الجزء السابع

عادة ما تمر كافة شعوب العالم بمراحل زمنية متعددة ومتفاوتة. فأرض الرافدين على سبيل المثال منذ العهد السومري فصاعداً طرأت عليه تغييرات عديدة لأسباب أملتها الظروف الإقتصادية المعيشية والسياسية السلطوية بتوالي السلطات الحكومية المتعاقبة وغزوات الدول الإستعمارية التي تفرض سيطرتها بقوة السلاح والدين والعقائد لمصالحها الإستطماعية بالإستحواذ على مقاليد السلطة وتغيير واقع الحكم بغية الثروات الطبيعية أيضاً. لذا فأنه بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية 612 ق. م. بالتآمر المزدوج البابلي والميدي (الفرس) وانتهاء& دور الميديين ومن تلاهم في مراحل مختلفة من الحكم العربي والعبث المغولي فالخلافة العثمانية ومن ثم الإستعمار الإنكليزي من جراء نتائج الحربين العالميتين ودورهم في إدارة دفة الحكم في بلاد ما بين النهرين، فالحكم الملكي ومن ثم الجمهوري وتكالب القوى السياسية والعسكرية بدور الإنقلابات والثورات المتتالية لأطماع سياسية ومذهبية يعيشها عراق اليوم بأسوأ مراحله التاريخية.

