&
صدر عن مكتبة الإسكندرية العدد السادس والعشرين من مجلة "ذاكرة مصر"، وهى مجلة ربع سنوية تستكتب شباب الباحثين والمؤرخين وتعرض لوجهات نظر مختلفة ومتنوعة. ويقدم العدد ملفاً خاصاً عن مفهوم الموت وطقوسه منذ عصور مصر القديمة وحتى العصر الحديث، في مختلف التخصصات من الأنثروبولوجي إلى التاريخ والآثار والفنون الشعبية وغيرها، باعتباره موروث يجب أن نستعيده مرة أخرى.
وفي العدد؛ فندت د.فايزة هيكل الأسماء التي أطلقها المصري القديم على حالة انفصال الروح عن الجسد؛ ومنها "هلك" و"انتقل" و"رقد" و"رسا" و"موت" التي وردت في كتابات المصري القديم بنفس ما تحمله الكلمة من معنى ودلالة في لغتنا العربية.&
وأوضحت المكانة الهامة للموت في فكر المصريين القدماء؛ لأنهم عدوه بوابة تفصل بين عالم الأحياء وعالم الآلهة والجن وخلافهم من الكائنات غير المرئية ذات الحياة الدائمة، وربطوه بفكرة "البعث"؛ فاهتموا بالجسد عن طريق "التحنيط" حتى يحتفظ المتوفي بشكله الآدمي، ووضعوا مع المومياء كل ما يحتاجه من طعام وشراب وملبس وزينة ومفروشات قد يحتاجها في العالم الأخر، بالإضافة إلى التمائم والأحجبة والأسحار التي تحميه وتمكنه من التغلب على أعدائه في عالم محفوف بالمخاطر، فضلاً عن النصوص التي كُتبت على جدران الأهرامات والمعابد لمساعدة الروح الملكية على الصعود إلى السماء، واللفائف التي كانت توضع في المقابر، والتي أطلق عليها علماء المصريات "كتاب الموتى".
ويتناول د.طارق العوضي، في العدد الجديد من ذاكرة مصر المعاصرة، فلسفة المصري القديم عن الموت، والرحلة الغامضة للمتوفى وهو في طريقه إلى العالم الأبدي، وكيف استمد فكرة الحياة والموت من كل ما يحيط حوله من ظواهر طبيعية، وإيمانه بفكرة البعث، مشيراً إلى وجود حاجة ملحة لمزيد من الدراسات المتخصصة في عالم ما بعد الموت عند المصري القديم.
ويوضح الأسماء التي أطلقت على المقابر، وما احتوته من تصوير لمناظر حياة المتوفي الأرضية على الجدران، وهو ما يدل على رغبته الشديدة في جعل الحياة الأخرى صورة مستنسخة من العالم الذي عاش فيه، كما عرض إلى الكيفية التي تتم بها دراسة المناظر على جدران المعابد، وكيف تحولت من دراسة كل منظر على حدة إلى فكرة البرنامج أو السيناريو الذي يضع كلَّ هذه المناظر المختلفة في بوتقة واحدة.
وتعرض د.شيماء السايح لتاريخ "جبانات" الإسكندرية التي يبلغ عددها خمس "جبانات"؛ وهى الجبانة الشرقية، ومقبرة كوم الدكة، ومقبرة الباب الأخضر "جبانة وعلة"، ومقبرة القرافة، ومقبرة بين الميناءين، واختصاصات لجنة الجبانات التي أنشأت في القرن التاسع عشر لحفظ وصيانة وتحسين الجبانات، والمحافظة على النظام والأصول الدينية، ومراقبة العمال والمشتغلين بإعداد ما يلزم لتجهيز دفن الموتى.
وتناولت بالشرح ما وصل إلينا من الجبانات القديمة بالإسكندرية من مجموعة من شواهد القبور، بعضها محفوظ في منطقة كوم الناضورة الأثرية، وبعضها الآخر محفوظ في متحف حسين صبحي "متحف الفنون الجميلة" في محرم بك، والتي تتميز بالثراء الفني والزخرفي، وتعكس مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفترة من الزمن.
