شهد الميركاتو الشتوي المنصرم بروز الدوري التركي المسمى بالرابطة الممتازة على ساحة إنتقالات اللاعبين كوجهة مفضلة جديدة يقصدها نجوم الكرة المخضرمين ممن أوشكوا على الاعتزال بدلا من الدوري الأمريكي أو الصيني أو الدوريات الخليجية التي ظلت تستقطب هذه الطينة من اللاعبين لسنوات كثيرة ، غير ان الجديد هذا العام هو أن الموضوع لم يقتصر على اللاعبين المخضرمين بل شمل لاعبين أخرين في مقتبل العمر لا تزال أمامهم مواسم أخرى قبل الاعتزال.

ديدا ميلود - إيلاف :عرف شهر يناير الماضي إبرام الأندية التركية خاصة الثلاثي الكبير غلطة سراي و فناربخشة و بيشيكتاش صفقات من العيار الثقيل فرضت نفسها كمادة دسمة للإعلام الأوروبي صفقات عجزت حتى الأندية الأوروبية الكبرى من تحقيقها ، فقد تمكن نادي غلطة سراي من التعاقد مع النجم الهولندي ويسلي شنايدر و هو الذي رشح للانضمام إلى أندية إنكليزية وروسية أخرى لكن الاتراك تمكنوا من خطفه و نفس الشيء تكرر مع نجم منتخب ساحل العاج العائد من تجربة فاشلة في الصين ديديه دروغبا ، حيث انضما إلى ترسانة من النجوم من أمريكا اللاتينية و إفريقيا انتدبتهم الأندية التركية في المواسم القليلة الماضية على غرار السنغالي موسى ساو و البرتغالي ميرالاس و النيجيري جوزيف يوبو بطل إفريقيا مع النسور الخضر و مامادو نيانغ و البرازيلي فليبي ميلو و التشيكي طوماس اوزفالوزي و البرتغالي هوغو الميدا و الهولندي ديرك كويت و أسماء أخرى فضلت الرابطة الممتازة عن الليغا الإسباني و عن البريميير ليغ الإنكليزي و الكالتشيو الإيطالي ، فارتفع عددهم من تسعة لاعبين قبل عشر سنوات إلى 200 لاعب أجنبي الموسم الحالي موزعين على 18 ناد إذ أن وجود اللاعب الأجنبي أصبح ضرورة في تركيا و العدد مرشح مع كل ميركاتو للزيادة بعدما وجدوا هناك راحتهم المالية و الفنية.
بطولة محلية قوية
بطولة الدوري التركي هناك لا تقل شأناً عن بقية البطولات الأوروبية الممتازة ،فمن الناحية الفنية فأن التنافس على اشده و لم يعد يقتصر على الثلاثي الكبير بعدما انضمت أندية أخرى على غرار بورصا سبور و انطاليا سبور والتي انضمت إلى لائحة المرشحين كل موسم لتنافس على المراكز الأولى بما فيها اللقب. .
و من الناحية الجماهيرية فأن المباريات تلعب بمدرجات مملوءة عن أخرها فأندية بشيكتاش و غلطة سراي و فناربخشة لوحدها تحتكم على قاعدة شعبية تزيد عن العشرين مليون من العشاق ، و هو العامل الذي ادى إلى زيادة حصة الأندية التركية من عائدات البث التلفزيوني من 160 مليون يوروإلى50 مليون في العام 2011 ، و في السياق نفسه فأن ملكية الاندية التركية من قبل كبار الأثرياء ساهم في زيادة مواردها المالية و جعلها في وضع مريح من الناحية المادية و بعيدة عن الأزمة المالية التي تعصف منذ سنوات بالأندية الأوروبية و أجبرتها على مراجعة رواتب لاعبيها أو حتى بيعهم لتقليص نفقاتها و ديونها المتراكمة و التي تهددها بالإفلاس.
