يقدم الباحث الأكاديمي د.هاني نسيره في كتابه "سرداب الدم: نصوص داعش.. دراسة نقدية وتحليلة" الصادر عن دار صفصافة، قراءة أيديولوجيا داعش من الداخل، وقراءة أدبياتها وتنظيراتها، مؤكدا أن داعش انقلاب على التاريخ وانفلات شرعي.. لا نقول هذا شجبا ولكن نقوله حكما واحتكاما لنصوصها ولخطاباتها ولمرجعياتها ومنظريها.&
ويرى نسيره أن عام 2011 كانت كلمة الربيع العربي Arab Spring الكلمة الأكثر تكرارا في اللغات العالمية بترجماتها المختلفة، بينما كانت كلمة داعش ISIL الكلمة الأكثر تكرارا ولا شك في خاتمة السنوات الخمس للثورات، وليس هذا تقليلا أو امتهانا لهذا الفعل التاريخي الذي أقدم عليه الشباب والمجتمعات العربية في بلادها، فليست مؤامرة خارجية أو داخلية قام بها بعض المتآمرين، بل فاصل تاريخي مثل تحولا مهما وطموحا كبيرا لدولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأكد قدرة هذه الشعوب على الحراك متى أرادت!.
تنطرح مع محطة داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية، كما يتسمى، أو الخوارج والغلواء وعقليتهم، أسئلة النهضة وعلاقة الدين بالحداثة من جديد، كما تواجهنا مخاطر عميقة تهدد منجزات التحديث والحداثة، التي أنجزها بعض العقلاء من أبناء هذه المنطقة من العالم، على مدار قرنين من الزمان، من مفاهيم الدولة والمؤسسة إلى مفاهيم الوطن والمواطنة وتعليم المرأة وغيرها. كما تسائل داعش والداعشية دور النخب والتحليل الفكري والنظري في عصر التواصلية السائلة والمسطحة، التي همشت الطرح العميق لمقولات النهضة والحداثة، قليلا أو مؤقتا برأينا! كما مستعيدة مساءلة قضايانا العالقة التي تستعصي على الحل سواء في علاقة الذات بأجزائها أو علاقتها بآخريها..
انتهى عام 2014 وقد ترسخ لدى العرب أن الوضع أسوأ في بعض المناطق وأن القادم أكثر خطرا ما استمر صراع التنظيمات على الدولة، على حاله وقوته، في سوريا والعراق واليمن وليبيا، غدا معه ربيع الثورات العربية جحيما فاشلا، واحترابا أكثر طائفية وأكثر ميليشياوية، دواعش السنة ودواعش الشيعة معا يتقاتلان!..
في الثالث من فبراير سنة 2015 كان إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا على أيدي داعش، بعد أن نكثوا كل وعودهم للوسيط في التفاوض بينهم وبين المملكة الأردنية شيخهم السابق السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي، في مشهد لم يسبق في التاريخ، ولم يأته الخوارج سابقا، وفي خلط وتزوير وتدليس واضح على ابن تيمية المتوفى سنة 728 هجرية. ورفضت داعش وساطة شيخ شيوخها ومنظريها المقدسي في استبدال الشهيد الكساسبة بالإرهابية ساجدة الريشاوي، التي أرسلها سلفهم الزرقاوي للقيام بعمليات إرهابية في الأردن الشقيق سنة 2006، لم يراعوا حرمة نسائهم! كما ذكرها لهم المقدسي، ولكنهم يفاجئوننا عبر فرعهم في ليبيا في 15 فبراير سنة 2015 بإعدام 21 مصري قبطي بحجة الدفاع عن مصريات اضطهدتهم الكنيسة عام 2009 حسب ادعائهم، فهل غضبوا للمصريات قبل أعوام ولم يغضبوا للريشاوي شريكتهم ورفيقتهم السابقة!&
ويلفت نسيره إلى أن البغدادية أو تنظيم الدولة " داعش" هو حلقة عليا من الصراع على الدولة، مهدت له هتافات سقوط النظام دون تصور ملئها في عصر الثورات العربية، فكانت صولة إصرار جهادي سني وشيعي على ابتلاعها، تلك السمة التي تكسو أغلب بؤر صراعاتنا وهو ما فصلناه في أكثر من دراسة وتحليل سابقا. ولا زال الصراع مستعرا في سوريا، بين نظام الأسد الدموي والكيماوي وبين فصائل الثورة وبين جهاديات الإسلاميين، وهو ما سيستمر ما استمر الأسد رغم إقراره في يوليو سنة 2015 في خطابين متتاليين بأزمته وتراجع قوته. كذلك، لا يزال الصراع مستعرا بين الدولة والجيش الليبي المنتخبة في طبرق وبين ميليشيات العنف في طرابلس ودرنة، وهو ما وجدت فيه داعش فرصتها لتخرج في درنة وصبراتة وغيرها، ولا زالت جولات الحوار مستمرة بلا نتائج واقعية على الأرض".