وفي موضوع بعنوان "المومياوات الملكية في المتحف المصري"، يعرض العدد لأساليب وطرق التحنيط عند قدماء المصريين، وتقديسهم لحيوان "ابن آوى" فجعلوه حاميًا للجبانة، وبنوا له المقاصير والهياكل وصوروه في مقابرهم، حتى يحفظ أجسادهم من التلف.
ويشير إلى السرقات التي تعرضت لها المومياوات الملكية وكبار رجال الدولة، واضطرار كهنة الأسرة الحادية والعشرين إلى نقل تلك المومياوات إلى خبيئتين؛ خبيئة الدير البحري، وخبيئة مقبرة أمنحتب الثاني، واللتين تحتويان على عدة مومياوات حفظت في المتحف المصري بالإضافة إلى مومياوات هامة أخرى غير ملكية.
وكتب كل من د.خالد &عزب؛ رئيس قطاع المشروعات والخدمات الخاصة بمكتبة الإسكندرية ورئيس تحرير مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، وأيمن منصور، موضوعاً بعنوان "المجموعة الهرمية للملك أوناس ومتون الأهرامات"، يضم شرحاً تفصيلياً لمجموعة الملك "أوناس" بسقارة الشمالية في الركن الجنوبي الغربي لسور الهرم المدرج بسقارة، وهي من أهم مجموعات سقارة الهرمية؛ حيث ظهرت بها ولأول مرة نقوش طقسية على جدران حجرة الدفن اصطلح على تسميتها بـ"متون الأهرام"، عارضين لأهم ما وصل إلينا من تلك النصوص الهيروغليفية المنقوشة على جدران وأعمدة حجرات الدفن في بعض الأهرامات المصرية. كما تناول عزب في مقال آخر بعنوان "القبة والضريح.. عمارة السلطة رجاءً للآخرة" مجموعة السلطان المنصور قلاوون التي شيدها على بقايا القصر الغربي الفاطمي، حيث أراد لها أن تتميز وتعلوه قدرًا من الناحية المعمارية، وهي منشأة خدمية مغايرة لسابقيه؛ فشيد بيمارستانًا لتوفير الرعاية الصحية للمصريين، وألحق به مدرسة وقبة وحمامًا وحوضا لسقي الدواب.
ويتناول العدد في موضوع بعنوان "المجاعات والموت المزدوج" للباحث د.أحمد الصاوي، الجائحات التي شهدتها مصر عبر عصورها القديمة والوسطى، وأودت بحياة الآلاف من سكان وادي النيل، والتي كان بعضها بسبب الأوبئة؛ مثل الطاعون والكوليرا، والبعض الآخر بسبب المجاعات الشهيرة الناجمة بالأساس عن انخفاض فيضان النيل، كما يتناول أيضاً الموت الفردي غير الناجم عن أمراض وبائية أو مجاعات أو حروب، وتطور وضع الطب والممارسات العلاجية والشفائية، في موضوع كتبه الباحث د.بلقاسم الطبابي.
ويحتوي العدد أيضاً على العديد من الموضوعات، منها مقال يتناول العادات والتقاليد الشعبية المرتبطة بالوفاة للدكتورة ميرفت العشماوي، وعادات وتقاليد ومعتقدات زائري القبور في مصر للكاتب تيتسويا أوتوشي وترجمة غادة البهي، وطقوس الرقصات والأشعار الجنائزية في واحة الدخلة لفارس خضر، والثبات والتغيير في عادات الموت للدكتور علياء شكري، وغيرها من الموضوعات التي تدور جميعها حول الفكرة الرئيسية للعدد الجديد من مجلة "ذاكرة مصر"؛ وهى الموت قديماً وحديثاً، بالإضافة إلى مجموعة صور من جنازات المشاهير.&
جدير بالذكر أن مجلة "ذاكرة مصر" صادرة عن إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، رئيس تحريرها د.خالد عزب؛ رئيس قطاع المشروعات والخدمات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، وسكرتير التحرير سوزان عابد، والتصميم والإخراج الفني لمحمد شعراوي.

&