في إختراق العمق العربي والإستقلال بأجزاء منه في سياق مشروعها الخرافي التدميري الذي لا يهدد سوريا والعراق فقط إنما يهدد الوطن العربي كله بالإنهاك والإستنزاف على مدى طويل.
ويضيف أن "المأساة والكارثة الانسانية والحضارية في سوريا تستمر لتفقد أحد أهم الدول العربية ثرواتها ومقوماتها الثقافية والحضارية ومظاهر وعناوين تميزها الشرقي وأركان مجدها التاريخي، وفوق ذلك تفقد شبابها وناسها وأطفالها ورجالها ونساءها وقوتها البشرية المبدعة، وكذلك تفقد عناصر ومؤسسات وأركان قوتها وأجهزتها العسكرية والأمنية المدافعة عنها، ليرهن مستقبل ومصير وطن وشعب عربي كبير بمصالح الدول التي تؤجل وتماطل في الحلول ريثما تؤمن مصالحها، بعد أن صارت سوريا مركزاً ومنطلقاً لشرق أوسط &جديد وساحة لخلق نفوذ وفرض هيمنة ليس فقط للدول الكبرى انما لدول اقليمية حالمة وطامحة للتوسع، ولا يهمها مأساة شعب أو مصير أمة.
ويؤكد النجار أن "العرب يواجهون تهديدات تقليص حضورهم ودورهم وسحب إمتياز تقرير مصيرهم وتحديد مستقبلهم والحديث باسمهم منهم ومنحه لقوى إقليمية غير عربية تتدخل في شئونهم وتتقاسم النفوذ وتصبح هي المرجعية الإقليمية ووكلاء الغرب في الشرق الأوسط وهما "تركيا وإيران" لنصبح أمام واقع إقليمى"غير عربي" وفق ترتيبات وتفاهمات ترهن المستقبل العربي على مدى بعيد لحسابات ولمصالح غير عربية، في إستعادة لنظام الوصاية الأجنبية من خلال وكلاء إقليميين لفائدة الطرفين فقط، بينما يبقي العرب على هامش الأحداث والمصالح وتنتزع من زعاماتهم شارات القيادة بعد القضاء على مصادر القوة العربية وإطفاء عوامل الصمود وإخماد روح المقاومة وتوجيه مشاعر الإنتماء والولاء إلى مسارات تهدرها في مستنقعات الطائفية وولاءات التنظيمات التي تؤدي بأسلوب ردئ شائه تمثيلية " الخلافة "!، وليست " خلافة " إنما " خلافات " و " خرافات " داخل عقول لا تعلم من الدين سوى القشور ؛ حيث خلقت تلك الكيانات والتنظيمات على الأرض من خلال المناطق التي إحتلتها – تطلق عليها مناطق محررة – واقعاً مأساوياً يسيطر فيه الإرهاب التكفيري وأمراء الحرب ومنطق الميليشيات، وصارت كل منطقة على مذهب أميرها وأيدلوجيته بقوة السلاح".
ويرى النجار أن المواقف الأمريكية الأخيرة كارثية بالنسبة للعرب، لأن مجرد إطلاق إيران في المنطقة وعدم إبداء حتى الإستنكار والرفض في بيان رسمي لتجاوزاتها ومواقفها العدائية داخل البلاد العربية يجعل الإعتماد على الولايات الأمريكية وإنتظار تدخلها للحفاظ على التوازن أقرب إلى الأوهام منه إلى الواقع خاصة بعد رفض أمريكا التوقيع على معاهدة دفاع رسمية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية خلال القمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد، وهو ما يعطي إيران الفرص والمجال الواسع لتنفيذ طموحاتها التوسعية على حساب المصلحة العربية.&
ويعتبر النجار أن هذه التحولات والمستجدات الخطيرة أدت إلى الإخلال بموازين القوى الإقليمية لصالح قوى إقليمية غير عربية من جهة ولصالح ولحساب إسرائيل من جهة أخرى التي تتجهز على أنقاض تلك الصراعات لإعلان نفسها قائدة وزعيمة اقليمية، حيث لم تعد قضية فلسطين هي أولوية العرب، وتهدر طاقاتهم وتنفق إهتماماتهم ومواردهم في ملفات أخرى وفي صراعات أخرى، وحيث لم تعد قضية " الصراع العربي الإسرائيلي" هي محور الاهتمام وقضية المرحلة كما كانت من قبل، إنما حلت محلها قضية " الصراع العربي – الإيراني" وقضية " الصراع السني – الشيعي" وقضية "لصراع بين خلافة أردوغان وخلافة خامنئي وخلافة البغدادي وخلافة الظواهري.. الخ".&
لكن المؤلف يعتبرها بمثابة مخاض ولادة – وليس مرض موت – ليتشكل واقع عربي جديد سيسهم العرب بتعاطيهم مع الأزمات الحالية وبطبيعة أدوارهم في صراعاتها في رسم ملامحه وتحديد جغرافيته وهويته، ويتوقف ذلك على:
أولاً : مدى قدرتهم على حسم تلك الحروب والصراعات سريعاً لصالح الدولة الوطنية والأمن القومي العربي.
