محمد الامين: بإستعراض عسكري حضره الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مدينة طهران تكون إيران قد دشنت فعاليات أسبوع الدفاع المقدس، وهي التسمية التي يطلقها الإيرانيون على الحرب التي يرون أن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين فرضها عليهم والتي تعرف بالحرب العراقية الايرانية، وعلى الرغم من مرور 28 عامًا على اندلاع هذه الحرب التي تعد من أطول الحروب في القرن العشرين، فإن وسائل الإعلام الإيرانية أبدت إهتمامًا كبيرًا بهذه المناسبة ويرى المحرر السياسي في صحيفة جام جم الواسعة الانتشار أن سر هذا الاهتمام يكمن فيquot; قضايا مهمة عديدة لم يتم الكشف عنها وتحتاج الى عامل الزمن، فالجيل الجديد من الايرانيين ما زال يبحث عن إجابات بخصوص تلك المرحلة: اندلاع الحرب، استمرارها، بطولات ابناء بلدهم في الدفاع عن الوطن، وعن نهاية الحرب التي فرضت على الامام الخميني تجرع كأس السمquot;.


وشهدت الساحة السياسية الايرانية سجالاً حول استمرار الحرب بعد تحرير مدينة خرمشهر quot; المحمرةquot;عام 1982 وعن الأسباب التي دفعت القيادة الايرانية الى رفض مبادرات وقف اطلاق النار، أدلى فيه كبار المسؤولين الايرانيين وجهات نظرهم في هذا الأمر وفي مقدمتهم الرئيس الايراني السابق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يشغل حينها منصب نائب قائد القوات المسلحة.


مرتضى سرهنكَي
في حوار هاتفي مع ايلاف قال السيد مرتضى سرهنكي رئيس مؤسسة أدب المقاومة والصمود quot; لم تكن هناك مبادرات صلح حقيقة طرحت على ايران، لا توجد وثيقة واحدة تثبت أن دولاً أو منظمات دولية قدمت مشروعًا واضحًا لإنهاء الحرب، إن ما حدث بعد تحرير مدينة خرمشهر هو ان قوى دولية سعت بوسائل وحيل مختلفة لإيقاف الانتصارات الايرانية المتتالية وانقاذ نظام صدام حسين من الخسائر المتعاقبة، ثمة من يقول أن الايرانيين تعرضوا لحرب مفروضة عام 1980 ثم لصلح مفروض عام 1982، ولكن لاوجود لأي مبادرة صلح جادة حينذاك. نحن نعتقد أن الدكتاتور صدام حسين لم يكن الرجل الأول للحرب، انما كان يخوض حربًا بالوكالة عن قوى دولية، أرادت أن تقضي على ثورة الشعب الايراني.

وكالة أنباء فارس الايرانية في تقريرها المعنون quot;لماذا استمرت الحرب بعد تحرير خرمشهر؟ تصوغ السؤال على النحو التالي quot;في خصوص استمرار الحرب بعد تحرير مدينة خرمشهر دائمًا ثمة سؤال يطرح بالشكل التالي: لماذا استمرت الحرب؟ وتجيب وكالة فارس: من الناحية التاريخية ثمة أسئلة في غاية الأهمية تعقب الحوادث التاريخية الكبرى وتتقصى نتائج ومخلفات تلك الحوادث، ومن الصعب الاجابة على هذه الاسئلة الا بعد مرور فترة من الزمن، ولا بد ان نذكر هنا أن تحرير خرمشهر في عمليات بيت المقدس أثبت تفوق القوات البرية الايرانية على القوات العراقية، السرعة في شن عمليات عسكرية واسعة متزامنة وفي مناطق مختلفة من جبهات الحرب والانتصارات التي تحققت بفعل هذه العمليات، كانت دليلاً على امكانية تحقيق انتصار كبير وحاسم، ووفقًا لذلك فإن المنطق العسكري والسياسي يرجح استمرار العمليات العسكرية لتحقيق النصر النهائي على القبول بامتيازات متواضعة لا تكفل حق الشعب الايراني الذي تعرض لحرب جائرة، المنطق نفسهالذي فرض استمرار الحرب في عامها الثاني هو الذي فرض الموافقة على وقف اطلاق النمار في عامها الثامن من أجل الحفاظ على المكتسبات، فاستمرار الحرب بعد عام 1988 كان يعني أن نخسر التفوق الذي أحرزناه.