نعمد هنا من هذا الأستنتاج ما آلت اليه عصور ما قبل الميلاد على الحكم الآشوري بمراحله المتعاقبة على أرض بلاد ما بين النهرين منذ العهد الأكدي ولغاية خيانة البابليين بإقدامهم على التحالف مع الميديين وإنتهاء نفوذهم بغياب نفوذ الإمبراطورية الآشورية بتوسعها الذي كان قد شمل العديد من الدول كفلسطين وسوريا ومصر وغيرها، مع بقاء الكتابة المسمارية واللغة الآشورية إلى جانب تبني الآرامية المرنة لأسباب تقنية مع بقاء المراسلات الدبلوماسية الآشورية مع الدول المجاورة. إذ ليس معنى ذلك بأن الآشوريين تبنوها من دون الإحتفاظ بلغتهم الآشورية الأصيلة التي كان لها دورها المباشر على الآرامية أيضاً من كلمات دخيلة وليتم بالتالي تسميتها بالسريانية التي يعنى بها الآشورية بتحويرها، وذلك بحجة التنحي والإستبعاد عن المعنى الوثني والإلحاد لتسمية الآرامية. كما تم تأكيد ذلك فيما لا يحصى من المصادر والتي منها كتاب "الفلسفة اللغوية" ص31 للمؤرخ والكاتب الشهير جرجي زيدان وتعليق الدكتور مراد كامل " فعدلوا عنه (أي الإسم الآرامي) إلى الإسم الذي أطلقه عليهم اليونان وهو "السريان" وسموا لغتهم السريانية)، حيث أن هذه التسمية جاءت باللفظ اليوناني ليقابلها بالعربية نفس التسمية الكرشونية بالحروف العربية، وعادة ما تستعمل هذه الطريقة لحاجة بعض الإضافات لبعض الحروف بغية إتمام الحروف الناقصة في الأبجدية المقصودة، وفق د. محمد حمدي البكري ـ وثائق عربية بأبجديات غير عربية ـ مجلة كلية الآداب الجزء الأول 1955 ص24.& ويؤكد أيضاً موضوع اشتقاق السريانية العديد من المستشرقين وغير الناطقين بالعربية والكتاب العرب أيضاً من أمثال انيس فريحة في كتابه "دراسات في التاريخ" ص233 والدكتور السوري عبدالله الحلو في الجزء الأول من كتابه سوريا القديمة ص 81 ـ 82 والبالغ عدد صفحاته 1120 صفحة ، والدكتورة زاكية محمد رشدي استاذة اللغة السامية بجامعة القاهرة في كتابها "السريانية نحوها وصرفها" ص8ـ9 بالإشارة أيضاً لرأي المستشرقين ولفنسون ونولدكة ودوفال، ورأي الخبير اللغوي الفنلندي سيمون پارپولا والكاتب إبراهيم كبرائيل صومي في كتابه " كتاب المقالات في الأمة السريانية"حيث يذكر في ص 34 ( أما بالنسبة إلى إسم "السريان" فإننا نعلم بأنه قد حُرّف تدريجياً، أو تكون وتطور لفظياً، من إسم آشور أو آسور... ومن هذا الإسم وجدت عدة مشتقات لفظية مثل آشر وشار وشر أو آسر وسار وسر، وذلك بقلب الشين سيناً.....)،& مضيفاً بقوله في ص218 (ان التسمية السريانية المحرفة أو المقتبسة أصلاً من لفظة أو تسمية آشور والآشوريين أو آسور والآسوريين كانت قد عمت جميع نواحي الأمة السريانية وأوطانها,,, أما التسمية الآرامية فإنها دخلت التاريخ وأصبحت في خبر كان بعد القرن الثالث للميلاد) وحين يؤكد ما ذهب اليه قبله، وفيما يليه إستعمل حكمتك ـ عزيزي القارئ ـ فيما يعنيه بـ "الأمة السريانية" ضمناً لأسباب في قلب الشاعر، وله أيضاً شواهد كثيرة في صفحات عديدة بما يؤكده ومنها في ص 43 ما يقتبسه عن البطريرك ميخائيل الكبير في مقدمة كتابه عن تاريخ العالم حيث يبين بكل صراحة عن لسان التلمحري الذي أدلى ببيّناته الحقيقية، لأحد أساقفة اليونان، قائلاً: (بأن السريان هم حقاً حفدة الآشوريين الذين من ملوكهم كان سركون وسنحاريب وأسرحدون وآشور بانيبال المذكورين في الكتاب المقدس). كما ونضيف هنا ما قاله القس بطرس نصري الكلداني في كتابه "ذخيرة الأذهان" سنة 1905 ص 28 (لأن اللغة السريانية أو السورية وهي الآثورية نفسها، فإن لفظ "ܣܘܼܪܵܝܵܐ سورايا" مقصور بلا شك عن "ܐܵܬܼܘܿܪܵܝܵܐ آثورايا" كما هو رأي هيرودت المؤرخ) والدكتور بهنام ابو الصوف، والدكتور يوسف حبي والأستاذ فريد الياس نزها والمطارنة توما اودو واوكين منا في قواميسهما واقليمس داود في مقدمة كتابه " اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية" ويذهب المؤرخ والكاتب الشهير جرجي زيدان أبعد من ذلك& في كتابه "الفلسفة اللغوية" ص 50 حيث يذكر (وفي إعتقادنا ان لغة آشور وبابل التي قد عثروا على آثارها منقوشة بالأحرف الأسفينية أو المسمارية في آثار مملكة& آشور أقرب اللغات السامية إلى اللغة الأصلية إذا لم تكن هي بقيتها. ولعل مزاولة درس تلك الآثار على توالي الأيام وتجديد النقب والبحث يؤيد هذا الإعتقاد).& وقائمة الأسماء والمصادر لا حصر لها. وأكبر دليل على ذلك مفردات الآشورية البابلية المتواجدة في الآرامية التي انتقلت الى العربية. والحالة هذه لا يمكن اعتبارها ارامية الأصل طالما مصدرها من الجذر الأكدي البابلي الآشوري حسب الجدول الذي اشرنا اليه مسبقاً في الجزء السادس من بحثنا المطول. ووفق ما يذكره أيضاً ويؤيده البطريرك أفرام الأول برصوم في الجزء الثاني من كتابه "الألفاظ السريانية في المعاجم العربية" بالرغم من أنه يستعمل اللفظة الآثورية بدلاً من الآشورية أو الأكدية في شرحه وإيضاحاته بتوافق الألفاظ الآثورية والسريانية والآرامية والعبرية والعربية، إضافة لمعجم الكلمات الأكدية في اللغات الشرقية القديمة والإغريقية واللاتينية لواضعه محمد داود سلوم، وكتاب معجم الألفاظ لأدي شير وكتاب الكاتب السوري سمير عبده في كتابه " لغة السوريين لغات" في صفحات متفرقة من جداوله بإشارته الى المفردات الآشورية بالآثورية ومجموعة من قواميس المستشرقين.& كما لا يمكن ادراجها في رصيد المفردات العبرية والآرامية أو العربية طالما ترتكز في اشتقاقها باستعارتها من اللغة الأم، ولطالما الأقدم هو الأصل. فاللغات تلقح بعضها ـ شئنا أم أبينا ـ& وفق المناخ التمازجي الذي تفرضه الحاجة للإرتقاء بها.

ولكي لا أطيل الشواهد في صلب موضوعنا أحيلك لأتعاب الكاتب الفاضل أخيقار يوخنا الذي بذل جهداً كبيراً في البحث والإستقصاء عن التسمية الآشورية والسريانية من أمهات المصادر التاريخية الموثوقة علمياً ومنطقياً، حصراً في الرابطين التاليين، ناهيك عن العديد من الروابط الأخرى الراكنة في متحف الإنترنيت، حالها حال منحوتات متاحف العالم وحال آلاف الرقم الطينية والألواح الفخارية وتلك التي هجمت عليها الدواعش لكونها تكشف حقيقة الأصالة التاريخية.