ويوضح "ربما يكون الفقر النظري والشرعي لداعش، رغم الضجيج والتكرار، أمرا طبيعيا مع حركة عمرها المستقل عن القاعدة لا يتجاوز عامين، حيث كان أول إشهار لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في 10 أبريل سنة 2013، وقبل ذلك كانت فرعا من القاعدة تتبع فقهاءها وتنظيراتها، كما تتبع زعماءها، كان كثير من فقهائها وشرعييها الآن يأتون في مرتبة ثانية بعد شيوخ القاعدة والسلفية الجهادية، الذين رأوهم أصابهم الاختلاط ولم يعودوا صالحين للأخذ عنهم، بعد نقدهم لداعش، كما كتب أحدهم- وربما أبرزهم- تركي البنعلى في رسالته الصغيرة:" الإفادة في الرد على أبي قتادة" في نقد أبي قتادة الفلسطيني في 29 أبريل سنة 2014، أو وصفوهم بالبهتان والعمالة كما في ردهم على أبي محمد المقدسي في نفس العام، وصدر لأحد نشطاء داعش في أبريل عام 2013 الذي يصف نفسه ب" خادم الموحدين" رسالة أخرى للمقدسي بعنوان" المنهزمون" ينقل فيها نصوص المقدسي في الدفاع عن القاعدة قديما، وكيف كان يصف مخالفيها بالمنهزمين وكيف صار هو كذلك، يقول كاتبها: " والبرقاويّ أَحدُّ كبار المُنهزمين الذي يشن غاراته التخذيلية والتشويهية بَعْدَ كُلِ عمليةٍ جهاديةٍ: لدولةِ الإِسْلامِ بنفس الحجج التي ذكرها سابقاً؛ يُشنع على الشباب الذي تذوّق طعم العزة في الجهاد والإستشهاد وإقامة الدين. قبل ذلك الخلاف كانت تنظيرات هؤلاء وتأسيسات السلفية الجهادية الكثيرة مرجع عناصر القاعدة في العراق، والسند الشرعي لها، ويدرك مؤيدوها كما يدرك بعض معارضيها فقر وضعف الجانب النظري والشرعي فيها، بالعكس على ما يبدو من الوعي الاستراتيجي العسكري، عند داعش أكثر عمقا وأبعد نظرا بكثير من بعدها وعمقها الشرعي والفقهي".
ويشير إلى أن جاذبية داعش تأتي في الأوساط الجهادية من خطابها العنيف تجاه مخالفيها، وكذلك من انتصاراتها التي تفوقت فيها على القاعدة وسائر الجماعات الجهادية، ورغم تراجعاتها أوائل العام 2015 في العراق وسوريا. مثل عنفها وخطابها وأهدافها طموحا جاذبا، ومشروعا مستقرا أو صاعدا لدى أغلب الجهاديين، حيث نجحت فيما فشلت فيه القاعدة من إقامة دولة إسلامية في بؤرة توحش زادت من توحشها، ومن ثم إعلان خلافتها وخليفتها، أمير تنظيمها أبي بكر البغدادي. ولعل هذا ما يعبر عنه أبو عمر الشيشاني القائد الميداني لداعش في حديث يرجح أنه منشور له في مارس/آزار سنة 2012 ردا على سؤال حول سبب إتيانه لسوريا حيث كون مجموعة شيشانية تحت قيادته باسم كتيبة المهاجرين سنة 2012 بغية تحقيق دولة إسلامية تقيم الشرع!، ثم انضم لداعش في الشهور الأخيرة سنة 2013، وعن سبب انضمامه لداعش يقول: "السبب الرئيسي الذي دفعني إلى الانضمام إلى الدولة الإسلامية أن لديهم مشروعاً حقيقياً وناجحاً بإذن الله لبناء دولة، كما أنني لم أجاهد لكي أحكم أو أصنع اسماً لي أو للكتيبة، ولكن كنت أعمل لكي أطبق شرع الله في الأرض، ولإعادة الخلافة الإسلامية، فوجدت أن الدولة على عكس المجموعات والكتائب الأخرى لديها مشروع فعّال لإقامة دولة إسلامية على منهاج النبوة، بما يتفق مع رغبتي، بل مع أمر الله". هكذا تلبست داعش فكرة الدولة، وهي موجودة في تاريخ تنظيم القاعدة في العراق، منذ فترة مبكرة، وتأسيسها دولة العراق الإسلامية سنة 2006 قبل انهياها تمام سنة 2007 و2008، ووجدت فرصتها في توحش الثورة والأزمة في سوريا، مع إصرار الأسد وغياب الدعم عن الثوار! لتحقق دولة ممتدة ثم خلافة تراها عالمية وملزمة لكل مخالفيها بالبيعة لها!"