ثانياً : مدى نجاحهم في الحد من التدخلات الإقليمية والدولية وتهميش الدور العربي.
ثالثاً : مدى إستيعابهم لدروس العراق، والدرس الأول والأهم هو الحفاظ على " الجيش السوري "مهما كان الأمر ومهما وجهت إليه من إتهامات ؛ فالجيش العراقي قمع شعب العراق وقصفه بالطائرات والكيماوي، لكن تفكيك الجيش السوري يعد تغييباً لدولة عربية أخرى – كما تم تغييب العراق عربياً بعد تفكيك برايمر لجيشها.
رابعاً: مدى قدرتهم على &خلق توازن بين علاقتهم مع الولايات المتحدة من جهة وعلاقتهم بروسيا من جهة أخرى، والعلاقة العربية مع روسيا تستحق وقفات طويلة ومراجعات ومبادرات عربية جسورة وشجاعة؛ خاصة أنها لم تستعمر يوماً بلداً عربياً ولم تحتل يوماً أرضاً عربية.
&
ويشيير النجار إلى أن الرهان على أطراف لا تخطط ولا تتحرك إلا لمصالحها وأطماعها هي وحدها بتوظيف كيانات وتيارات تضر بالأمن القومي العربي، مؤشر سلبي لا يبشر بمستقبل مستقر وآمن للدول العربية، وسيؤدي إلى عجز عربي طويل عن فرض الإستقرار والأمن، فضلاً عن تحقيق النهضة وإنتزاع الحقوق.&
ويلفت إلى أن ما حدث من تدخل عربي مشترك وبتنسيق وتناغم بين قيادات الدول العربية وبوعي مشترك للمخاطر والتهديدات وقرار حاسم لصدها وإيقافها في اليمن من خلال عملية " عاصفة الحزم " وما بعدها، يمكن التأسيس عليه لخلق وإستدعاء وعي عربي يكاد يغيب بقيادة عربية موحدة، وبإعادة توصيف المخاطر وتسميتها بأسمائها الحقيقية وترتيب أولوياتها ؛ فالأمة العربية تواجه مخاطر التهميش الإقليمي وتصعيد قوى إقليمية أخرى غير عربية بمناهج أيدلوجية وحس طائفي، ومخاطر تحويل صراعها الحقيقي والأول مع اسرائيل ولنصرة القضية الفلسطينية وقضايا العرب العادلة إلى صراع طائفي وأيدلوجي سواء في مواجهة إيران وأذرعها وميليشياتها وفي مواجهة تركيا وطموحاتها الإمبراطورية وتوظيفها للإسلام السياسي ودعمها للتنظيمات المسلحة والإرهابية.&
ويؤكد النجار أن هذا التكتل وهذا التحالف العربي – العربي حتمي ومصيري ويتوقف عليه مستقبل المنطقة العربية ومستقبل الأمة العربية، فإما تفتت وإنقسام وضعف وتمزق وفرض إرادة من الخارج وتحكم في مقدرات العرب وثرواتهم ومقدساتهم والعبث بقضاياهم وتاريخم وتراثهم، أو الصمود وحماية المنجزات والمكتسبات والدفاع عن الأمن القومي العربي والدفاع عن الوجود والتاريخ والمستقبل العربي.
