&
عنوانها هو 2666 وتقع في 1100 صفحة في لغتها الأصلية، الإسبانية، وفي أكثر من 900 صفحة في نسختها المترجمة إلى الإنكليزية وفي 1353 صفحة في نسختها الفرنسية وهي مقسمة إلى خمسة أجزاء جمعها الناشر في كتاب واحد ضخم لتبدو مثل رواية في كتاب واحد ولكنها ليست رواية بالمعنى المتعارف عليه حتى أن نقاد الأدب وجدوا صعوبة في تصنيفها في خانة واحدة منفصلة مثل رواية واقعية أو خيالية … إلخ .. ثم توصلوا إلى أنها تنتمي إلى صنف غير معهود، ربما صنعه كاتبها نفسه روبرتو بولانيو ولم يتبعه في ذلك أحد حتى الآن.&
تبدو هذه الرواية مثل لعنة إذ لا يمكن تتبع خط واضح في سير أحداثها لأنها تنتقل من مكان إلى آخر ويتغير أبطالها مع المكان والزمان لحين الوصول إلى عام 2666 وعلى مدى هذه المساحة الزمنية الشاسعة جمع الكاتب بين أحداث وقعت في القرن العشرين وأخرى شهدها العالم خلال الألفية الثالثة ثم راح يتنبأ بحلول نهاية العالم في تلك السنة البعيدة.&
وقبل حلول موعد اليوم الأخير، يطرح الكاتب صورة عن أوروبا متعبة منهكة وعن أميركا وهي تعيش تحت ضغط الفساد ويتجول في عالم الجرائم البشعة التي شهدها العالم على مدى القرن العشرين ثم فظاعات القرن الحادي والعشرين ويتساءل بقسوة وبقوة عن صلابة الأدب واقتناعه الكامل بالعجز عن وقف العنف والقسوة والشر.
هذا هو العمل الأدبي الضخم الذي قرر المخرج الفرنسي جوليان غوسلان تحويله إلى إنتاج مسرحي هائل بمشاركة عدد من أفضل الممثلين (لا أقل من 20 ممثلا) &ليخرج بمسرحية يستمر عرضها حوالى اثنتي عشرة ساعة بضمنها فترات استراحة قصيرة وليقدم للعالم واحدا من أفضل نتاجات الكاتب الشيلي روبرتو بولاينو.&
تقع الرواية في خمسة أجزاء يمكن قراءة كل جزء منها بشكل منفصل ولكن يمكن أيضا قراءتها تباعا حيث تتكرر أحداث وأسماء شخصيات مع تغير في تفاصيل عديدة. تبدأ الرواية بأربع أشخاص أوروبيين من جنسيات مختلفة كلهم يعملون نقادا أدبيين ويحاولون العثور على كاتب ألماني غامض الشخصية اسمه بينو فون آرخمبولدي كان قد اختفى في زمن ما ولكنه ظل يكتب. وعرف هؤلاء أنه انتقل إلى بلدة إسمها سانتا تيريزا فتبعوه إليها. ومن هناك يعطي الكاتب لنفسه حرية مطلقة في وصف ما يريد حيث تتداخل قصص حب مع قصص جنون (أحد النقاد يفقد عقله) ثم قصص تهريب وجرائم لا تعرف أي حدود وشرطة تسعى إلى توثيقها دون التمكن من فك رموز الأوضاع التي تواجهها. وفي الرواية أيضا قصة حقيقية وقعت في بلدة إسمها على الواقع هو كويداد خواريز وهي التي شهدت مقتل ما لا يقل عن 350 إمرأة من عام 1993 إلى 1997. وفي هذه البلدة يصاب أستاذ جامعي شيلي بالجنون فيما يغوص صحفي أميركي في عالم العنف وهو يغطي مباراة بالملاكمة رغم أنه يجهل الكثير عن هذه اللعبة ثم نكتشف شخصية أخرى وهي امرأة ألمانية تزور المكسيك لزيارة إبنها السجين هناك. &
&
شاعر ومتشرد&
روبرتو بولانيو كاتب شيلي ولد في عام 1953 وتوفي في عام 2003 وعاش فترة من حياته في المكسيك بعد أن غادر بلاده إثر انقلاب عام 1973 العسكري ثم انتقل إلى إسبانيا في عام 1977 ومات فيها تاركا وراءه مخطوطة 2666 التي نشرت بعد وفاته بعام واحد أي في عام 2004.&
من كتبه "الأدب النازي في القارتين الأميركيتين" و "الأمسيات الأخيرة على الأرض ثم العودة" و "محققون وحشيون" وحصلت كلها على اهتمام عالمي ودولي.