&
منظرو داعش
وحول منظرى داعش يقول نسيره "في البداية كانت مرجعيات داعش الفقهية، قليلة جدا، قياسا لمرجعيات السلفية الجهادية أو القاعدة، أو فرعها جبهة للنصرة، لكنها تكاثرت بمرور الوقت، ونشطت في اتجاهات وعلى منابر مختلفة، ولكن تظل قياسا للقاعدة والسلية الجهادية أقل، وإن كانت أنشط على المواقع التواصلية والشبكة العنكبوتية في الفترة الأخيرة بالخصوص. رغم الكثرة والضجيج يبرز من ممثلي خطاب تنظيم الدولة &أسماء بعينها، أهمها اسم المنظر الشاب( مواليد سنة 1984) أبو بهجة الأثري أو تركي البنعلي البحريني الأصل، وأبو عبيدة الشنقيطي وأبو الحسن الأزدي، الذين نراهم المثلث الشرعي لداعش، من منظري القاعدة والسلفية الجهادية سابقا، وكذلك آخر يدعى خالد التهامي، نرجح مصريته، وأبو سلمة الشنقيطي وغيرهم. كما تبرز فيها خطابات حركية لكل من أبو بكر البغدادي أمير التنظيم الذي نصب نفسه خليفة، وأبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم القاعدة في العراق ثم باسم داعش، وكذلك مفتي التنظيم الذي تولى إدارة مدارسه قبل رحيله في يناير سنة 2015 عثمان آل نازح العسيري والذي يحمل درجة الماجيستير أو الدكتوراه، على خلاف بين ذاكريه في أصول الفقه من جامعة الملك خالد بالمملكة العربية السعودية، وقتل في الغارات الأمريكية في كوباني أو فتح العرب في بداية العام الجديد يناير سنة 2015 وأبو بكر عمر القحطاني أحد الشرعيين المدافعين عن داعش والمهاجمين على معارضيها من التيارات الإسلامية الأخرى، والذي يشاع قربه من أبي بكر البغدادي".
ويضيف "يبدو منظرو ومناصرو داعش أقل شهرة من سواهم، ولكن أكثر نشاطا وبروزا في الشهور الأخيرة، &قياسا لمنظري القاعدة والسلفية الجهادية، بما فيهم منظرو النصرة، ذلك الفرع الذي انقلب عليه ورفض غلواءه، حيث تمتلك النصرة عددا معتبرا من المنظرين الشرعيين أكثر بروزا وقبولا، منهم الأردني الدكتور سامي العريدي وكنيته أبو محمود الشامي( مواليد سنة 1973) أمير النصرة في درعا، وأيضا أبو مارية القحطاني( وشهرته الهراري نسبته لقريته في العراق) الجبوري العراقي( وقيل تم عزله فيما بعد) والذي كان يعد همزة الوصل بين الجولاني والظواهري امير القاعدة، والأردني الذي يفاصل داعش وتفاصله بشكل واضح على المواقع التواصلية د.إياد قنيبي، والسعودي عبد الله المحيسني( وإن صنف نفسه مجاهدا مستقلا) ود.محمد الحصم، وهم من وقعوا رسالتهم لزعيم القاعدة أيمن الظواهري بعنوان" رسالة من الأمة لحكيم الأمة" أوائل عام 2014 والتي فجرت الخلاف والسجال بين القاعدة وبين تنظيم الدولة فيما بعد، وغيرهم من منظري السلفية الجهادية مما يجعل سوادهم أكثر من مساحة التنظيرات الداعشية التي نعرض لها. وتظل أهمية خطاب داعش الشرعي والفكري كونه يمثل السند الشرعي الحركي والتبريري لممارسات هذا التنظيم المنكمش مؤخرا، على مستوى التنظير والتأسيس الشرعي".