ويرى أنه لابد من تعزيز دعائم " الدولة الوطنية " من منطلق كونها الوحيدة القادرة على إحتواء التنوعات الطائفية والإثنية تحت عنوان المساواة والمواطنة، وعدم السماح بإختراقها أو إستهدافها بمشاريع أيدلوجية أو مذهبية أحادية من شأنها تفجير كيان الدولة ومحو هويتها وتفتيتها الى كيانات اثنية ومذهبية متصارعة، في ظل إزدهار للنزعات الإنفصالية والإستقلالية للأقليات وتدعيمها من قوى خارجية سواء الكردية أو العلوية أو الدرزية. إلى جانب الإعتصام بالعروبة وبالإنتماء العربي والتحرك في مساحات علاقاتنا الاقليمية والدولية من هذا المنطلق " الإنتماء العربي ".&
ويضيف "أيضا لابد من القيام بدور أكثر فعالية وإقناعاً بشأن قضية العرب الأم وهي قضية فلسطين، خاصة بعد سقوط الأقنعة عن قوى إقليمية مثل إيران وذراعها في لبنان "حزب الله" ممن وظفوا هذه القضية وتاجروا بها كثيراً لخدمة مشروع طائفي توسعي، وكان ذلك على حساب الدور العربي الذي كان في أغلب الأحوال باهتاً وبدون ملامح وغير مقنع للجماهير العربية والإسلامية، وليس معنى ذلك أن يتحول العرب من " الإعتدال " إلى "الممانعة" في سياق ما تم تزييفه وجرفه من قضايانا وحقوقنا بإستخدام تلك المصطلحات والشعارات ؛ فإذا كان محور إيران قد وظف الشعار بأسلوب مخادع بينما كانت تحركاته ومواقفه على الأرض داعمة للمصالح الاسرائيلية وخصماً من قوة وقدرات ومكانة العرب ودولهم، فإن شعار " الإعتدال " كذلك قد تم وضعه في غير محله ؛ فليس معنى الإعتدال الإكتفاء ببعض بيانات من الجامعة العربية بدون ترجمة فعلية على الأرض، وليس معناه أن يظل العرب بلا خطوات قوية إلى الأمام يدفعون بها القضية الفلسطينية إلى حلول عادلة ومتوازنة، يشعر الفلسطينيون – والعرب من ورائهم – أن هناك من يقف بجوارهم من بني جلدتهم ومن أشقائهم.
ويوضح النجار أن هذا كله ليس بعيداً عن التحقق والترجمة عملياً على أرض الواقع فنحن أمة من الأمم التي يصيبها الضعف حيناً فتتعرض لهزات عنيفة مزلزلة تهدد حياتها ووجودها ومستقبلها فتصحو وتقاوم وتتوحد وتنهض، وأوربا &تجاوزت كل شئ، ليس فقط تباين وخلافات وتضارب مصالح، إنما تجاوزت مآسي وثارات حربين عالميتين راح ضحيتهما ملايين البشر، وشعوب العالم لم تسلم من هزائم كبيرة على المستوى العسكري والحضاري، وكثير من دول العالم تعرضت للإحتلال لفترات زمنية طويلة، وأوربا ذاتها تعرضت لهجمات ممنهجة إستهدفت ثقافتها وقوتها الداخلية وحضارتها وهويتها ومكثت تحت الإحتلال النازي لعقود، وهناك دول رضخت تحت حكم شمولي أنهكها وبدد قواها وأفقدها تميزها وحيويتها كما حدث في يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والإتحاد السوفيتي، والآن تنعم أوربا وتتمتع بالوفرة والقوة والإزدهار والمنعة وبوحدة إقتصادية شبه نموذجية، ويتنقل المواطن الأوربي المصونة كرامته وحقوقه دون الحاجة الى إبراز جواز سفر أو التوجه لعمل تأشيرة، والسائح لا يحتاج إلا لعمل تأشيرة واحدة يتنقل بها في كافة الدول الأوربية المنضمة للإتحاد، التي ربما وصل عددها الآن إلى ثلاثين دولة، والعرب تجمعهم ثقافة واحدة ولغة واحدة وتاريخ مشترك، ودوافع ومقومات الوحدة أقوى بكثير من التي تمتلكها دول أوربا، لكن هناك صراعات وتدخل خارجي &يجب الحد منه وصولاً لانهائه والتخلص من آثاره السلبية الكارثية على المنطقة ودولها.
