كامل الشيرازي من الجزائر: يمثل شهر رمضان في الجزائر، فرصة ثمينة لسكان البوادي هناك لإحياء عادات قديمة أضحت في عداد الماضي وذابت في محتوى الممارسات العصرية، لكن تمسك المجتمع البدوي المحلي بموروثه الثقافي، ساعد على إبقاء الكثير من العادات والتقاليد حتى وإن كان ذلك مقترنا بمواسم محددة كشهر الصيام.


ورغم اختلاف هذه العادات بين عموم البدو في الجزائر، إلاّ أنّ القاسم المشترك بينهم هو الرجوع إلى الأصيل من الطقوس والتميز في أنماط الحياة اليومية مقارنة بباقي أيام السنة، ويقول الحاج بلقاسم في الستينات من العمر، وهو ابن بادية بمدينة الأغواط الجنوبية، إنّ أكثر العادات حضورا تقوم على إعادة بناء الخيم وتحويل مكانها، كما يقوم أرباب البيوت بذبح خرفان وتجفيف لحومها ونشرها على طريقة القديد، ليتم استهلاكها لتستهلك بالتجزئة، على أن يجري معاودة عملية الذبح عند انتهاء كميات اللحم المتوفرة، وهكذا دواليك حتى نهاية الشهر الفضيل.


ويستمتع سكان البدو بهواية الصيد أثناء الصيام، إذ يخرج أبناء (الدوّار) الواحد في جماعات تعرف بـquot;الحيحايةquot; وتعني (فرسان الصيد) معتمدين على ثلاثية quot;الفارسquot; وquot;البندقيةquot; وquot;السلوقيquot;، لتكون الصائدة شواء يلتف الجميع حوله في وجبة الإفطار ويتلذذون بطعمه.


وتقول العجوز زهرة (74 عاما) أنّ النسوة في المجتمع البدوي يعكفنّ على تحميص الطعام وغربلة الدقيق وتصفية القمح والشعير قصد استخدامهما في طبق الحريرة، وإلى جانب ذلك تقدم النسوة على طحن الأعشاب البرية كـquot;الزعترquot; وquot;الجرتيلquot; ليتم استعمالها كتوابل للأطباق الرئيسية، دون نسيان نبتة quot;الشويحيةquot; التي تضاف إلى الشاي لتعطيه مذاقا إضافيا يرتشفه الساهرون في حلقات السمر، فيما تشير الحاجة فاطمة (66 سنة) إلى تقليد وضع الحنة على أيادي النساء والأطفال المقبلين على الصيام لأول مرة، وتحضير طبق quot;المردودquot; في آخر يوم من شهر شعبان، إضافة إلى تدريب الصبايا على طهي المطلوع والكسرة.


ويُقبل أهل البادية على عادة quot;الذويقةquot; والتي تعني تبادل المأكولات بين الجيران تعبيرا عن مدى المودة والاحترام الساري بينهم، كما يضاف إلى ذلك quot;الدورquot; وهو تناوب الجيران على دعوة بعضهم البعض لتناول وجبة الإفطار وتبادل الزيارات بين العوائل والجلوس إلى بعضها البعض خلال الفترة الممتدة بين الإفطار والسحور، والتي عادة ما يتم خلالها أيضا تحضير أطباق تقليدية مشتهرة كـquot;المسفوفquot; وquot;البرزقانquot; وquot;البغريرquot;.


وفي بوادي غرب الجزائر، يعتني السكان هناك بطبق quot;السفةquot; وهو نوع من الكسكسي، وتُحضر أكلة quot;السفةquot; الشعبية سواء بالعنب أو البطيخ الأحمر، ويرجع الأستاذ عبد القادر عون الله (52 سنة)، الاهتمام بطبق quot;السفةquot; إلى كونه في متناول الجميع، ويتم تحضيره بالزبدة الطبيعية بالإضافة إلى الكسكسي والزبيب، بما يوفر الطاقة المطلوبة للصائم، حيث يحتوي على نسبة هامة من البروتينات فضلا على الفوائد الصحية للبطيخ الأحمر والعنب المعروف بفيتاميناته وخصائصه في تسهيل عملية الهضم.


ويسجل شريف (48 عاما) أنّ طبق quot;السفةquot; يجنب الصائم التعقيدات الناجمة عن الكمية الكبيرة للزيوت التي تحتويها جل الحلويات الشرقية خاصة بالنسبة للذين يعانون من أمراض المعدة، خصوصا وأنّ بعض صانعي هذه الحلويات قليلا ما يراعون مدى صلاحية زيوت الطهي بعد استعمالها لعدة مرات متتالية، وعلاوة على ذلك، يعتبر طبق السفة جد مناسبا لمرضى السكري الذين يستطيعون من خلاله التحكم في كمية السكر المستهلكة، حيث يُضاف العسل إلى الكسكسي حسب ذوق وإرادة كل شخص.


ويولي سكان البوادي بضواحي سعيدة والمشرية عناية شديدة بالضيافة، حيث يتناوب الجميع على مدار كل أيام الشهر الفضيل على استضافة أهل البادية، وتوضع الزرابي والبطانيات، في حين يقدّم الشاي والفول السوداني في الوهلة الأولى، وما أن تفرغ ربة البيت من إعداد طبق quot;السفةquot;، حتى يُقدم للأصدقاء مرفوقا باللبن والفواكه الباردة، ويحدث أن تسمح حالة المضيف المادية بتزيين مائدة السهرة بالحلويات الشرقية بعد تناول quot;السفة quot; لتتواصل السهرة إلى الساعات الأولى من اليوم الموالي في أجواء حميمية تزيده بهجة الطقس المنعش وهوائه العليل.