يعتقد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني أن quot;الحرب فرضت على الشعب العراقي قبل أن تفرض على الشعب الايراني وان العلاقات الاخوية بين الشعبين لم تتأثر بسبب الحرب: في المؤسسة التي أديرها والتابعة لمركز الفكر والفن الاسلامي أصدرنا مئات المؤلفات التي لها علاقة مباشرة بأدب الحرب والمقاومة، ويسرنا ان جميع هذه المؤلفات تنظر الى الجندي العراقي كإنسان مسالم فرض حزب فاشي الحرب عليه، التقيت في التسعينات رئيس تحرير صحيفة ايزفيستيا الروسية.
وسألني: ما هي مشكلتكم مع الشعب العراقي؟ فأجبته لا مشكلة لنا مع الشعب العراقي بل نحن والشعب العراقي تعرضنا لحرب شنها ضدنا صدام حسين وحزبه الفاشي، الأمر يشبه علاقتكم بالشعب الألماني فلستم أعداء للشعب الألماني انما مع النازية التي شنت الحرب ضدكم.


الشاعر العراقي صلاح حسن يتحدث عن الجانب الآخر من أدب الحرب أي أدب الحرب الذي روّج له النظام الديكتاتوري البائد : أدب الحرب في ظل نظام صدام حسين كان أدبا غير انساني، جرّد الانسان من انسانيته وحوله الى وحش، quot;صور من المعركة quot; التي كان يقدم لها الشاعر الفلسطيني أديب ناصر وقصائد عبد الرزاق عبد الواحد كانت في غاية الوحشية وتخلو تمامًا من القيم الانسانية حتى في حربه مع خصمه.
لقد تركت الحرب جروحًا نفسية لن تندمل سواء في الجانب العراقي او في الجانب الايراني، وقد آن الأوان لحوار ثقافي عراقي ايراني يمكنه أن يسهم في تضميد الجراح، اذا كنا نعرف كيف نوّجه هذا الحوار من أجل خلق فرص للسلام، لا بد من الاطلاع على وجهات نظر الايرانيين، نتفق معهم بأن صدام حسين هو الذي شن الحرب ضدهم، ولكننا نريد ان نعرف الاسباب التي جعلت القيادة الايرانية ترفض مبادرات وقف اطلاق النار، المواطن العراقي مازال ضحية حرب ليس طرفًا فيها.

يعتقد الكثير من المتخصصين في الشؤون الايرانية ان للرئيس الايراني الأسبق على أكبر هاشمي رفسنجاني الدور الكبير في موافقة ايران على اتفاقية 58، وقد صرح رفسنجاني لوكالات الأنباء الايرانية مؤخرًا عن تفاصيل مهمة في هذا الشأن، فهو يرى أن الموافقة جاءت في أفضل توقيت، وقد أنقذت الموافقة ايران من خطر كبير، وأنها جاءت بعد تحرير الأراضي الايرانية، وكان الامام الخميني يرفض دخول القوات الايرانية في الاراضي العراقية لأنها قد تعرض المواطنين العراقيين الابرياء للخطر، وكان هناك رأي لقياديين عسكريين يرون استحالة تحقيق نصر شامل من دون الدخول في الأراضي العراقية، وقد وافق الامام الخميني بشرط عدم الحاق اضرار بالشعب العراقي، ولهذا السبب تم اختيار المناطق الخالية من السكان لشن حملات عسكرية،. لقد رفضنا قرارات من مجلس الأمن لأنها لم تحدد هوية المعتدي، ووافقنا على القرار المرقم 589 لأنه نص على تنبيه المعتدي وتعويض الخسائر..ان الولايات المتحدة وقوى أخرى زودت النظام البعثي باسلحة خطرة ليستعملها ضد المواطنين العزل في المدن الايرانية وليس بمقدورنا أن نستعمل الأسلحة ذاتها ضد المواطنين العراقيين. إعتقد صدام حسين أننا وافقنا على وقف اطلاق النار بسبب ضعفنا وعجزنا على مواجهته والحقيقة هي ان الحكمة جعلتنا نفكر بمدى الخطر الذي سيتعرض له أبناء شعبنا لو أنه قصف المدن الايرانية بالاسلحة الكيمياويةquot;.


لم تخلف الحرب التي شنها نظام صدام حسين أكثر من مليوني ضحية في البلدين فقط وانما خلفت اسئلة مصيرية لم يتم الاجابة عنها بعد، حسين آرمان بور موظف في بانك صادرات فقد والده في قصف استهدف السوق التجاري لمدينة قم عام 1987 قال لايلاف: حرب المدن كانت مؤثرة في وضع حد للحرب وانهائها، واتمنى على اخواني العرب الذين مازالوا يحتفظون بعاطفة كبيرة تجاه صدام حسين أن يطلعوا على جرائمه تجاه الابرياء العزل، فقد كان الطيران الحربي العراقي يستهدف المناطق المزدحمة بالسكان، سافرت شخصيا مرتين الى العراق في العام الماضي، لم أتخيل للحظة واحدة ان العراقي هو خصمي او قاتل والدي، نفس العصابة الاجرامية التي فرضت علينا الحرب فرضت ارادتها على الشعب العراقي.