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,801778.0.html

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,805963.0.html

من المنطلق أعلاه يتبين لنا بأن استعارة المفردات من لغة إلى أخرى حسب ما تدعى بالدخيلة، تفرضها أحياناً ظاهرة لفظ أصوات حروف متواجدة في لغة تفتقدها لغة أخرى، ودليل ذلك من أقرب الأمثلة المتعددة استبدال حرف الشين في الآشورية الى السين في الإغريقية ليشمل إبدال الآشورية بالسريانية وإعتماده في العربية كما في إسم اسماعيل (اسمئيل ، اسمعيل) الذي أصله إشمائيل كتابة ولفظاً شمايل،& وكذلك في تقارب واستبدال السين بالصاد كما في سراط وصراط، أو سفق وصفق، وفي زقر وسقر وصقر وغيرها من الحروف الأخرى التي فيما إذا توسعنا في ذكرها لإضطررنا ذكر العديد من أنواع الإبدال في الحروف في لهجة عشائر تجمع مجتمعات القبائل العربية المتمثلة تلك التغييرات الإبدالية المعروفة بالكشكشة، الشنشنة، الكسكسة، العنعنة، الفحفحفحة، العجعجة، الوتم، الإستنطاء، الطمطمائية وغيرها من المصطلحات التي هي بحاجة أوسع لشرحها وتبيان أسبابها. كما وإن هذه الحالة لا نستثنيها من بني شعبنا في مناطق سكناهم بلهجاتهم المختلفة في القرى الآشورية ـ السريانية في العراق وسوريا وتركيا &وإيران. وعلى سبيل المثال لا الحصر في تسمية البيت بالآشورية: بيتا، بيثا، بيشا، بيسا وبِيّا وربما غيرها.

وفي خلاصة هذه الفقرة لا تخلو أية لغة من هذه التغييرات الصوتية في التقاء حرفين متفاوتين في المخرج الصوتي وتأثيرهما على النطق الصحيح وفق نظريات علم الصوت، وأقرب دليل على ذلك في الأشورية الحديثة في كلمة (ܕܟܼܵܪܵܐ دخارا) التي تلفظ (ܬܟܼܵܪܵܐ تخارا) ومعناها "الذكرى" وإسم (ܙܟܼܵܪܝܵܐ زخريا) الذي يُلفظ ( ܣܟܼܵܪܝܵܐ سخريا)، علماً بأنه يُلفظ ويُكتب "زكريا" بالعربية. وفي العربية إذا جاء بعد السين أحد الحروف الأربعة التالية: الطاء والقاف والغين والخاء يُلفظ حرف السين بصوت الصاد مثل: مسطرة ومصطرة وقس على ذلك، علماً بأن العربية ملآى من ظواهر القلب أي " تقديم أو تأخير أحد حروف اللفظ مع حفظ المعنى" والإبدال أي " إبدال حرف من كلمة ما بحرف يقرب منه لفظاً " مثلما في الآشورية أيضاً في اسم "إقليد" أي المفتاح بالعربية الكلاسيكية وجمعه أقاليد، ليتحول إلى& (ܩܕܝܠܐ: قديلا) بالآشورية المعاصرة بدلاً من (ܩܠܝܕܐ : قليدا) ، وكذلك في كلمة "الجليد" بالعربية، بتحوله من (ܓܠܝܼܕܐ : گليدا) إلى (ܓܕܝܼܠܐ : گديلا) وفي كلتا الحالتين تغيير موقع حرف اللام من موضعه الأصلي رغم أن المفردتين ذاتها مستعارة في العربية من حيث اللفظ أو النطق.

ومن المفيد في مثل هذه الحالات لمعرفة مصدر انبعاث الأصوات أو مخرجها أن نضع الهمزة أي بمعنى الألف قبل الحرف المنطوق ومن ثم نطقه بالتسكين أو التشديد لحين انقطاع الصوت لمعرفة مصدر انبثاق الصوت من الأعضاء الفموية لإستدراك اللفظ الصحيح. وعلى ذات الشاكلة في اللغة الآشورية كأن نقول، بصوت تسكين الحرف لا بإسمه حسب المثال التالي: م ، ل ، ش وغيرها أي صوت الحرف بالسكون، لا إسم الحرف كما في ميم، لامت، شين وغيرها. عندئذ تسهل معرفة مخارج الصوت للفظ الصحيح. ناهيك عن التقنيات العلمية المختبرية الحديثة التي تؤكد ذلك وفق نظريات علم الصوت الحديثة.