ويحذر النجار من أن المنطقة العربية ظلت مهددة بالبلقنة منذ غزو وإحتلال العراق مروراً بالثورات وانتهاءاً بإطلاق إيران من قفص العقوبات والحظر على وقع الدسائس والمؤامرات التي تسعى لترجمة فعلية لها على الأرض، فضلاً عن المشكلة الأصلية المحورية التي تتفاقم وتترسخ في ظل إنشغال العرب عنها وهي القضية الفلسطينية، فضلاً عن الخلافات العرقية والإثنية والمذهبية المُسْتغلة إقليمياً ودولياً في مشروع إعادة التقسيم "مشروع الشرق الأوسط الجديد" الذي بدأ فعلياً وظهرت ملامحه في عام 2006م.
ويقول أن "البناء يبدأ من أسفل لأعلى وليس العكس، و"بسمارك" بدأ بمشروع إقتصادي يربط بين الألمانيتين وهو الذي أنجح الوحدة، فالمشاريع الاقتصادية تحقق مصالح مشتركة ويستفيد منها الجميع وتنعكس إيجاباً على أوضاع الشعوب، وهي التي بدأت بها أوربا وحدتها وصولاً لمجالات ومستويات أخرى، مثل البرلمان الأوربي والعملة الموحدة ومشروع التكافل الاجتماعي الموحد.. الخ، والدول العربية في حاجة ماسة إلى جعل التكامل الإقتصادي العربي واقعاً ملموساً معاشاً موثقاً بالأرقام والإحصائيات التي تثبت تضاعف حجم التبادل التجاري العربي لأنه الآن ومنذ عشرات السنين لم يراوح نسبة ال 10 % تقريباً من حجم التجارة العربية مع العالم، كذلك في إنتظار زيادة الإستثمارات المالية في الدول العربية ؛ فمشروع الوحدة سيبقى بعيد المنال ما دامت الأموال العربية المستثمرة والمودعة في بنوك العالم تفوق أضعافاً مضاعفة مثيلاتها في الدول العربية، &وليجعل العرب علاقاتهم الإقتصادية والتجارية مع القوى الأخرى بداية لتحالفات أقوى وتقارب على مستويات مواجهة التحديات التي تهددهم وخاصة العلاقات مع روسيا والصين والهند". &
ويخلص النجار إلى أن الدول العربية بحاجة ماسة لوضع خارطة طريق واضحة بخطوات محددة وصولاً لصياغة وحدة حقيقية على الأرض مبنية على المصالح المشتركة ووحدة المصير والهدف، ولا شك أن هذا المشروع المأمول الضخم تلزمه تنازلات في ملفات كثيرة وتطوير في ملفات داخل كل دولة على حدة، وبذلك يقيم العرب تكتلاً لا مفر منه لإنقاذ الأمة من الضياع والتيه والإنهيار ولوقف هذه الفوضى وحماية الدول العربية من التدخلات الخارجية وللإبقاء على البقية الباقية من الأمن القومي العربي تمهيداً لإستعادة ما فقده العرب منه.. وأيضاً مبنية على المشتركات الحضارية والثقافية وهي من أقوى دوافع المقاومة والصمود في معارك الوجود وتقرير المصير، لأن فقدان الثقة في الذات هو طريق التخلي عن الحقوق والإستسلام للأمر الواقع، والأمة التي تتمسك بهويتها وحضارتها هي القادرة على الدفاع عن وجودها، ولا توجد قوة في العالم قادرة على شطب وجود أمة أخرى تمتلك حضارة وهوية، إلا إذا تخلت تلك الأمة عن هويتها وعن تاريخها وثقافتها.
&