و استفادت الأندية التركية من الطفرة الاقتصادية التي عرفها البلد منذ اعوام فانتقلتإلىالمجال الرياضي الذي تريد حكومة رجب طيب اردغان أن تستغله جيداً للترويج لتركيا الجديدة أوروبيا و عالمياً حيث ستنظم نهائيات كأس العالم هذا العام الخاص بفئة الشباب و ستنظم أيضاً نهائيات بطولة أمم أوروبا للعام 2020 ، و هي استراتيجية مشابهة لتلك التيانتهجتهاالولايات المتحدة عندما احتضنت الأولمبياد مرتين 1984 و 1996 و نهائيات كأس العالم 1994 ، و تتبعها أيضا قطر ، فتركيا تتطلعإلىتوظيف الثروة المتراكمة لديها ليس فقط لتلميع صورة البلد بل و أهم من ذلك لإنتاج ثروة ضخمة اخرى .
ارتفاع في الرواتب وانخفاض في الضرائب
و لأن الأندية التركية تدرك جيداً بان كتف اي نجم تأكل من راتبه الشهري و من الضريبة التي تفرض مداخليه ، فقد لجأتإلىرفع الرواتب المرصودة لهؤلاء اللاعبين مع تخفيض هام في نسب الضرائب التي توجب عليهم وبنسب أقل بكثير مما عليه في بلدان أوروبية اخرى ، بل ان الحكومة التركية و هو ما يؤكد عزمها على مزج الرياضة بالسياسة سنت تشريعات خاصة بنجوم الكرة فقط في هذا المجال ، اذ ان لاعبي الكرة الأجانب لا يدفعون سوى 15 في المائة من عائداتهم المالية السنوية في وقت يدفع نظرائهم في فرنسا 46 في المائة و في إنكلترا 50 في المائة ، فكان طبيعي جداً على فئة معينة من اللاعبين على غرار المخضرمين أو أولئك الذين فقدوا مكانتهم في التشكيل الأساسي ان يختاروا اللعب في تركيا حفاظاً على امتيازاتهم المادية و على مكانتهم الفنية كنجوم للاستمرار مع منتخبات بلدانهم و أيضاً البقاء في قلب القارة العجوز خاصة من أجل المشاركة في دوري أبطال أوروبا أو الدوري الأوروبي أمام مدرجات مكتظة عكس الانتقالإلىالصين أو امريكا حيث المال فقط متوفر أما غير ذلك فيتركونه خلفهم.
طفرة كروية قادمة
و يرشح الخبراء المتابعين للموضوع بأن تزداد مطالب الأندية التركية لتمتد للمنافسة على نجوم يافعين القادمين من البرازيل أو الأرجنتين و يرشحونها لكسب هذا الرهان في حال بقيت الأوضاع الاقتصادية على حالها ، كما أن بروز احدى الأندية التركية في مسابقة قارية من شأنه أن يغري اللاعبين الأجانب أكثر على الانتقالإلىهناك تمام مثلماً حدث في بداية الألفية عندما توج غلطة سراي بكأس الاتحاد الأوروبي عام 2000 مع نخبة من الأجانب على غرار الحارس البرازيلي كلوديو تافاريل و المايسترو الروماني جورج حاجي و مواطنه المدافع بوبيسكو ، ثم بلوغ المنتخب التركي نصف نهائي مونديال العام 2002 باليابان و كوريا .
فالمواسم التي تلت شهدت توافد أسماء ثقيلة في عالم المستديرة أشهرهم المهاجم الهولندي بيار فان هويدونك و النيجيري جاي جاي اوكوشا و المايسترو الأرجنتيني ارييل أورتيغا و الفرنسي نيكولا انيلكا مع نادي فناربخشة و الهولندي فرانك دي بور و البرازيلي المهاجم ماريو جاردل مع غلطة سراي و النيجيري دانييل اموكاتشي و و النرويجي جون كارو مع نادي بيشكتاش و حتى النجم الفرنسي الحالي لنادي بايرن ميونخ فرانك ربيري سبق له أن عرج على الدوري التركي مع نادي غلطة سراي .
كما استقدمت الرابطة الممتازة التي تحتل المركز العاشر في الدوريات الأوروبية مدربين عالميين كثيرين أبرزهم الهولندي فرانك رايكارد و البرازيلي زيكو و الإسباني ديل بوسكي و الألماني كريستوف دوم و حتى الاسطورة الأرجنتيني دييغو مارادونا كان قاب قوسين أو ادنى من العمل هناك بعد رحيله عن النصر الإماراتي.
فتركيا بفضل إمكانياتها المادية و البشرية و تاريخها العريق و نظرتها الإيجابية للمستقبل مرشحة و بقوة لتتحول إلى إنكلترا جديدة في ظرف سنوات .