الكتابة فعل مُحرك، محرّض وكاشف قادراً على الخلق الجميل، وهويدا الظنحاني قاصة إماراتية تبحث في "تجريبها" الكتابي عن لحظة شعورية مكتوبة خارج الشروط الموضوعية للزمان أو المكان، تكتب شكل انتظار مرير طويل للصداقة والحب والفرح والسلام العام. في كتابها سواء في مجموعتها القصصية الأولى أو الثانية "شغب موارب" و"رصيف أسفل القلب" تحكي الذاكرة، والذاكرة هنا ليست حزناً وفرحاً وحسب، بل هي الدفتر للأيام مفتوحاً على مصراعيه، تحكي حكايات الأصدقاء والأهل والوطن، وتستنطق في نصوصها شخصيات لا لأن القاصة تسعى إلى القفز عن اللغة النثرية، بل لأن الكتابة فرضت عليها هذه المحاكاة كحدث نفسي وعنصر تأزم وحدة، فالأم ترتبط في النص، هي الأم القلب المرتجف حباً ورأفةً، والأب في نصها هو الحياة بما تحمله هذه الكلمة من معنى، الأصدقاء أيضاً تواجدوا في نصوصها، كما لو أنها تغوص في المرآة الأنا، الكاشفة عما في لا وعيها من ظلال تخيفها، ولا تخفيها.
كما نجدها الأنثى المحرّضة على الفضيلة التي تعلمنا إياها الأمهات فنعيش أسرى لها، أو هي عين المبدعة الأكثر اتساعاً وفرحاً بما لديها، بما امتلكته من شغف وشغب، كما وتحرضنا على الأمل والصبر دون أن نمل الانتظار، وكما كل الكتاب الباحثين عن غد أفضل، تسعى القاصة في نصوصها إلى الغضب من الليل الكئيب، كما نرى أن هذه الليالي هي ذاتها التي تكتبها حروفاً وقصصاً، مساحة عتمة لينير القلم شموساً حبريةً تسطع في ابتداء نهار جديد للحياة، ولا تخاف من شيء إلاّ فقدان أحلامها.
تكتب هويدا منذ كان عمرها 7 سنوات تقريباً، حيث كانت تجد نفسها في مواضيع الإنشاء، وتشعر بامتلاكها موهبة التعبير لكنها لم تبدأ الالتفات للكتابة إلا بعد أن التقيت بمن دفعها للكتابة. وقد صدرت مجموعتها القصصية الثانية "شغب موارب" بعد أقل من سنة على صدور المجموعة الأولى "رصيف أسفل القلب"، وقد حققت تطورا من ناحية اللغة والتركيبة والأسلوب وأيضا على مستوى النضج الفكري لرؤيتها.
المجموعة الجديدة "شغب موارب" الصادرة أخيرا عن دار كنعان بغلاف مميز من تصميم الفنانة الإماراتية الشابة ميثاء النيادي، جاءت بلغة قصصية رشيقة جميلة الصياغة، نماذج فنية في إطار بناء قصصي قصير متمرس. وقد اختارت القاصة جزء من قصتها لتضعه على الغلاف الخارجي جاء فيها "كان الباب الكبير موارباً، كنت أتلصص من ثقبه وأنا استمع لشغب صريره، كلما انفتح أو إنغلق"، &والمجموعة تحكي قصصاً ذات بنى واقعية منفتحة بعيدة عن التجريب والتغريب، سواء في الأشكال أو المضامين أو الأسلوب، كي تبرز بايقاع مأساوي مؤثر تناقضات الحياة ومفاجآتها من خلال عذابات أبطالها وأفراحهم وبطولاتهم وأحلامهم. حيث ترصد الأحداث الإجتماعية والإنسانية بروح الأخ والصديق والأم، والأخت والزوجة أحياناً، وتتأمل ما وراء الأحداث من صور عامة للمشكلات والأزمات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها الإنسان والصعوبات التي يواجهها للتخلص من هذه الصعوبات.
&
** بعض الكتاب الشباب يتهمون رواد جيل الشيوخ بأنه يضع العراقيل أمامهم. هل هذا الاتهام صحيح وإن كان صحيحا هل يمكن أن توضحي لنا بعض تلك العراقيل؟.&
** ليس جميعهم، وإنما البعض منهم أو أكثرهم يضعون الكثير من العراقيل والصعوبات أمام جيل الشباب، منها النقد المتزايد لهم وعدم اعترافهم بأحقيتهم بالكتابة في أي نوع من أنواع الكتابة الأدبية، إلى جانب إبداء آرائهم التي تتسم في بعض الأحيان بالتعسفية، وبأن الكتاب الجدد ملأوا الساحة بنصوص لا جدوى منها ولا فائدة، وإنما هي "تجميع" لكلمات واصطفافها في صفوف لغوية إلى جانب الأخطاء اللغوية التي يقع بها الكتاب، لذا هنا أقول ألم يقعوا هم أنفسهم بهذه الأخطاء.