ويرى نسيره أن الأهم أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو داعش تتحرك باستراتيجية ومنظورات دولة في بؤر التوحش والملاذات الآمنة، فتخترق بنى الأنظمة الفاشلة وتتمدد في أزماتها، وهذه خطورتها وجدارتها التي تراها لذاتها بقيادة الجهاد العالمي، عكس تنظيم القاعدة القابعة في تصور التنظيم ويتحرك بفكر التنظيم العالمي ويركز على العدو البعيد لا القريب وضعفت قيادته المركزية وصارت أعجز من أن تدعم فروعها وهو ما يؤهل داعش لاستخلافها..وقيادة الجهاد العالمي مع استمرار تمددها ونجاحاتها في سياقات وطنية وإقليمية ودولية مرتبكة ومترددة بشكل واضح..

تكفير عموم الممتنعة المخالفة
ويرى د.نسيره أن داعش تتسم بالحسم بتكفير مختلف الجيوش والمخالفين، وعموم الطائفة الممتنعة، وليس فقط الحاكم فيها، وخاصة من يقبلون بغير الشريعة حكما ومرجعا، وفي رسالته ل أيمن الظواهري في 12 مايو الماضي انتقد المتحدث باسم داعش أبو محمد العدناني الظواهري والقاعدة متهما إياه بالالتفاف وعدم التكفير الصريح، فقال له:" ندعوك ثانيا لتصحيح منهجك وتصدع بردة الجيش الباكستاني والمصري والأفغاني والتونسي والليبي واليمني وغيرهم من جنود الطواغيت وانصارهم وعدم التلاعب بالأحكام والألفاظ الشرعية كقولك الحكم الفاسد والدستور الباطل والعسكر المتأمركين والدعوة صراحة لقتال جيش مصر جيش السيسي الفرعوني الجديد وإلى التبرؤ من مرسي وحزبه والصدع بردته وكفاك تلبيسا على المسلمين." ويرفض العدناني تصوير الظواهري للرئيس المصري المعزول بأنه مظلوم وترفق به، ولعل توصيف داعش المستمر لمخالفيها من الجهاديين ك جبهة النصرة وزعيمها أبي محمد الجولاني الذي بايع الظواهري بأنه خائن وغادر وإصرارها على حربها، ومواقفها من الصحوات وممن يقبلون بالمسارات السياسية عراقيا أو سوريا، ومواقفها من الصحوات ومن فصائل الثورة السورية وفي مقدمتها الجيش الحر، الذين تصفه بوصفها.
&
تقديم العدو القريب على البعيد
ويلفت إلى أنه عكس القاعدة، وكما كان الزرقاوي( 1966-2006) بدرجة ما، تقدم داعش قتال العدو القريب على العدو البعيد، حيث تركز داعش على مناطق وجودها، وتوسيع نفوذها كأولوية، أكثر منها منصة توجيه وارتباط روحي بين جهاديي العالم، كما هو حال القاعدة وقيادتها المركزية المعزولة عن أنصارها في الحدود الباكستانية الأفغانية منذ الحادي عشر من سبتمبر سنة 2011، والمأزومة بعد أن خسرت أبرز قادتها جاذبية وتأثيرا في السنوات الأخيرة مثل مؤسسها أسامة بن لادن سنة 2011، وعطية الله الليبي سنة 2011، ومصطفى أبو اليزيد سنة 2008 وغيرهم، تتركز العمليات الانتحارية لداعش في العراق وسوريا بشكل كبير، ولا تمارس العمليات الخاطفة ضد الغرب أو الولايات المتحدة شأن الخاطفة، ويبدو أن ذلك جزء من تصورها لذاتها ك دولة وليس تنظيما بايع إمارة طالبان. ولكن يبدو أنه بعد بدء حملات التحالف الدولي العربي ضد داعش في سبتمبر سنة 2014 ودعوة العدناني لعناصر التنظيم في العالم للتخذيل عنه والغدر بمن أعطوه عهد الأمان، يعود لدى داعش تقدم العدو البعيد على القريب، ونتوقع أنه حال خسر داعش ملاذاته الآمنة وبؤر توحشه في سوريا والعراق فإنه سيتوجه بحكم قيادته الجهاد العالمي لاستهداف العدو البعيد قبل العدو القريب، وهو ما تخشاه العديد من الدول الغربية والعربية في هذا السياق.