كان بولانيو يعتقد أن مهنة الأدب "خطيرة للغاية" وكان يرفض القوالب المطروقة والمعتادة منذ بداية حياته الأدبية وأهم ما ركز عليه خلال مسيرته، باستخدام نفس ساخر مستهزئ مستهجن ثائر، هو العنف المنتشر في عالمنا هذا وهو ما جعله يبدو شديد التشاؤم لعدم وجود حلول، لاسيما وأن الأدب عاجز عن إحداث تغيير وهو ما وصفه بكونه "معركة خاسرة". &&
كان بولانيو في البداية شاعرا فقط ثم ما لبث أن تحول إلى القصة والرواية بعد بلوغه سن الأربعين وترك وراءه مجموعة تعتبر علامات مهمة في عالم القصص والروايات المكتوبة باللغة الإسبانية. ويعتبر نقاد أن بولاينو أفضل كاتب باللغة الإسبانية بعد غابرييل غارسيا ماركيز كما يعتبرون روايته "محققون وحشيون" أهم رواية له فيما يرون أن 2666 أفضل نص كتب منذ بداية هذا القرن.&
عرف بولانيو قبل زواجه واستقراره بالبوهيمية بشكل ما إذ ما كان يستقر في مكان وكان يمارس أعمالا كيفما اتفق لكسب قوت يومه كي يتفرغ لكتابة الشعر في الليل. ويقال إنه كان يعرف نفسه بأنه شاعر ومتشرد.&
عرف بولانيو بتساؤله المستمر عما يمكن للأدب فعله في مواجهة القسوة والعنف في عالمنا ويعتبر نقاد أن في كتبه ألغازا تستعصي على الحل والفهم مثلما هو الحال مع كتابات بورخس وكافكا. وخلال إنجازه 2666 كان يتحدث لصديقه المقرب رودريغو فريسان عن مشروع ضخم ينفذه. ويرى فريسان أن هذه الرواية عبارة عن محاولة مقصودة للحاق بركب "سيرفانتس وشتيرن وميلفيل وبروست وموسيل وبينشون". &

أقوال
وصف في إحدى قصصه وتحمل عنوان "التعويذة" شارعا في مدينة مكسيكو بالقول إنه "أشبه بمقبرة منه بشارع، ولا أعني مقبرة في 1974 او في 1968 ولكن مقبرة في عام 2666، مقبرة منسية تحت جفن جثة او وليد لم ير النور بعد".&
ويقول في روايته 2666 وهو يصف حلما ويتحدث عن الحدس: "الحياة طلب وعرض، أو عرض وطلب، كل شئ يتحدد بهذا ولكن لا يمكننا أن نحيا بهذه الطريقة. تحتاج الطاولة إلى ساق ثالثة كي لا تسقط في قمامة التاريخ، وهذا بدوره يمضي نحو قمامة الخواء. لنسجل ملاحظة إذن. المعادلة كالتالي: عرض + طلب + سحر. أما ما هو السحر؟ فهو الملحمة وهو الجنس وهو الضباب الديونيسوسي ثم هو اللعب". ويضيف متحدثا عن معركة الأدب مع العنف والقسوة: إنها "معركة من معارك ساموراي (يخوضها الأدب) ضد العنف في العالم، ولكنها بلا تفسير. وهي أيضا معركة سيخسرها الأدب. ومع ذلك فمجرد خوض المعركة يعتبر نصرا".&
ويكتب في 2666 "لنقل إن تلك مغارة. وبإمكاننا أيضا أن نقول إنه منجم. ومن فوهة المنجم تصدر أصوات ولغط غير مفهوم. تمتمات تقلد بعضها ويحاكي أحدها الآخر، الفاظ بلا صوت واضح أو ربما مجرد دردمة وهمس وتأوه. ما هو أكيد هو أنه لا أحد يرى، أعني يرى حقيقة مدخل المنجم: تلك آلة وتلاعب بالظل وبالضوء، ذلك عبث بالزمن، وكلها تحجب شكل المدخل الحقيقي عن عين الرائي".&
ويواصل متحدثا عن المثقفين قائلا إنهم "لا يسمعون غير ضجيج يخرج من قعر المنجم فيحاولون ترجمته وتفسيره ليعيدوا صناعته من جديد. ولا حاجة بنا إلى القول بأن ما يفعلون بائس جدا فهم يستخدمون لغة الخطابة عندما يشعرون بإعصار وشيك ويستخدمون لغة الفصاحة ما أن يروا غضبا يكاد يفور متفجرا بمنتهى القوة ثم يحاولون التمسك بضوابط معهودة وبديهية مألوفة عندما لا يرون غير صمت غير مجد يصم دويه الآذان".