رغم اعوامه الـ87، لن يتردد ميرسيا باربو ولو للحظة في الخروج من منزله الاربعاء في ظل البرد القارس من اجل مشاهدة الموقعة التقليدية المنتظرة في رومانيا بين قطبي العاصمة دينامو بوخارست وستيوا بوخارست، اللذين حافظا على عداوتهما التاريخية رغم زوال مسبباتها اي النظام الشيوعي الذي خلف تأسيس الناديين.

وميرسيا ليس الشخص الوحيد المستعد لتحمل الاجواء المناخية الصعبة جدا من اجل متابعة هذه المواجهة من المدرجات، بل من المتوقع ان يحتشد عشرات الالاف من مشجعي الفريقين في الملعب الوطني الذي اعتاد حماوة المواجهات بين الغريمين التقليديين اللذين تعود جذورهما الى النظام الشيوعي المسيطر على مقاليد الحكم في البلاد لعقود عدة، وساهم هذا الامر في هيمنتهما على زعامة الكرة المحلية.

وكما الحال في دول اوروبا الشرقية، فان رومانيا خضعت للحكم الشيوعي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مما ادى إلى تغييرات جذرية في المؤسسات الرياضية، فزالت الكثير من الاندية المحترفة في كرة القدم وحلت مكانها اندية جديدة معظمها كانت مرتبطة بالنظام الشيوعي، وكان ستيوا ودينامو من بين هذه الاندية الجديدة ومثلا وزارتي الدفاع والداخلية على التوالي.

وبفضل الدعم الكبير من المؤسسين الشيوعيين للناديين، فقد شاركا مباشرة في دوري الدرجة الاولى الرومانية للمرة الاولى عام 1948 واستقطبا افضل اللاعبين في البلاد حيث منحوا جميعا مناصب عسكرية ايضا.

وبعد ان بدأ الفريقان بحصد الالقاب تباعا، بدأت المنافسة قوية على الزعامة بين الوزارتين اللتين يمثلانهما. كان دينامو بوخارست يحتج على تحيز حكم عائلة تشاوشيسكو لخصمه في المدينة الواحدة، في حين كان ستيوا يتهم منافسه باللجوء الى الشرطة الرومانية السرية لكي تمارس ضغوطا عليه.

ورغم انهيار الحكم الشيوعي، استمرت المنافسة بين ستيوا ودينامو على ارض الملعب من دون ان تخسر شيئا من شراستها حتى في ظل تراجع المستوى الفني للفريقين على الساحة القارية وللكرة الرومانية بشكل عام.

ويمكن القول ان وضع ستيوا افضل بكثير من دينامو اذ توج بلقب الدوري المحلي ثلاث مرات في المواسم الاربعة الاخيرة، رافعا رصيده القياسي الى 26 لقبا كما احرز كأس الرابطة في الموسمين الاخيرين، في حين ان جاره لم يفز بلقب الدوري المحلي منذ 2007 لكنه يحمل لقب مسابقة الكأس.

ويؤكد الحارس السابق لستيوا هيلموث دوكادام، بطل المباراة النهائية لكأس الاندية الاوروبية البطلة لعام 1986 حين انقذ جميع الركلات الترجيحية لبايرن ميونيخ الالماني وقاد الفريق الروماني للقب المسابقة القارية، لوكالة فرانس برس: "ان المشجعين ما زالوا يقولون حتى الان: بغض النظر عن الترتيب، ما يهم حقا هو الفوز على ستيوا او دينامو، وحينها سننقذ الموسم".

 الاستخبارات في مواجهة الجيش

ويشير اوفيديو ايوانيتوايا، مدير صحيفة "غازيتا سبورتوريلور"، انه "لطالما كانت هذه الخصومة موجودة، خصومة الكبرياء التي استمرت وتنامت مع ازدياد قوة كل من الادارتين (وزارة الدفاع ووزارة الداخلية)".

والخصومة بين الفريقين وصلت الى ذروتها خلال الثمانينات عندما اصبح الابن الاكبر للدكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، فالنتين، العراب غير الرسمي لستيوا وذلك في مواجهة مشجع "سلطوي" من نوع اخر في صفوف دينامو بشخص تودور بوستيلنيكو، مدير وكالة الاستخبارات "سيكوريتات".