&
** المواقع الأدبية على شبكة الانترنت زادت بشكل ملفت، هل حققت تلك المواقع ما يطمح إليه الأدباء أم ما زالت في &بدايتها؟
** أعترف أن هناك الكثير من المواقع الأدبية حققت الكثير من النجاحات، لذا تجد الأسماء المشاركة فيها هي أسماء لها وزنها وأهميتها في الساحة الثقافية، أقصد الأعضاء المشاركين بفعالية في الموقع وليست هؤلاء الذين يتم ذكر أسمائهم من قبل الإدارة تقديراً لمكانتهم الشاعرية أو الأدبية، وهناك الكثير من هذه المواقع ضلّ طريقه في الوصول لطموح الأدباء، والبعض من هذه المواقع في منتصف الطريق يصارع للوصول ولسنا ندري وجهته حتى اليوم.
&
** حركة النقد في الساحة العربية ضعيفة. الكتاب يهاجمون &النقاد إذا تعرضوا لهم. والنقاد فريقان في الغالب أحدهما يهاجم الكاتب ويقلل من قيمة إبداعه، والثاني يمدح الكاتب وينزلق إليه؟ أين نحن من حركة نقد فاعلة؟&
** ما من وجود لنقد حقيقي، فالنقد في الحياة اليومية وبعيداً عن المسابقات يتعرض للكثير من الضغوطات والمعارف، على سبيل المثال، لو أنني أعرف ناقداً معيناً وتعرض لي كاتب لهاجمه صديقي الناقد، وهكذا إذا حركة النقد تتبع أهواء كثيرة وظروف تحكمها تؤثر سلباً عليها، وتسرق منها شفافيتها وجماليتها، إن النقد الحقيقي يصنع الشاعر الحقيقي والروائي الجميل والناثر الرائع، باختصار النقد البناء والصريح والواقعي يسير إلى جانب كل أنواع الكتابة الأدبية.&
&
** &الكتاب يصرحون بما تجول به قلوبهم تجاه من يحبون، فيما الكاتبات يخشين من ذلك، أين أنت من ذلك؟ هل تكتبين لمن تحبين وتعلنين ذلك أثناء نشره؟&
** لا أخاف من إعلان مشاعري لأنني أقدس مشاعري، وأحب الحب الذي أعيشه، فهي حالة يصعب إخفاءها أو كتمانها، وأعرف أن الرجال يخفون مشاعرهم خوفاً من تعدد العلاقات التي يعيشونها، أمّا المرأة فتعلن ربما رغبة منها في الإعلان أنها تمتلك هذا الشخص وأنها ملكه، فتضع كل الخطوط الحمراء، أمّا الأنثى التي تتكتم وتخفي مشاعرها لأسباب تمنعها ربما شخصية وربما أنها تحذو حذو الرجل في غاياته. وقد تجدون هذا ملاحظاً في الإهداء الذي أخطه في كتابي دوماً حيث أسعى لأن أوضح هذا الحب وهذا الشعور.
&
** ما علاقتك بالكتاب الإماراتيين؟
** تجمعني بالبعض علاقة صداقة جميلة، ولكن بحكم عملي لا أتواصل مع الكثير، ولكنني حريصة جداً على متابعة أخبارهم، ومعرفة كل الإصدارات الجديدة.
&
** &كيف ترين المشهد الثقافي في الإمارات؟&
** بدا واضحاً في السنوات الأخيرة أن الحراك الثقافي في الدولة تطور وبشكل ملحوظ وذلك بفضل الانفتاح الثقافي على مختلف التجارب الثقافية العربية والأجنبية، وباستقطاب بعض الأسماء المهمة في هذا الجانب، وقد انعكس ذلك بشكلٍ إيجابي على مختلف وسائلنا الإعلامية والتي خصصت مساحات جيدة للاهتمام ومتابعة ما يجري من حراك ثقافي.كما إن دولتنا هي صاحبة تراث عريق في جميع المجالات، ليس فقط تاريخياً ولكن أيضاً صانعة النهضة والتطور، والحاضرة بفاعلية في حوار الثقافات، فالإمارات لديها من الفاعلية الثقافية والفكرية دور كبير، ولها كلمتها التي تقولها في المشهد الثقافي العربي والعالمي.
&
** كتاب صدر وكتاب في طريقه للصدور.. هل من رؤية لمشروعك الأدبي القادم؟&
** مع كل تجربة جديدة ومع كل قصة أكتبها أجدني فيها اكثر فأكثر، كونها تأتي من تراكم خبرة ومعرفة والاستماع للانتقادات من حولي والأخذ برأي الجميع، وأحياناً كثيرة أتمرد فأستمع فقط للحظة الكتابة، الفرق ستلاحظه من ناحية عنصر الدهشة والقصص القصيرة التي باتت أكثر تكثيفاً وأكثر عمقاً. وأعمل على كتاب جديد، كما أنه سيصدر لي قريباً كتاب بعنوان "نهايات مؤجلة" عن وزارة الثقافة وتنمية المجتمع.
&