سلفية جهادية أكثر تشددا
يؤكد نسيره أن داعش بلا أدبيات تأسيسية، ولكن بخطاب حجاجي تبريري وتعتمد في التأسيس على من يعارضونه الآن، وفقط على أدبيات منظري السلفية الجهادية الأكثر تشددا منهم بالخصوص، وقد غادر الأكثر تشددا السلفية الجهادية لحضن داعش ولتنظيمها وتنظيرها. ولكن بينما عرف عن كثير من قادة القاعدة التأليف والتنظير، كعبد الله عزام والظواهري والليبي والعييري والزهراني والطويلعي وغيرهم، لم يعرف لقادة داعش الميدانيين تأليف أو تنظير! مكتفين بالبيانات الحركية التي تأتي بين فينة وأخرى بعيدة على لسان المتحدث الرسمي باسم داعش أبي محمد العدناني الذي ترجح إصابته في يناير سنة 2015.
ويقول "تعتمد داعش الحجاج والجدال التنظيمي والاتهامي لمخالفيها، دون مرونة كانت تأتي أحيانا من قادة القاعدة كالظواهري في موقفه من الشيعة وإيران، أو من منظريها شأن ما اعترض به المقدسي على تلميذه الزرقاوي. داعش تنظيم &بتصور وصورة الدولة ويستهدفها كأولوية فقط، ومعاركة ميدانية على الأرض في الواقع، ونظريا في رد الاتهام والحجاج والنقد، خطاباته سجالية أكثر منها تأسسية، فهو فرع في شجرة صار جذرها ينكره. إن داعش في الحقيقة رؤية زرقاوية، تركز على الواقع والفصال والاتهام والتأسيس الانقسامي استغلالا للانقسامات وللمظلوميات الطائفية، ولا يشترط في ذلك وضوح خطاب، فالزرقاوي ترك عددا قليلا من الرسائل في التكفير والتبرير لممارساته فقط كما يفعل تنظيم داعش فقط، &كما أنه لم يكن أكثر علما أو ثقافة بين قادة مجلس شورى المجاهدين الذي كونه سنة 2005 ولكن كان الأكثر حضورا ميدانيا والأقوى تنظيميا.
&
رؤية استشرافية
ويشدد نسيره على إن داعش لن تستطيع قيادة الجهاد العالمي، رغم تراجع القاعدة قيادة مركزية منعزلة، وفروعا مأزومة، لأن داعش أيضا مأزومة نظريا وسلوكيا وشرعيا.. يحرقها الغلو الذي يجذب في بدايته ويطرد بعد تجريبه وتجاربه. وإن الغلو الذي يوفر مساحات للانشقاق أيضا عنه لمن يدركون مخاطره، أو من يستمرون في سردابه غلوا أكثر ظلاما، تفتح حال استقر هذا التنظيم قليلا مساحات أكبر من الانشقاق والصراع الداخلي. ونلاحظ مركزته حول دعوى الخلافة التي طالما تلقفت بها وبدعواها جماعات وإمارات على مدار التاريخ، من الخوارج الرستميين إلى بني مرين، إلى الموحدين والمرابطين إلى خلافات بني العباس قبل سقوطهم وبعد سقوطهم تحت ظل دولة المماليك.. لم تكن دوما ناجعة ومع الوقت صار عليها وصار على فشلها من كانوا يقدسونها! وتظل الإمارة هي الاستيلاء والتغلب هكذا كان وهكذا سنت داعش في سوريا وهكذا هو السقوط!.
ويعتقد نسيره أن تمركز داعش حول شخص البغدادي أميرها وخليفتها المدعى والمدعو لبيعته من عموم الجهاديين أولا ومن عموم المسلمين ثانيا، يؤدي إلى سقوطها، فحال اختفائه أو مقتله أو الخلاف معه من قيادات ودوائر قريبة منه ستسقط هذه الرمزية، خاصة مع كونه كما بدا من حديثه ومن تاريخه هش على مستوى الكاريزما. وعلى مستوى الاعتدال والمرونة، والاعتدال وحده يناسب قانون الحياة هكذا بقيت من الخوارج رغم كل فرقها وأشدها آخرها وأكثرها اعتدالا الإباضية دون سواها! إن هذه المركزية لشخص الخليفة استنادا على شرط القرشية المشكوك فيه من بعض عارفيهم وليس منا! كما أنه ليس أصلا، يعني أن الأساس واه! ولكنها الحرب والاضطرار والحلم الدامي الثائر الذي يخفضه الظل حتى يتحول في النهاية لرجل فقط ظله كما كتب أحدهم عن الظواهري، الحقيقة سيظل الخطاب الجهادي منقسما ومأزوما كما هو، ينتج غلواءه تقتل بعضها بعضا حتى تزول، ويظل الوسط، هكذا بقيت السنة، وذهب الغلاة، في كل مذهب.
&