ومما هو متعارف عليه ومألوف فيما يخص التسمية اللغوية أو التسمية القومية لشعب ما عادة ما تتحكم عدة عوامل منها الجغرافية والتاريخية والسياسية والدينية والثقافية، مثلما هي اليوم كأقرب دليل عن أرض بلاد ما بين النهرين بشكل عام وشمال العراق بشكل خاص الذي كان موطن الآشوريين ولا زال اليوم أيضاً يُعرف بتسميات قراه الأصيلة التي يقطنها أبناء الشعب الآشوري ليتم تحديدها مجدداً بموطن الأكراد ومنه اللغة الكردية الرسمية. وفي التاريخ القديم الذي عرف فيه شعب اليونان بالإغريق كانت هناك عدة ممالك لها لهجاتها ومنها ابجديتها المينوية التي ليست ألفبائية بل مقطعية ما بين القرن الخامس عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وكانت تسمى باللغة اليونانية (مثلما المسمارية واللغة بابلية آشورية). إلا أن اليونان اعتمدوا الأبجدية الفينيقية لتنعت أيضاً باللغة اليونانية منذ القرن الثامن قبل الميلاد. ولهذا يتم القول: دولة اليونان، الشعب اليوناني ولغته اليونانية على ضوء ما ذكره المؤرخ الشهير آرلوند توينبي في كتاب " تاريخ الحضارة الهلينية " ص8 ترجمة رمزي عبدة جرجس. وكذلك العرب الذين تكونوا من قبائل متعددة من بني عدنان وقحطان ونجران وغسان وغيرهم بتفاوت لهجاتهم، ليسموا اليوم بالعرب علماً بأن تسميتهم اتخذت عدة تسميات ومنها باللفظ اللاتيني: (Arub, Arbi, Urbi, Arabi, Aribi, arwaia) التي لها معان متعددة وفق المؤرخين اللغويين العرب واللغويين الأجانب وبآراء متفاوتة.

وفي هذه الحالة غالباً ما يتم ذلك على ضوء أصالة الشعب الناطق بتلك اللغة او الدولة بتمثيلها الجغرافي عى تسمية لغاتها كالعرب والعربية، الإنكليز والأنكليزية، فرنسا والفرنسية، ألمانيا والألمانية، السويد والسويديه مع بعض الإستثناءات لبعض الدول أو الشعوب، ومثال ذلك إسرائيل كدولة واليهود كشعب أي الصهاينة وتسمية لغتهم العبرية من العبرانية. وفي حال إفتقار لغة ما للصوت المعني في لغة أخرى، عادة ما يتم جمع حرفين للتعبير عن ذات الصوت أو وضع إشارة ما على الحرف المقارب والمناسب لذلك الصوت، مثلما في الآشورية الحديثة أوالمعاصرة بإضفة الإشارة (& ̰ ) المسماة (ܡܓ̰ܠܝܵܢܵܐ : مجليانا ) تحت (ܓ : گ) الشبيهة بلفظ الجيم المصرية لإستحداث& صوت الحرف (ج )، وكذلك في الإنكليزية مثل (ch) للتعبير عن حرف (ج) أو (sh) للتعبير عن حرف (ش)، أو (kh) للتعبير عن صوت الحرف (خ) وعلى شاكلته في اللغة السويدية (sj) لتلفظ (خ) &كما في كلمة (sjuk) بمعنى مريض، وكذلك لصوت الحرف (ش) حين يتبع &ويلي حرف (k) أو بعد (tj) أحد حروف العلة المعروفة بالحروف اللينة (e,i,y,ä,ö)& ليتغير الصوت إلى (ش) كما في كلمة (kök) أي مطبخ وتلفظ شوك، &و (tjej) بمعنى فتاة وتلفظ شَيْ. وقواعد أخرى مشابهة لعدة أصوات فيما يخص حروف العلة القاسية أيضاً والتي هي (a,o,u,å). ناهيك عن النظام المكتبي أثناء وضع بعض الإشارات فوق أو تحت &الحرف المقصود مثلما يجري تصنيف وفرز الفهارس المكتبية الرسمية العامة والجامعية والدراسات البحثية الأكاديمية وفي القواميس خاصة. وهذا ما كان قد جرى في الحرفين الغربي والشرقي لما تسمى بالسريانية في العلامات الصائتة المستعارة من اليونانية في اللهجة الغربية بعد الإنشقاق الكنسي اليعقوبي والنسطوري لتحتفط الآشورية الحديثة بالنقاط لعملية اللفظ مع إضافة بعض الرموز التي أشرنا اليها لتوسيع دائرة اللفظ للكلمات الدخيلة. ومن جراء هذه الإعتبارات سنلقي الضوء في الحلقة القادمة على حرفي الضاد والظاء اللذين ينحصران في اللغة العربية وإمكانية إضافتهما في الآشورية المعاصرة أيضاً.