ويتذكر ايوانيتوايا احدى المباريات "الحساسة" في تاريخ مواجهات الفريقين قائلا: "خلال نهائي كأس رومانيا عام 1988 وبعد ان الغى الحكم هدفا لستيوا بداعي التسلل، امر فالنتين تشاوشيسكو الفريق بمغادرة ارضية الملعب".

وكانت تلك المواجهة الاكثر شراسة بين الفريقين وجاء الهدف الذي الغي لستيوا في الثواني الاخيرة حين كان التعادل سيد الموقف 1-1.

واعتبر ستيوا ان الحكم الغى القرار بسبب الضغط الذي واجهه من قبل الجهاز الفني واللاعبين الموجودين على مقاعد احتياط دينامو الذي رفع الكأس في ارضية الملعب بعد انسحاب غريمه لكن الاخير منح اللقب في "المكاتب".

وعندما سقط النظام الشيوعي عام 1989، عرض ستيوا ان يعيد الكأس لدينامو لكن الاخير رفض استلامها.

وعادت العداوة بين الفريقين لتظهر في احدى مباريات الدوري التي استضافها ملعب ستيوا السابق "جينسيا" في الموسم التالي. 

كانت المباراة صاخبة واكملها دينامو بتسعة لاعبين وخسرها 1-2. ولحظة مغادرته ارضية الملعب، توجه قائد دينامو يوان اندون صوب المنصة الرئيسية حيث يجلس فالنتين تشاوشيسكو وصفق له بطريقة ساخرة.

وكان ملعب "جينسيا" مسرحا ايضا لحدث مأساوي في موسم 1996-1997 حيث اضرم مشجعو دينامو النار في مدرجات يجلس فيها مشجعو ستيوا اثر خسارة فريقهم 1-3 في الدوري، وذلك تعبيرا عن غضبهم من السقوط امام الغريم التقليدي.

وحتى اليوم، ما زال بعض مشجعي دينامو المتشددين يحتفلون بذكرى 10 ايار/مايو 1997، اي اليوم الذي اضرموا فيه النار بمدرجات مشجعي ستيوا.

ويؤكد ايوانيتوايا ان الانتقالات بين الغريمين كانت نادرة جدا و"الذين ينتقلون بين ستيوا ودينامو صنفوا كخائنين".

"الخيانة" امر لم يفكر به يوما ايون بيركالاب، الجناح الذي دافع عن الوان دينامو في الستينات: "خضت على اقل تقدير 30 مباراة دربي ضد ستيوا وما زالت تراودني نفس المشاعر، القلق ذاته ورغبة الفوز ذاتها".

 الفضائح 

وبعد اعوام طويلة من الخصومة، تشارك الغريمان المصير ذاته وعاشا فترة صعبة بسبب الفضائح التي ضربتهما وتراوحت بين الفساد والتلاعب بنتائج المباريات والتهرب من الضرائب، ما اثر على اللعبة برمتها في رومانيا وادى الى سجن بعض من مسؤولي الناديين.

وبعد ان فشل في احراز لقب الدوري المحلي منذ 2007، عانى دينامو الذي يحتل المركز السادس حاليا، ازمات مالية متلاحقة واعلن افلاسه قبل عامين لكن الوضع ليس افضل بالنسبة لغريمه ستيوا، متصدر الترتيب الحالي ووصيف بطل الموسم الماضي، اذ اجبر على ترك ملعبه التاريخي وجرد من شعاره بعد خسارته المعركة القانونية حول العلامة التجارية مع الجيش الذي انفصل عنه النادي عام 1999 لكن الطرفين توصلا الى اتفاق يقضي بمحافظة النادي على اسمه والوانه.

والادارة المهزوزة ليست بالشيء الذي يغفره الجمهور وقد قرر قسم منه مقاطعة المباريات اعتراضا على الوضع السيء الذي وصل اليه ستيوا "الفريق الذي بنيت حياتي حوله" بحسب مشجع في الاربعين من عمره، مضيفا: "الامر الاهم كان الوقوف خلف النادي حتى وان كان ذلك يعني التغيب عن الامتحانات او فقدان الوظيفة. 90 بالمئة من شغفي عشته خلال المباريات امام دينامو، خصمنا الحقيقي".